سليمة لبال | عرفت المواقع الالكترونية الساخرة في العالم نجاحا باهرا خلال السنوات الاخيرة، لكن سرعان ما تحول بعضها الى مواقع تروج للأخبار الكاذبة. وبعد ان كانت تمتع القارئ بفكاهتها وأخبارها الساخرة المثيرة، باتت توزع الشك وتوقع في شباكها الكثير من القراء وحتى الصحف. ويقول خبراء في الاعلام ان الانتشار الرهيب لهذه المواقع يدعو الى التفكير بجدية في طرق لوضع حد لها، خاصة بعد ان اصبحت بعض الصفحات والحسابات الشهيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تتبنى هذه الاخبار وتنشرها كأخبار صحيحة، مثلما حصل الاسبوع الماضي، حين منع فيسبوك مشتركيه من مشاركة موضوعات نشرها الموقع البلجيكي الساخر نوردبرس عن قضية مستشار الرئاسة الفرنسية بنالا، المتورط في ضرب احد المتظاهرين، بعد ان تلك المنشورات، مجرد اخبار كاذبة. موضوعات مضللة لأهداف سياسية عشية موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا في 2017، نشر موقع غورافي الساخر، مقابلة مفبركة مع المرشح ايمانويل ماكرون. لكن العديد من صفحات الفيسبوك التي تمثل اقصى اليمين اعادت بعض ما جاء في المقابلة، وادعت انها تصريحات حقيقية، وكان ابرزها هذا التصريح الذي نُسب الى ماكرون وتضمن الجملة التالية «حين اصافح يد فقير، أشعر بأني قذر طول اليوم» ما اثار سخط الكثير من المدونين. ووقعت المشكلة ذاتها في الولايات المتحدة خلال انتخابات الرئاسة التي جرت في 2016، حيث نشر الموقع الساخر WTOES News خبرا كاذبا عن دعم البابا فرنسيس لدونالد ترامب، واعادت نشره حينها مواقع مؤيدة لترامب ولها مصداقية مثل Ending The Fed، ما دفع مئات الالاف من المدونين الى مشاركته عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الاعلانات الهدف الرئيسي والاغرب ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي بات يستغل النكت التي تنشرها هذه المواقع الساخرة في صناعة اخبار كاذبة والترويج لها، مثلما فعلت عدة مواقع فرنكوفونية مؤخرا مثل codescouple.com او megabuzz.net، اللذين نشرا عناوين كبيرة عن توقيف موظفة في مشرحة، بعد ان انجبت طفلا من رجل متوفى هذه القصة الخيالية، نشرها على سبيل المزاح في البداية موقع WorldNewsDailyReport.cpm لكن اعيدت صياغتها في مواقع عدة على اساس انها خبر موثوق. ووفق صحيفة لوموند الفرنسية فإن هذه المواقع تنشر هذه الاخبار من دون ان تشير الى انها اخبار كاذبة، بهدف الحصول على عدد اكبر من المشاهدات ومن ثمة اعلانات اكبر، وفي هذا الاطار فإن نشر اي اشاعة على عشرات صفحات فيسبوك، ذائعة الصيت، يوفر لهذه المواقع آلاف القراء. ويقول سيباستيان ليبوس مؤسس موقع غورافي الساخر ان العديد من القراء يخطرون اسبوعيا الموقع بحالات تعيد فيها مواقع اخرى نشر موادهم الساخرة وتقديمها كأخبار صحيحة من دون إذن. ما مهمة المواقع الساخرة؟ ولكن بعيداً عن أي تضليل أو اعادة نشر محتوى بدون اذن، هل مهمة ودور هذه المواقع الساخرة واضح بشكل كاف بالنسبة للقراء؟ يقول مؤسس موقع غوارفي ان مهمة الموقع مفهومة من قبل القراء ويضيف «يعود نجاحنا إلى المتعة والتسلية التي نوفرها إلى قرائنا الذين يتابعوننا منذ خمس سنوات وإلى أولئك الذين اكتشفونا بالأمس». ويحصل أحياناً ان تعيد بعض المواقع الإخبارية ما تنشره المواقع الساخرة، ففي 20 أبريل الماضي على سبيل المثال اعاد موقع اتلانتيكو بشكل جدي بعض التصريحات التي زعم موقع «غورافي» ان الزعيم اليساري الفرنسي جان لوك ميلونشون، أدلى بها إلى أحد صحفييه، وبعد بضعة أسابيع اعادت صحيفة الحياة الجزائرية نشر مزحة نشرها موقع غورافي عن رغبة مارين لوبن، تشييد جدار بين الجزائر وفرنسا. مواقع خادعة تقول بعض المواقع الإلكترونية انها مواقع ساخرة، لكنها في الواقع تنشر أخباراً تثير الحيرة والالتباس، مثل موقع نودبرس البلجيكي، الذي يقدم نفسه كموقع ساخر، بينما عناوينه أقرب إلى صحف التابلويد، منها إلى السخرية والفكاهة، وأحياناً يطلق نكتا مثيرة للشك، ففي مارس 2017 أوقع هذا الموقع صحيفة لوباريزايان الفرنسية في مشكل كبير، حين اعادت نشر خبر مفبرك نشره الموقع، وجاء فيه ان مانويل فالس، يدعم ايمانويل ماكرون في الانتخابات. وخلال الحملة الانتخابية نشر أيضاً موقع بازبيد، الذي يقدم نفسه كموقع ساخر، لكنه يستهزئ في الغالب من أقصى اليمين، نشر خبراً مفاده ان ايمانويل ماكرون يعتزم اقرار ضربية على إيجارات السكنات، ورغم التكذيب استمرت هذه الإشاعة في مرافقة الرئيس بعد ثمانية شهور من انتخابه. صحيفة صينية تتحدث عن «ملكة جمال الكويت»! تخصص موقع ميديا ماس الصيني، الذي ينشر موضوعات بسبع لغات، منذ تأسيسه في عام 2012، في نشر أخبار ساخرة، واكتشفت القبس أثناء بحثها في أرشيف الموقع عدة موضوعات عن الكويت بتفاصيل توحي للقارئ انها حقيقية مئة في المئة. ومن بين هذه الأخبار نقرأ خبرا عن سلسلة فظائع ارتبطت بمسابقة مزعومة لاختيار ملكة جمال الكويت خلال هذا الصيف.نكت 100 في المئة يعد الموقع الاميركي ذي أونيون، الرائد في الصحافة الساخرة الالكترونية في العالم، يعمل منذ 1988. وتتميز بعض المواقع الساخرة عن بعضها بالسماح للمدونين بفبركة قصص جديدة ونشرها مثل موقع actualite.co. لكن الهدف منذ البداية واضح وهو اختراع نكت لإضحاك الأصدقاء مثل خبر فرض ضريبة على الحيوانات الأليفة في فرنسا في 2016، أو منع بيع أقنعة الحصان في أوروبا كلها، لكن أحيانا يتم تداول الخبر على أنه صحيح، رغم ان هذه المواقع تكتب تحت كل موضوع أن الأمر ليس جديا وإنما للمزاح فقط. والأمر نفسه بالنسبة لكل من مواقع صحيفة موريال وغورافي وأكس دوماد وبيبلوكات ماغازين، حيث تؤكد أن الأمر يتعلق بنكتة مئة في المئة. الصحافة الساخرة.. سلاح سياسي يقول المختص في تاريخ رسومات الصحافة غيوم دوازي في مقابلة مع صحيفة 20 مينوت «إن الصحافة الساخرة تقليد فرنسي بامتياز. ويضيف «دأب هذا النوع من الصحافة منذ سنوات على استخدام الرسومات للاحتجاج والاستنكار وإسقاط الحواجز». وأما المؤرخ كريستيان دلبورت فيقول «لا توجد صحيفة مثل شارلي إيبدو في العالم» ويتابع «لقد انفردت ليس بسخريتها من السياسة فقط وإنما بانتقاداتها الاجتماعية وفي مجال البيئة والاقتصاد والمالية يضا، هناك صحف ساخرة في العالم، لكن التي تهتم بالسياسة فهي نادرة». وتعد شارلي إيبدو ولوكانار أونشيني من الصحف الساخرة، المثيرة للجدل في فرنسا، حيث عرفت نجاحات باهرة بسبب تناولها المحظورات، وإن كان بدرجة أقل بالنسبة لصحيفة لوكانار أونشيني، التي لا تتخطى بعض الحدود مقارنة بشارلي إيبدو. ويقول غيوم دوازي إن الدين من المحظورات بالنسبة للصحافة الساخرة في بريطانيا، التي طالت مواضيعها عدة مرات العائلة المالكة والأمر نفسه في الولايات المتحدة، حيث لم يقاطع هذا النوع من الصحافة الكنيسة. ويتابع كريستيان دلبورت فيقول «ولد الكاريكاتير في الصحافة في بداية القرن العشرين مع دوميي وشام واندري جيل في عهد الامبراطورية الثانية، حيث ظهرت أشهر الرسوم الكاريكاتورية وبينها غامبيتا وفيكتور هوغو». ووفق غيوم دوازي، فقد أصبحت الصحافة الساخرة، سلاحا سياسيا منذ بداية عام 1980 مع البدء في بث برامج ساخرة مثل ليغينيولز، غير ان كمشة من هذه الصحافة الساخرة تمكنت من البقاء بسبب ضعف المداخيل وتراجع التوزيع.موقع لو غورافي فبرك مقابلة مع ماكرون عندما كان مرشحا للرئاسة الفرنسيةنقلت عنه قوله «عندما اصافح فقيرا أشعر بالقذارة كل اليوم!».
مشاركة :