تظاهرة فرح الطفولة في مسارح دمشق تعيد الأطفال إلى الخشبات المفتوحة

  • 8/24/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دمشق - رغم الظروف الاقتصادية السيئة التي تتعرض لها جل مجالات الحياة في سوريا، ومن ضمنها طبعا الفنية والثقافية، يبقى هناك من يناضل لأجل الإبداع ممثلا في أب الفنون؛ المسرح، وخاصة ما تعلق منه بالطفل، فما بالنا لو كان هذا الطفل مقيما في سوريا، يمارس حياته بشكل شبه طبيعي، على اعتباره لا يعي أصلا شكل الحياة الطبيعية، التي لم يسبق وأن عاشها، فيصبح مسرح الطفل حينها حاجة ملحة وضرورة لا بد منها. من هنا عكفت مديرية المسارح والموسيقى في دمشق، بدءا من أول أيام عيد الأضحى على تقديم تظاهرة بعنوان فرح الطفولة، من خلال أربعة عروض مسرحية خاصة بالعائلة والأطفال، في كل من مسرح العرائس، ومسرح الحمراء، ومسرح أبوخليل القباني، ومسرح “حديقة تشرين العامة” (خفيف وظريف). من بين تلك العروض عمل مسرحي للمخرج والكاتب وليد الدبس بعنوان “الريشة البيضاء”، وتدور قصته حول الاجتهاد في مقابل الكسل والكذب، وكيف أن لكل مجتهد نصيبا، مهما نُصبت له من فخاخ، فها هو الحطاب ومساعده القرد، اللذان ذهبا في رحلة بحث عن الريشة البيضاء التي ستشفي الأميرة، وتعيد إليها القدرة على الكلام، كما أشار الطبيب للملكة، ومقابل ذلك سيتعرضان لشتى أنواع المخاطر والسرقات، ولكنهما رغم ذلك لن يطلبا أي مكافأة على اعتبار أن هذا البحث جزء من واجبهما. وتعتبر مسرحية الريشة البيضاء عرضا استثنائيا، ليس لأنها سبق وأن قدمت في العام 2002 في دمشق، ونال عنها المخرج جائزة أحسن نص مسرحي في مهرجان مسرح الطفل في عمان الأردن، وإنما لأنها عرضٌ استطاع رغم بساطته، أن يدخل الفرح إلى قلوب الأطفال الذين حضروه، من خلال حبكته، والموسيقى المرافقة له، والتي تضمنت بعضا من الأغنيات التي أداها الممثل مأمون الفرح، كما أن استخدام الألوان البراقة في الملابس أضاف بهجة عامرة للعرض، ليس هذا فحسب بل إن المخرج تعامل مع الأطفال بذكاء وحنكة حين دمجهم فيه، سواء على صعيد الديكور، أو على صعيد الحوار، حيث استخدم سينوغرافيا متميزة، استثمرها بشكل جيد، حين بنى جسرا خشبيا ممتدا من خشبة المسرح إلى صالة العرض، فاستطاع عبره، تحقيق ذلك التواصل، ولفت انتباه وتركيز الطفل لشخصيات العمل. ليس فقط هذا فحسب، بل استغل مخرج العمل الوظيفة الزمنية للسينوغرافيا حتى يتمكّن عبرها من تغيير ديكور الخشبة، فالجسر الخشبي مثلا يصبح أحيانا ممرا وطريقا لانتقال شخصيات العمل من مكان إلى آخر، وخاصة القرد الذي ينتقل جارا خلفه العربة التي يجمع فيها الحطاب الخشب، كما أن العرض استثمر لعبة خيال الظل فاستطاع من خلالها خلق أجواء توحي بالغابة، والقصر، وتصور معارك الحطاب مع ذئاب الغابة، كل ذلك في طريقه إلى بحيرة البجع حيث توجد الريشة التي يبحث عنها. أهمية المسرحية تأتي لأنها عرض استطاع رغم بساطته، أن يدخل الفرح إلى قلوب الأطفال الذين حضروه، من خلال حبكته وفي حديثنا مع المخرج وليد الدبس، أعرب عن حبه وتعلقه بالعمل في مسرح الطفل، على اعتباره مجالا قد نجح فيه ولم يستنفد طاقاته بعد، مؤكدا على أن طفلنا بحاجة إلى مسرح حقيقي، لتهذيب ذوقه وأفقه وخياله وطموحه، وحتى نظرته إلى الأمور. ورغم أن الدبس قد أخرج سابقا عروضا مسرحية عديدة للكبار، وسبق له أن شارك ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، إلا انه مازال مقتنعا بالمقولة التي تعلمها من أستاذه في المعهد العالي للفنون المسرحية المخرج وليد قوتلي، الذي يؤكد على أن الفنان ليس جاهزا لأن يصبح مخرجا، إلا بعد عامه الخمسين، أي ما بعد مرحلة النضوج، أما بالنسبة إلى مسرحية “الريشة البيضاء” التي يعيد إخراجها للمرة الثانية، فهو متأن جدا في خوض التجربة، ويشعر مع هذا العرض، كما هو حاله مع أي تجربة إخراجية يقدمها، وكأنه يقدم عمله المسرحي الأول. أما عن صعوبة العمل في مسرح الطفل مقارنة بغيره، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها سوريا، والأجور المتدنية التي يتقاضاها العاملون في المسرح سواء كممثلين أو فنيين، مقارنة بالعمل التلفزيوني وغيره، فيقول الدبس، إن البعض يعتقد أن مسرح الطفل مجرد لعب وضحك على الطفل، ولكنه في الحقيقة لا يقل أهمية عن أي نوع آخر من العروض المسرحية. ويضيف “أنا من الناس المؤمنين تماما بأن مسرح الطفل يتطلب خيالا واسعا جدا حتى على صعيد النص”، مؤكدا على أنه رغم ما تقدمه وزارة الثقافة، من إمكانيات متاحة، واجه هذا العرض صعوبة كبيرة، لكن بالنهاية لا يوجد شيء مستحيل، وخصوصا أن الممثلين يحفزهم الكثير من الحب للعمل في المسرح، ويحبون الطريقة التي يعملون بها، كما أن للعلاقات الجيدة إن لم نقل الممتازة بين الممثلين، أهمية في إقناع العديد منهم بخوض التجربة، فمنهم من يعمل في التلفزيون ومع ذلك ألغى عمله، كالسيدة عايدة يوسف التي تلعب دور الملكة في العرض، والتي اضطرت إلى إلغاء تصوير بعض من الحلقات التلفزيونية ذات المكسب المادي، لكي تكون في العرض، بالإضافة إلى الفنانة رباب كنعان، التي تلعب دور سيدة البجعات، وقد استطاع الدبس إعادتها إلى المسرح، ويقول عنها هي “فنانة لطيفة جدا”، ويجب أن تكون على خشبة المسرح حتى وإن كانت الظروف المحيطة سيئة، لكنها وجدت الوقت للمسرح. ونذكر أن “الريشة البيضاء” مسرحية للطفل والعائلة، بطولة كل من، سيرينا المحمد، مؤيد الخراط، باسم عيسى، عايدة يوسف، فادي حموي، ناصر شبلي، رباب كنعان، داود شامي، جودي الزاقوت، والطفل ميار الدبس، أما أداء الأغنيات فكان للفنان السوري مأمون الفرخ، وتصميم الديكور والإكسسوار للفنان محمد وحيد قزق، والإضاءة لبسام حميدي ومساعد الإخراج محمد المودي.

مشاركة :