حاوره: علاء الدين محمود إبراهيم سالم، واحد من الأسماء المسرحية الإماراتية التي رسخت بقوة في قلوب عشاق المسرح الإماراتي والعربي؛ سواء على صعيد اشتغاله في التمثيل والأدوار التي قدمها بتميز وإتقان، أو على صعيد عمله كمخرج صاحب حلول ورؤية مختلفة.قدم سالم خلال مسيرته المسرحية عطاءات كثيرة، وكان واحداً من العاملين المجتهدين في المسرح الإماراتي، رفقة أصدقائه وزملائه الذين كانوا مشغولين بهموم الخشبة وشواغلها في الإمارات، حيث عمل رفقتهم بجد وتفانٍ كبيرين لمحاولة تجاوز جملة العقبات التي تواجه هذا الفن والمشتغلين فيه. «الخليج»، أجرت الحوار التالي مع سالم، واستطلعت آراءه حول شواغل الفنون، وراهن المسرح الإماراتي اليوم. بداية كيف تنظر إلى واقع المسرح الإماراتي اليوم، من حيث الحراك وما يقدم؟ - المسرح في الدولة من أكثر المسارح المحظوظة في العالم العربي، وذلك لما يتمتع به من دعم كبير من قبل المؤسسات الحكومية بصورة خاصة، بغرض الارتقاء بهذا الفن، وذلك مشهود عليه من خلال المهرجانات والمنافسات المقامة على أرض الدولة، وهنالك الدعم الكبير لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي له عطاءات كبيرة لا تقدر بثمن للمسرح الإماراتي والعربي، لذا أقول إن المسرحيين الإماراتيين أصحاب حظوة في ظل هذا الدعم.تبقى عدة مسائل لا بد من إتمامها في سبيل المضي قدماً والارتقاء أكثر بالحركة المسرحية في الدولة، يقف في مقدمتها وجود أكاديمية متخصصة تعد وتنشئ جيلاً جديداً من المسرحيين، مدعماً بالدراسة النظرية والعملية، ويساورني تفاؤل كبير بأن المسرح الإماراتي، سيصبح رائداً في التنوير بالنسبة للفعل المسرحي في العالم العربي. ترك المسرح الإماراتي رغم حداثة عمره، بصمات واضحة، غير أن الملاحظ هو أن النشاط المسرحي ظل يرتبط بالمهرجانات في معظمه، ما تعليقك على ذلك؟ - حقيقة، لديّ إشكالية مع كلمة حداثة، دعنا نتكلم على نحو واقعي، فربما جميع الدول العربية قد سبقت المسرح الإماراتي، ولكن نحن الآن لنا 80 سنة، وهذا ليس بالوقت القريب؛ فإذا كانت الخمسون عاماً تعتبر تراثاً، فما بالك بـ 80 عاماً، وهذه مسألة قد نختلف أو نتفق عليها.أما بالنسبة لارتباط الحركة بالمهرجانات، فإنني لا أرى أي إشكال في الأمر، وذلك لسبب وجيه، أن عدد المهرجانات المقامة على أرض الدولة كبير جداً، ولا أعتقد أن أي دولة عربية تحتضن الكم ذاته، وهي مهرجانات تمتد على فترة طويلة نسبياً، ليس هذا فحسب؛ بل إن المهرجانات تجاوزت حدود النطاق الجغرافي للإمارات، واتجهت مؤخراً إلى الدول العربية، من خلال المبادرة التي أطلقها صاحب السمو حاكم الشارقة مؤخراً، لإقامة مهرجانات محلية داخلية في البلدان العربية، وهنالك المنهج المدرسي الجديد في الإمارات، والذي سيضاف إليه مادة المسرح.المسألة إذاً لا تقتصر فقط على المهرجانات، ويخيل لي أن الأعوام الخمسة القادمة ستحمل الكثير للحركة المسرحية الإماراتية، وسيثبت هذا التحرك إيجابيته وأهميته. إلى أي مدى أسهمت مهرجانات مثل الصحراوي، والثنائي، وخور فكان، في إيجاد أفق للمسرح العربي في سعيه للوصول إلى صيغة خاصة به؟ - أعتقد أن أكثر معاناتنا كمسرحيين ومبدعين في العالم العربي، ناجمة من تقديم التنظير على التجربة، وهذه مسألة خاطئة؛ فالمسرح الاحتفالي في العالم العربي، على سبيل المثال، كان مجرد أوراق مكتوبة، ولم نجد تجربة حقيقة في ما يتعلق بالمسرح الاحتفالي؛ أما فيما يتعلق بالمسرح الصحراوي، أو الثنائي، فإننا نتحدث عن تجربة تنتظر التنظير، وكشف إيجابياتها وسلبياتها، وإجراء نقاش أكاديمي حولها، وهذه مسألة غاية في الأهمية.إن المهرجانات التي تحتضنها إمارات الدولة كالثنائي، والمسرحيات القصيرة، والصحراوي، والشباب، والطفل، هي عبارة عن تجارب تنتظر التنظير والبحث الأكاديمي، ولكن بعض النقاد العرب لا يضعون المسألة في هذا السياق، بل يتحدثون بتعالٍ، وذلك بدا واضحاً في حديثهم عن المخرج محمد العامري عندما وصفوه بالمغامر، وهو في حقيقة الأمر ليس مغامراً بل باحثاً عن كل ما هو جديد؛ فالعامري هو نتاج هذه المهرجانات والأفكار التي تبذل، ويبدو لي أن التجربة دائماً هي الحقيقة، وليس التنظير لتجربة لم توجد بعد، وعليه سنجد مخرجين وكتّاباً مختلفين في أفكارهم، فهذه المهرجانات أظهرت أشخاصاً مبدعين حقيقة. ما زال الجمهور غائباً عن العروض، متى يتحقق حلم الجماهيرية بالنسبة للمسرح؟ - في اعتقادي أنها ليست مشكلة الجمهور، هي مشكلة المُلقي وليس المتلقي؛ فالمتلقي ينتظر رسالتك، وينتظر صدقك في هذه الرسالة، ومدى ارتباط ما تقدمه بقضاياه بعمق. كنا في السابق عندما نجد 50 شخصاً في القاعة نستبشر ونفرح، ولكننا الآن نغضب إذا نزل العدد إلى 200 شخص، ورغم ما يقال - إن الذي يحضر هو جمهور نخبوي فإني أعتقد أنه وصف لا صحة فيه، حيث لا يوجد شيء اسمه جمهور نخبوي لكن ذائقة الجمهور قد تطورت، وصار يقبل على حضور العروض، والتحدي الماثل هو كيفية استقطاب جمهور أكبر. أنا أقف مع التنوع ولست ضد الكوميديا الاجتماعية، لكني أنظر إلى العرض أولاً إذا كان يحقق شروط وجوده كمسرح فاعل أكاديمي مدروس فيه بحث واشتغال جدي، لكن عندما أقدم عملاً وأكتب عليه «مسرحية جماهيرية»، وهي في حقيقتها عبارة عن تعليقات وسخرية غير موضوعية، فهذا أمر لا أعتبره مسرحاً.النقطة الأهم بالنسبة لي هي مدى صدق الفنان في تعامله مع المسرح، ؛ فالقضية ليست عدد الجمهور، لأن الرسالة لا تنتظر عدد الجمهور؛ بل الإيمان بها والجمهور سيحضر عندما يستشعر صدقية الرسالة، ومدى المحبة والتفاني اللذان وضعهما الفنان في عمله. البعض يرى أن المسرح الإماراتي مازال مشغولاً بقضايا الماضي، مارأيك بذلك؟ - لو كان المسرح الإماراتي فعلاً كذلك، لما وجدته في عداد المسارح العربية المتقدمة والمنافسة في المشهد العربي، وحتى الماضي إذا لم يطرح بعمق فهو لن يصبح عملاً مسرحياً جيداً، الماضي أو المستقبل أو الآني يحكمهم الصدق، فهذه العملية مهمة جداً في بروز العمل ونجاحه، وأحيلك إلى مسرحية «مولاي يا مولاي»، فالعرض كان عبارة عن فكرة بسيطة وهي «عقوق الوالدين»، ولكن في هذا العمل كان هنالك عمقاً في اللغة، وفي الأداء، والإخراج، والشكل والرؤية، الأمر الذي انعكس على تلك القضية التي تناولناها في المسرحية، وصارت أكبر وأجمل.
مشاركة :