هل تتحوّل قضية الغمغام إلى مأزق جديد في السعودية؟

  • 8/21/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

انتشر فيديو إعدامها قبل أن يظهر أن الخبر كاذب، لكن تأكيد الإشاعة لا ينفي أن إسراء الغمغام تواجه خطر الموت، وأن السعودية تدير بقبضة من حديد ملفّ أحداث محافظة القطيف وكذا ما يخصّ ناشطين لا يشاركون الدولة التصوّرات ذاتها. صورة رمزية، الشرطة السعودية الخاصة خلال إحدى التمرينات عام 2013. انتشر فيديو على موقع تويتر بشكل كبير يوثق لما قيل إنه قيام السلطات السعودية بقطع رأس الناشطة السياسية إسراء الغمغام (إحدى طرق الإعدام في السعودية استناداً لتفسير هذه الأخيرة للشريعة الإسلامية). لكن الفيديو سرعان ما تبين أنه قديم ويعود لأقل تقدير إلى عام 2015، تاريخ بث إحدى نسخه في موقع يوتيوب، إذ يظهر فيه تنفيذ الإعدام بحق امرأة هويتها غير واضحة. نشر الفيديو ونسبه إلى الغمغام يأتي بعد إعلان المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، (ESOHR)  يوم 14 أغسطس 2018، أن النيابة العامة السعودية تطالب بإعدام الغمغام. بيدَ أنه، ورغم التأكيد أن الغمغام لا تزال حية، وفق تأكيدات علي الدبيسي، رئيس (ESOHR)، في حديثه مع DW عربية، فإن المؤكد كذلك أنها مهددة بالإعدام حسب المصدر ذاته. المعلومات الرسمية عن الغمغام، المعتقلة في سجن المباحث العامة بمدينة الدمام، تبقى شحيحة للغاية، في وقت يؤكد فيه الدبيسي أنها اعتقلت نهاية عام 2015 مع زوجها، وأنها وُضعت بداية في زنزانة انفرادية، كما لا يُسمح لها، كغيرها من السجناء السياسيين، إلا بزيارة عائلية واحدة شهرياً واتصال واحد أسبوعيا. ويحظى موضوع الغمغام بأهمية خاصة، فهي تنحدر من منطقة شيعية، ومن شأن تنفيذ مطالب النيابة العامة أن تخلق توتراً شبيهاً بما جرى عام 2016 عندما أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر. كما أنه في حالة تنفيذه، فستكون الغمغام أوّل امرأة سعودية تُعدم بناءً على تهم يحضر فيها البعد السياسي. اتهامات خطيرة حسب معطيات توصلنا بها من ESOHR، وُلدت إسراء في يناير/كانون الأول عام 1990، لم تكن معروفة قبل عام 2011، عندما بدأت تنشر على حساباتها بالمواقع الاجتماعية، آراءها حول "الربيع العربي" وحول المعتقلين السياسيين، لكنها كانت تستخدم اسماً مستعاراً. كما كانت عضوا في ائتلاف الحرية والعدالة، حيث تعرّفت على زوجها، وساهمت بعد ذلك في تنظيم مظاهرات ومسيرات للمطالبة برفع التهميش في محافظة القطيف التي تسكنها أغلبية شيعية، غير أن المحافظة شهدت بعد ذلك أعمال عنف قُتل فيها العشرات من المدنيين وعناصر الأمن. في غياب تأكيد رسمي، سبق لوسائل إعلام سعودية مقرّبة من الحكومة أن أشارت إلى قائمة طويلة من التهم الموجهة لإسراء الغمغام، منها "السعي للإفساد والإخلال بالأمن والطمأنينة العامة وزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية وإشاعة الفوضى، وإثارة الفتنة الطائفية، وإحداث أعمال شغب "، فيما تقول ESOHR إن التهم امتدت لتصل حدّ الاتهام بالانضمام إلى تنظيم إرهابي، وإن السبب الحقيقي للاعتقال هو النشاط الحقوقي. وتنظر السعودية إلى احتجاجات القطيف على أنها تأييد للانتفاضة التي جرت بالبحرين آنذاك، ممّا تعتبره خطراً على النظام العام. آخر المستجدات حول إسراء، هي تكفل محاميين بالترافع عنها بعد محنة عاشها والدها: "بسبب فقره، طلب والدها من الناس مساعدته في توفير أتعاب مكتب المحاماة، ونشر إعلانا في المسجد حول الأمر. لكن هذا لم يرق للسلطات السعودية التي استدعته وطلبت منه وقف نشر الإعلان لأنها اعتبرت في ذلك تأليباً للرأي العام عليها وجمعاً للمال دون تصريح"، يقول الدبيسي، مشيراً إلى أن مجرّد وضع شخص ما في سجن المباحث العامة، يعدّ تعذيباً له، نظرا للظروف السيئة بهذا السجن. في أصول الإشاعة كغيرها من القضايا الحقوقية التي تثير الانتقادات، استُخدمت قضية إسراء الغمغام في الشبكات الاجتماعية وبعض المواقع لإذكاء نيران المعارك بين السعودية من ناحية وبعض الدول والجهات المناوئة لها من ناحية ثانية، خاصة الإعلام الإيراني الذي اهتم لموضوع أحداث القطيف. في ظل هذه الحرب الإلكترونية، تنتشر على الدوام الكثير من الإشاعات التي يتداولها إعلام الطرفين. بيدَ أن الدبيسي يشير إلى سبب آخر لانتشار الإشاعة: "وقع لبس عند بعض الناس الذين رّوجوا الخبر، خاصة من لديهم ثقافة قانونية ضعيفة، إذ لم يفرّقوا بين المدعي العام الذي طلب الإعدام، وبين القاضي الذي يصدر الحكم". الخلط لم يتوقف هنا، فأغلب الصور المنشورة على أنها تعود لإسراء الغمغام، تعود في الواقع للناشطة سمر بدوي، شقيقة رائف بدوي، فيما لا توجد بالوقت الحالي أيّ صورة لإسراء، التي ترتدي النقاب، باستثناء واحدة لها وهي لا تزال طفلة، نشرتها قريبة لها على تويتر. أيّ هدف من الاعتقالات؟ ليست الغمغام الناشطة الحقوقية الوحيدة المعتقلة في السجون السعودية، فالقائمة تشمل 11 اسماً حسب ما توصلنا به من (ESOHR). من الأسماء هناك نعيمة المطرود، زميلة لإسراء في العمل الحقوقي، اعتقلت تقريباً في الفترة ذاتها، وحُكم عليها لاحقاً بسبع سنوات، وهناك رقية المحارب، وهي أستاذة جامعية اعتقلت شهر سبتمبر/أيلول 2017، وهناك ثماني ناشطات اعتقلن خلال عام 2018، منهن سمر بدوي، شقيقة رائف بدوي، كما تتضمن القائمة أربعة أسماء ناشطات اعتقلن خلال العام ذاته، لكن أفرج عنهن لاحقاً. ما بات يُعرف في السعودية بمعتقلي الرأي لا ينحصر فقط على النساء، فهناك عدة شخصيات معروفة انقطعت أخبارها منذ مدة وتأكد أنهم موجودون في السجون، منهم سلمان العودة، عوض القرني، محمد موسى الشريف، إبراهيم المديميغ، عادل باناعمة، عصام الزامل، خالد العلكمي، فهد السنيدي. وقد اعتقل عدد من هؤلاء بعد بدء الأزمة مع قطر، بل إن أنباء متعددة أشارت إلى وفاة واحدٍ منهم، هو الداعية أحمد الدويش، تحت التعذيب، وهو ما لم تنفه أو تؤكده السلطات. ومع إعدام نمر النمر على خلفية أحداث القطيف، ومطالبة النيابة العامة بالعقوبة ذاتها للغمغام، فإن هناك من يرى أن السلطات السعودية ترغب بإرسال رسالة قوية إلى جميع من في البلاد، مفادها أنها لن تتسامح مع أيّ احتجاجات، وهو ما يتفق معه غيدو شتاينبيرغ، خبير الشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. ويقول لـDW، إن الاستراتيجية الجديدة للدولة هي تخويف كل من يرغب بالتظاهر حتى لا تتكرر أحداث 2011 و2012، إذ لا تتسامح الدولة في ذلك حتى مع القاصرين، يضيف الخبير، معطياً المثال بمحمد علي النمر، ابن أخ نمر النمر، الذي يتهدده بدوره خطر الإعدام. لكن هذه الاعتقالات تأتي في ظرفية تعلن فيها السعودية القيام بإصلاحات كبيرة في مجال عصرنة الدولة، ما جعل الكثير من المتتبعين يتحدثون عن ولادة دولة جديدة في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. التعارض بين استمرار القبضة الأمنية ومحاولات الانفتاح على الحداثة، يشرحه غيدو شتاينبيرغ بطريقتين: "الأولى أن الدولة السعودية لا تريد أن ينسب المعتقلين الإصلاحات الأخيرة إلى تضحياتهم. الثانية، وهي أن الأمير بن سلمان تحت ضغط كبير من المحافظين الذين يرفضون التحولات الاجتماعية، ولذلك فهو يحاول الإبقاء على التوازن وتأكيد استمرار التحالف مع الفكر الوهابي". إ.ع /و.د

مشاركة :