الموعظة الحسنة.. تجسيد لرفق الإسلام وحكمته

  • 8/24/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد هي أمر إلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل الدعاة والسائرين على دربه، يقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) [النحل: 125]، وهي منهج الرسول وسنته ودعوته إلى كل الناس، وكان صلى الله عليه وسلم من حسن موعظته يختار ما يناسب الموعوظين، ويراعي الأوقات والأحوال في تعليمهم ووعظهم ولا يفعله كل يوم خشية الملل، ولا يكثر عليهم؛ لئلا يملوا، وكان يغضب إذا شق بعضهم على الناس،روي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «قال رجل: يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا من يومئذ فقال: أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة». نشاط لا ضجر كان صلى الله عليه وسلم يرفق بالموعوظين أن تقع منهم السآمة، وذلك من حسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم؛ ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر، ولا ملل، ويقتدى به في ذلك فإن التعليم بالتدريج أخف مؤنة، وأدعى إلى الثبات من أخذه بالكد والمغالبة، وروى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات».وعن حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا، فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة فقال: مه فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل، فقال: «يا حنظلة ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق».وعن جابر رضي الله عنه قال: «شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة فلما قضى الصلاة قام فتوكأ على بلال فحمد الله وأثنى عليه فوعظ الناس وذكرهم وحثهم على طاعته ومضى إلى النساء ومعه بلال فأمرهن بتقوى الله ووعظهن وذكرهن وحمد الله وأثنى عليه ثم حثهن على طاعته ثم قال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» فقالت: امرأة من سفلة الناس سفعاء الخدين بم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» فجعلن ينزعن قلائدهن وأقراطهن وخواتيمهن يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به». موعظة أبكت المصلين وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب»، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرًا، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ».ولكل موعظة حالها الذي يدور مع حال الموعوظ، وهذا هو خباب بن الأرت رضي الله عنه شاب يبلغ به الأذى والشدة كل مبلغ، فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم شاكيًا له ما أصابه، يقول رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا تدعو الله؟، فقعد وهو محمر وجهه فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله». المربي الأعظم لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف، واللين والشدة، وقد جاءه شاب آخر والغريزة تتوقد في نفسه، مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء، ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم علنًا أمام أصحابه، بطلب غريب لا يمكن تصوره حين طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الإذن بالزنا، ويروي أبو أمامة رضي الله عنه فيقول: «إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: «مه مه»، فقال: «ادنه» فدنا منه قريبًا قال: فجلس قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم» قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم» قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد مشهورة يرويها أنس بن مالك فيقول: بينما نحن في المسجد مع رسول الله إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله: «مه مه»، قال: قال رسول الله: (لا تزرموه، دعوه)، فتركوه حتى بال، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه، ثم إن رسول الله دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة وقراءة القرآن»، يقول الأعرابي: «فقام النبي إلى بأبي وأمي فلم يسب، ولم يؤنب، ولم يضرب». جمرة في اليد وقد يغلظ صلى الله عليه وسلم على من وقع في خطأ أو يعاقبه ويروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده»، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يستثمر موقفاً يجمعه مع صحابته ليعظهم وفي ذلك أحاديث كثيرة تروى، منها ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه يومًا وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته ضمته فقال صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه طارحة ولدها في النار» قالوا: لا، قال: «والله لا يلقي حبيبه في النار».كان صلى الله عليه وسلم التجسيد الحي لأمر ربه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله. وهو أعلم بالمهتدين).

مشاركة :