د. عارف الشيخ قبل أن يهلَّ هلال ذي الحجة تكثر الرسائل عبر الهاتف ويتواصى الناس فيما بينهم بصيام العشر من ذي الحجة، ويستشهدون بالحديث الوارد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أحبَّ إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر»، (رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي) وهناك أحاديث أخرى.- هذا الحديث قال العلماء بأنه ضعيف كما ورد عن الترمذي نفسه والبغوي وابن تيمية وابن حجر في «فتح الباري».- ويقول ابن رجب الحنبلي بعد أن أورد هذا الحديث وغيره: «وفي المضاعفة أحاديث مرفوعة لكنها موضوعة، فلذلك أعرضنا عنها ومما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر»، (انظر لطائف المعارف 262).- والسؤال الذي يرد دائماً هو: هل الرسول صلى الله عليه وسلم صام عشر ذي الحجة؟ الجواب أنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صام العشر أي الأيام التسعة التي تسبق عيد الأضحى، بل الثابت أنه حث أمته على العمل الصالح فيها.وفي الحديث عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر من ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، (رواه البخاري).- بل هناك حديث أكثر صراحة وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط»، (رواه مسلم).- وفي سنن أبي داود والبيهقي والنسائي عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر».- ونقرأ للنووي في شرحه على صحيح مسلم: قال العلماء: هذا الحديث (ويقصد حديث ابن عباس الذي مر آنفاً) مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحباباً شديداً لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة.- ويقول عن الحديث الذي قال بأنه لم يصم العشر، بأنه كان لعارض أو مرض أو سفر أو غيرهما (انظر شرح النووي ج8ص81).ويقول ابن حجر عن أحاديث عدم صومه العشر: يحتمل أنه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله لكن يتركه خشية أن يفرض على أمته (انظر فتح الباري ج2 ص593).- ولو عدنا إلى كتب المذاهب الفقهية الأربعة لوجدنا أن المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي تنص صراحة على مندوبية صيام أيام العشر من ذي الحجة باستثناء اليوم العاشر لأنه عيد.أما المذهب الحنبلي فبعضهم قال: يستحب صوم عشر ذي الحجة، وإن كان الظاهر أنهم يرجحون القول بأن أيام عشر ذي الحجة كلها شريفة ومفضلة يضاعف العمل فيها، ويستحب الاجتهاد فيها في العبادة للحديث الذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد مرَّ ذكره.- أقول: ولعل الذي دعا إلى صيام العشر احتجَّ بحديث حفصة رضي الله عنها حيث قالت: «كان الرسول لا يدع ثلاثاً: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر»، (رواه النسائي).يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز: «حديث حفصة فيه اضطراب، وحديث عائشة أصح».
مشاركة :