ارتفعت أسعار النفط أمس في وقت من المتوقع فيه أن تشهد أسواق الوقود الأمريكية شحا في المعروض، في حين من المنتظر أن تؤدي العقوبات الأمريكية الوشيكة على إيران إلى تقليص إمدادات الأسواق العالمية. وبحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم أيلول (سبتمبر) 27 سنتا أو ما يعادل 0.4 في المائة إلى 66.70 دولار للبرميل، وانتهي أمس تداول تلك العقود. وزادت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت خمسة سنتات إلى 72.26 دولار للبرميل، ويقول متعاملون "إن الأسواق الأمريكية تلقت الدعم من توقعات بشح في أسواق الوقود في الأشهر المقبلة". وبلغت مخزونات المنتجات النفطية المكررة في الولايات المتحدة مثل الديزل وزيت التدفئة أدنى مستوى لها في مثل هذا الوقت من العام خلال أربع سنوات، ويأتي ذلك قبيل فترة ذروة الطلب على تلك الأنواع من الوقود. وخارج الولايات المتحدة، تركز الأسواق على العقوبات الأمريكية على إيران التي ستستهدف قطاع النفط الإيراني اعتبارا من تشرين الثاني (نوفمبر). وعرضت واشنطن أمس 11 مليون برميل من النفط من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للتسليم في الفترة بين الأول من تشرين الأول (أكتوبر) إلى 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، وقد يبدد النفط المُفرج عنه أثر بعض الانخفاضات المتوقعة في الإمدادات نتيجة العقوبات الأمريكية على إيران. ووفقاً لإشعار بيع صادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، فإن خام حامض عالي الكبريت سيصل السوق في أكتوبر ونوفمبر، وستكون الفترة المقترحة لعملية بيع الخام من 1 أكتوبر حتى 30 نوفمبر. ونتيجة للعقوبات، يتوقع بنك "بي.إن.بي باريبا" الفرنسي انخفاض إنتاج منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" من 32.1 مليون برميل يوميا في المتوسط في 2018 إلى 31.7 مليون برميل يوميا في 2019. إلى ذلك، رجحت شركة "مولر ميرسك" -أكبر شركة شحن في العالم- أن يعاني الاقتصاد الأمريكي أكثر من بقية العالم بسبب الحرب التجارية العالمية المتصاعدة مع الصين. وأفاد تقرير للشركة الدنماركية نقلا عن سورين سكو رئيسها التنفيذي أن تداعيات الموجة الحمائية الحالية قد تنعكس بشكل أكبر على الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه يمكن للتعريفات الجمركية أن تؤدي إلى تباطؤ النمو التجاري العالمي السنوي بنسبة 0.1 إلى 0.3 في المائة بينما في الولايات المتحدة يمكن أن يزداد التأثير حيث يسجل التباطؤ مستوى 3 أو 4 في المائة. وأشار التقرير إلى أن "مولر ميرسك" تنقل نحو 20 في المائة من السلع الاستهلاكية بحرًا في العالم، ما يضعها في موقع فريد لقياس تداعيات التعريفات الجمركية الجديدة على التدفقات التجارية العالمية. ونوه التقرير بثقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في أن التعريفات الجديدة ستعالج اختلال التوازن في العلاقات التجارية سواء مع الصين أو مع كثير من بقية دول العالم، وأن الإجراءات الحالية ستدعم الصناعة الأمريكية، مشيرا إلى قول ترمب إن الاقتصاد الأمريكي يحقق أفضل مستويات الاداء مقارنة بأي وقت مضى خاصة ما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي وانخفاض معدل البطالة. وأكد تقرير "مولر ميرسك" أن التدفقات التجارية بين أوروبا وآسيا حتى الآن لم تتضرر بشكل مباشر من خلال التعريفات الجمركية بل على العكس نما الطلب بنسبة 4 في المائة في الربع الثاني، لكن قد يتغير ذلك إذا بدأت الولايات المتحدة في استهداف السلع الاستهلاكية. وتوقعت الشركة أن أول ما سيفعله المستوردون الأمريكيون إذا تم وضع التعريفات الجمركية على السلع الاستهلاكية الصينية هو الشراء من فيتنام أو إندونيسيا أو أي مكان آخر في آسيا. ولفت التقرير إلى إعلان إدارة ترمب أنها ستفرض رسوما جمركية على 16 مليار دولار أخرى، حتى إنها أشارت إلى أنها لن تتخلى عن استهداف 500 مليار دولار للصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. وأضاف أن "نشاط الشركة في مجال أعمال التنقيب عن النفط يقدر بنحو 4.4 مليار دولار"، مشيرا إلى موافقة شركة ميرسك العام الماضي على بيع أعمالها في مجال النفط والغاز لشركة توتال. من جهة أخرى، قال لـ "الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي لدراسات الطاقة، "إن تباطؤ النمو هاجس يشغل الاقتصاد العالمي في هذه المرحلة بسبب عدم اتضاح التأثير الكامل للصراع التجاري الأمريكي الصيني، على الرغم من وجود بعض بوادر انفراجة من خلال مفاوضات ستجرى بين الجانبين هذا الأسبوع". وأضاف شتيهرير أن "تحديات النمو واجهت أعباء إضافية هذا الأسبوع مع انهيار الليرة التركية، وقد تسبب ذلك في حالة من الاضطراب الواسع في الأسواق الناشئة، كما أدى إلى هبوط واسع في عدد كبير من العملات، وهو ما قاد بدوره إلى تعزيز الشكوك في نمو الطلب"، مشيرا إلى انخفاض أسعار النفط الخام بنحو 10 في المائة منذ أيار (مايو) الماضي، لكنها تتجه إلى استئناف المكاسب في الشهور المقبلة. من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتلجنس"، أن الانقطاعات الحادة والواسعة التي ستحدث في الإنتاج الإيراني بنهاية العام الحالي تهدد استقرار الإمدادات، ما يتطلب جهدا أكبر من المنتجين لتعويض هذه الانخفاضات الواسعة وتأمين المعروض وضمان علاقة متوازنة ومستدامة بين العرض والطلب. وأضاف برايس أنه "على الرغم من أن أسعار النفط الخام ارتفعت هذا العام بنحو 7 في المائة، إلا أن التكلفة كانت أكبر بكثير في عديد من الدول بسبب تراجع عملاتها أمام الدولار المقوم به النفط" مشيرا إلى أن تكلفة استيراد الخام ارتفعت 75 في المائة في تركيا وبنسب تراوح بين 20 و30 في المائة في عديد من الدول المستهلكة وهو ما يزيد القلق من التأثير السلبي لذلك في مستوى الطلب. من ناحيتها، تقول لـ "الاقتصادية"، جولميرا رازيفا كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، "إن سوق النفط تواجه تحديات متعددة ومتضادة، فهناك تحديات واسعة تواجه العرض وأخرى تواجه الطلب"، مشيرة إلى أن عقوبات إيران والانقطاعات الإنتاجية والمخاطر الجيوسياسية تعتبر أبرز تحديات العرض. وتضيف رازيفا أن "أبرز تحديات الطلب تتمثل في مخاوف ضعف النمو الاقتصادي وعدم اتضاح مدى وتأثير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين"، مشددة على أن تحالف المنتجين سيعول عليه كثيرا في الفترة المقبلة، لضبط إيقاع السوق وإجراء التدخلات اللازمة بما يعالج أوجه القصور ودعم التوازن في السوق.
مشاركة :