عندما نتكلم عن الإنسان الأول والأقدم، فإننا نعتمد على ما تم اكتشافه حتى اليوم، من بقايا هياكل وجماجم تشبه هياكلنا نحن البشر.. ومن ثم نحكم عبر اختبارات بيولوجية على عمر هذه البقايا أو التربة أو الرواسب المحيطة بها، وعليها نقرر الفترة الزمنية السحيقة التي عاشها هذا الإنسان.. وأحيانا أخرى، نعتمد في قياس زمن الوجود البشري على ما يتم التنقيب عنه من أدوات ومعدات وبقايا بناء منظم، لنحكم بأنها تعود لحضارة بشرية، ربما كانت متطورة.. وعليها نبني تصوراتنا لحياة الذين عاشوها ومدى تطورهم الذهني والتقني والفني.. وفي بعض الأحيان نجد من الآثار العجيبة ما يبدو أكثر تطورا بمراحل عن إمكانات الإنسان القديم، لدرجة أن البعض لا يستبعد كونها من إنتاج مخلوقات أكثر ذكاءً وقوة، وعادة، يتم تأويلها كدلالات على وجود كائنات متطورة من الفضاء الخارجي.. مثلما قيل في شأن بناء الأهرامات في أرض مصر، ومدى التشابه في هندستها مع أهرامات حضارات في أمريكا الجنوبية وبعض أصقاع آسيا. وعبر الاكتشافات الأثرية والآثار التي خلفتها سواء كانت بقايا بشرية أو حيوانية أو «لا فقارية»، وحتى تلك الـ«ميكروسكوبية»، فإننا قررنا تقسيم عصور التاريخ إلى حقب متوالية.. مثل العصر الطباشيري والحجري والحديدي، وهكذا. بينما العصر الطباشيري ربما يكون الأقدم بحسب علمنا، ويسمى أيضًا، بالعصر «الجوارسي»؛ أي الفترة التي عاشت فيها الديناصورات التي تعتبر بحسب الآثار أنها سبقت الوجود البشري، ونجد أن العصر الحجري يدل على الوجود البشري.. حيث ترك لنا الإنسان القديم بقايا أوان، وأدوات ومصنوعات من الحجر.. لذا نعتبر المصنوعات المنحوتة من الحجر دليلًا على تطور القدرات الذهنية من جهة، وتغيّر الأنماط الحياتية.. من همجية حيوانية إلى حياة تتسم بالذكاء وتفعيل العقل والإبداع البناء وتطويع المواد المتوافرة إلى أدوات يتم بها تطويع وتسهيل الأمور الحياتية، ومنها نستخلص نوعا من الاستقرار الحضري بعد عصور من الحياة البدائية، والتنقل في مجموعات صغيرة بحثًا عن الطرائد ومصادر المياه، كما تتنقل جميع قطعان الحيوانات بحثًا عن الكلأ!! ويقسم العلماء العصر الحجري إلى مراحل، قديمة ومتوسطة وحديثة وعلوية وسفلية، وغيرها من مسميات تعكس مدى التطور في تطويع الأحجار وتنوع استخداماتها عبر التاريخ.. والعصر الحجري هو فترة من الزمان ما قبل التاريخ، استعمل فيها الإنسان عامة الحجارة في صنع الأدوات، حيث صنع الأدوات من أنواع عديدة من الحجارة بتقطيعها أو نحتها لتستعمل كأدوات للتقطيع وأسلحة وفي عدة مآرب أخرى، ويمكن اختصار تقسيم العصر الحجري إلى مرحلتين رئيسيتين: العصر الحجري الأول (القديم): بدأ مع ظهور الإنسان على سطح الأرض، واستمر حتى عام 10000 قبل الميلاد، وكان الإنسان في هذا العصر يعتمد على التنقل من مكان إلى آخر، والعيش على الصيد و صنع أدواته من العظام والحجارة، وفي هذا العصر تعلم الإنسان القديم إشعال النار، ربما حدث ذلك مصادفة بعد ضرب البرق بعض الأحراش واشتعال النار في بعض الأغصان الجافة. العصر الحجري الثاني (الحديث): بدأ منذ عام 10000 قبل الميلاد حتى عام 4000 قبل الميلاد، وفيه استقر الإنسان، حيث دجن الحيوانات، وعمل في الزراعة، كما استعمل أدوات من الحجر المصقول.. وقد ظهرت خلال هذه الفترة، بداية صناعات عمل الخزف والنجارة والنسيج، وظهرت كذلك الحيوانات المستأنسة. ثم ظهرت بعض أنواع المعادن بعد عام 4000 قبل الميلاد، حيث تعرف الإنسان على المعادن وطرق صهرها، ومنها النحاس والبرونز، ومن ثم الحديد، وهو المتعارف عليه بالعصر الحديدي.. وتطلق تسمية العصر الحديدي على المرحلة التي بات فيها استعمال الحديد في صناعة الأدوات المنزلية والزراعية وأدوات البناء والصيد والحرب.. حيث ظهرت المطارق والسيوف والخناجر والفؤوس ورؤوس الحراب والسهام.. وكانت هذه الصناعة دليلاً على مدى تطور الحاجات البشرية إلى الاستقرار والديمومة في مجتمعات مستقرة محمية.. وعند الحديث عن هذه العصور المتعاقبة، عادة يقصد بها الباحثون تلك الفترات من عمر الإنسان التي سبقت ظهور الكتابة والتدوين، رغم وجود أنواع أخرى من أساليب التعبير، منها النقوش والرسوم على جدران الكهوف وبعض الصخور المنحوتة التي ربما شيّدت منها بعض المجتمعات الأولى المعابد. يتكلم الكثير من علماء «الأنثروبولوجيا» عن الإنسان الأول، أو الشبيه بالإنسان، وهو فصيل عاقل سبق البشرية التي نحن كلنا منها.. وتختلط الأوراق هنا بين مفهوم خلق الإنسان (كما هو متعارف عليه عبر الأديان السماوية)، وبين الوجود البشري على كوكب الأرض بشكل عام.. وتتداخل معضلات تقييم عمر البشرية بين ما نؤمن به عقائديًا وعلميًا.. وربما يكون أحدث اكتشاف لبقايا أقدم إنسان من الصنف العاقل، هو أقدم أثر للجنس البشري حتى الآن، في موقع جبل «إيغود» بمحافظة اليوسفية وسط المملكة المغربية. و«الإنسان العاقل الأول» هو نوع منقرض شبيه بالإنسان، عاش في إفريقيا قديما، ويقصد به الإنسان العاقل البكر أو أول إنسان عاقل، ويرجح أن هذا النوع هو السلف المباشر للإنسان العاقل الذي تطور بعد ذلك.. وقد تم تحديد عمر هذا الإنسان بحوالي 300 ألف سنة..، ومن ثم فإن هذه العظام تعد أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة إلى يومنا هذا، حيث يفوق عمرها عمر أقدم إنسان عاقل تم اكتشافه قبل ذلك بحوالي مائة ألف سنة في شرق قارة إفريقيا. وبحسب موقع (عربي (21: فإن«... الفريق العلمي، الذي توصل إلى هذا الاكتشاف، تحت إشراف كل من الباحث المغربي، عبدالواحد بن نصر، عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال المغربية، والباحث الألماني، جان جاك يوبلان، عن معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا المتطورة في ألمانيا، بحسب البيان المغربي، وبحسب دراستين نشرتهما، مجلة «الطبيعة» العلمية الألمانية، فإنه كان يعتقد، قبل اكتشاف المغرب، أن مهد الإنسانية في شرقي قارة إفريقيا، وظهور «الإنسان العاقل» يعود إلى نحو 200 ألف عام.. غير أن تحليلات أجراها فريق دولي متخصص في الأنثروبولوجيا، بقيادة عالم الحفريات الفرنسي، جان جاك هوبلين، على الحفريات التي عثر عليها في جبل إيغود بالمغرب، أظهرت أن الإنسان المعاصر سكن - بلا شك- جزءا كبيرا من إفريقيا منذ 300 ألف عام.. وبذلك، يكون هذا الاكتشاف هو أقدم أثر للجنس البشري حتى الآن». والأغرب هو اكتشاف بقايا ما هو متعارف عليه بين علماء «الأنثروبولوجيا» بالإنسان الأول، ويسميه البعض «شبيه الإنسان»، أو شبيه أبينا «آدم» عليه السلام، وهنا تكمن معضلة عقائدية تختلف فيها التفسيرات وهي مثار كثير من الجدل بين المفسرين.. فهناك أكثر من 100 كهف في منطقة الأكراد شمال سوريا، يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإنسانية، أي قبل نزول آدم عليه السلام من السماء.. ويقدر الجيولوجيون تاريخ هذه الكهوف بأكثر من 500 مليون سنة.. ويعود الفضل في هذه الاكتشافات لبعثة يابانية جاءت إلى تلك المنطقة وحددت تاريخ المنطقة، وتوصل البروفيسور «هيدو فوجي» رئيس هذه البعثة ورئيس بعثة التنقيبات في الكهوف إلى حقائق لم يتوصل إليها أي أحد من قبل (موقع Traidnt). وتبيّن تلك الحفريات وعلم الآثار أنه كان هناك مخلوق قبل سيدنا «آدم»، شبيه جدًا بآدم وذريته، لكن هناك فاصلا زمنيا بينهما مقدرًا بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف سنة، اختفت فيها آثار كل منهما، وهي الفترة بين هلاك الأول واستخلاف الثاني.. وقد وصف العلماء الدارسون للآثار التي تركها «شبيه آدم» في تلك الكهوف بأن هذا المخلوق كان يعيش بطريقة همجية، يكثر فيها القتل وسفك الدماء، من كثرة العظام حول المغارات والكهوف التي كان يؤوي إليها.. وهذا الوصف يلامس شرح القرآن في قول الملائكة عند خلق آدم: «قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء».. ما يبين أن شبيه آدم لم يكن إنسانًا عاقلا كآدم وذريته، حيث أشار إلى ذلك قول الملائكة: «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ».. ما يدل على أن هذا المخلوق لم يكن يعرف حمد الله ولا تقديسه، كذلك ربما لم يعرف النطق والكلام، ولا تسمية المسميات بأسمائها.. وهذا ما بيّنه قوله تعالى عندما علّم آدم الأسماء، ليظهر فضل آدم على من سبقه، وحتى على الملائكة أنفسهم، الذين يقفون عند تكاليف الله التي أمرهم بها ولا يتعدونها. الحديث في هذا الموضوع يطول ويتشعب، وقد يفتح أبواب خلاف وتضارب في الآراء.. لكن الثابت من الناحية العلمية في شأن هذه الآثار التي تركتها هذه المخلوقات وبقايا هياكلها العظمية، تبيّن أنهم كانوا على شكل الإنسان، ولا يختلفون عنه إلا ببروز عظام الحاجبين وتقدمهما قليلا، وتقدم الفك السفلي، ما جعل العلماء الدارسين في هذا الباب يسمون هذا المخلوق بالإنسان الأول.. ويذهب البعض إلى تسمية هذا الكائن أو المخلوق بشبيه آدم، لكن من الواضح أنه لا علاقة لهذه المخلوقات بآدم، إلا ربما في هيئة الأجساد فقط.. وآثار هذه المخلوقات هي التي وجدها العلماء في الكهوف السورية، وطابقوا بينها وبين ما يعرف بـ«الإنسان الأول» الذي وجده «داروين» في أوروبا وبنى عليه الغرب الجزء المتعلق بتطور الإنسان من نظريته الشاملة المعروفة باسم «نظرية التطور».. وجدير بالذكر أن بقايا هذه المخلوقات منتشرة في جنوب أوروبا، وفي منطقة الشرق الأوسط، وأشهر الآثار التي عثر عليها لهذا المخلوق وجدت في هذه الكهوف المتبقية في شمال سوريا. { أكاديمي بحريني متقاعد
مشاركة :