اكتسى مسجد نمرة في صعيد عرفات الطاهر اليوم (الاثنين)، حلة بيضاء كأنه قطعة إحرام منسوجة في رداء واحد بالتصاق والتئام ضيوف الرحمن بعضهم ببعض، الذين توافدوا إليه منذ وقت مبكر من صباح اليوم التاسع من ذي الحجة، ليشهدوا خطبة عرفة ناسجين لوحة زاهية داخل المسجد وفي الساحات الخارجية، في ملمح يتكرر مرة واحدة كل عام. واكتسب المسجد أهمية كبرى من الناحية الدينية والتاريخية ، ففيه خطب النبي - عليه الصلاة والسلام - خطبته الشهيرة في حجته الأخيرة التي تسمى خطبة الوداع . ويعد المسجد من أهم معالم مشعر عرفات ويتسع لمئات الآلف من الحجاج الذي أتوا إلى خالقهم تائبين مطيعين منيبين إليه، ويقع إلى الغرب من مشعر عرفات، إلا أن جزءً منه في وادي عرنة وهو أحد أودية مكة المكرمة الذي نهى عليه الصلاة والسلام من الوقوف فيه حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف». وقال صلى الله عليه وسلم: «ارتفعوا عن بطن عرنة»، وبطن وادي عرنة ليس من عرفة، ولكنه قريب منه. وبني المسجد في الموضع الذي خطب فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع وذلك في أول عهد الخلافة العباسية، في منتصف القرن الثاني الهجري. ويعرف مسجد نمرة في العديد من الكتب التاريخية بعدة أسماء مثل: مسجد النبي إبراهيم - عليه السلام -، مسجد عرفة، ومسجد عرنة. وأُخذ اسم مسجد عرفة من قرية كانت خارج عرفة أقام فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم سار منها إلى بطن الوادي حيث صلى الظهر والعصر وخطب في المسجد. ورجحت المصادر التاريخية أن مسجد نمرة شيد في المرة الأولى منتصف القرن الثاني الهجري على الأرجح، وحظي باهتمام خلفاء وسلاطين وأمراء المسلمين، حيث عمره «الجواد الأصفهاني» عام 559هـ، وأجريت له في العصر المملوكي عمارتان مهمتان الأولى بأمر الملك «المظفر سيف الدين» عام 843هـ ، والثانية بأمر «السلطان قايتباي» عام 884هـ، وتُعد الأفخم والأكثر جمالاً واتقاناً في ذلك الحين، ثم جددت عمارته في العهد العثماني عام 1272هـ، إلا أنه شهد في عهد الدولة السعودية أضخم توسعاته، ليصبح بذلك ثاني أكبر مسجد بمنطقة مكة المكرمة من ناحية المساحة بعد المسجد الحرام.
مشاركة :