عمّان: «الخليج»في جنازة مهيبة شيّع آلاف الأردنيين بينهم فنانون ومثقفون ومسؤولون، بعد صلاة الجمعة أمس جثمان الفنان الأردني ياسر المصري إلى مقبرة الهاشمية في محافظة الزرقاء الشمالية وسط أجواء سادها الحزن والصدمة بعدما كان توفي عن عمرٍ يناهز 48 عاماً مساء أمس الأول إثر حادث سير. وبحسب أسرته كان المصري يزور شقيقه في منطقة ضاحية مكة في محافظة الزرقاء ثالث أيام عيد الأضحى وخلال مغادرته توقف عند الساعة التاسعة والنصف مساء لمساعدة سائق تعطّلت حافلته الصغيرة الخاصة وتولى المصري عجلة القيادة لتحريك الحافلة لكنه فقد السيطرة عند منحدر يُسمى «طريق الموت» بسبب انعطافاته وكثرة الحوادث عليه ما أدّى إلى اصطدام الحافلة بقوة بسيارة وجدار مبنى وتوفي قبل نقله إلى مستشفى جبل الزيتون وأُصيبَ آخر وحالته حرجة. ويُعد المصري نجم الأردن الأول الذي ظل مستقراً في وطنه مقارنة بأسماء أخرى انتقلت إلى الإقامة خارج المملكة وُعرفَ بلقب فارس الدراما البدوية واكتسب شهرة واسعة بأدائه شخصيات صعبة في أعمال مصرية وخليجية وعربية مشتركة أبرزها دور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في مسلسل «الجماعة 2» وآخرها «يحيى البرمكي» ضمن المسلسل التاريخي «هارون الرشيد» الذي عُرض رمضان الماضي. وكان المصري يواصل تصوير مشاهده في المسلسل البدوي الجديد «درب الشهامة» تأليف وإخراج محمد العوالي في صحراء الأغوار الجنوبية وبذلك تكون هذه آخر إطلالاته المقبلة على الشاشة. وخلال لقاء مع «الخليج» على هامش تواجده في مهرجان «طقوس» المسرحي الأخير تحدث المصري عن حلمه الفني بإنتاجه المسلسل البدوي «قلب الحر» الذي أنجز حلقته التمهيدية وتواصل بشأنه مع قنوات فضائية دون اتفاقات نهائية ووصفه بأنه «الحلم المؤجل». وتطرق إلى إدراكه تراجع النجومية مع تقدم الفنان في العمر وعدم شعور الفنان بالأمان على مستقبل عائلته بعد رحيله. ورغم حصوله على أدوار مهمة في مصر والوطن العربي ذكر أن مشاركته ضمن أعمال أردنية توصف بأنها محدودة بمثابة واجب بقصد الإسهام في دعمها.وظهر المصري في آخر لقاء إعلامي على شاشة التلفزيون الأردني نهار يوم رحيله ضمن برنامج «صباحات العيد» وتحدث عن تطلعه للمشاركة في عمل تاريخي جديد وصفه بأنه «ضخم» عنوانه «بنو عثمان» مع الفنان خالد النبوي وقال إنه يجد نفسه في الأعمال التاريخية والبدوية وكرر تطلعه القديم بتجسيد عمر المختار وحمزة بن عبدالمطلب في فيلمين سينمائيين وكان حريصاً على شكر أسرته وجميع المخرجين الذي وقفوا معه في بداياته الفنية.بدأ المصري مشوار الفن مدرباً في فرقة للفنون الشعبية ثم عمل في الدراما نحو 13 عاماً انطلاقاً من مشاهد معدودة في المسلسل التاريخي «الفرداوي» دون حصده نجومية حتى حقق له المسلسل البدوي «نمر بن عدوان» عام 2007 نقلة نوعية وأصبح تحت الأضواء من حينها. تصدّر المصري بطولة عشرات الأعمال في الأردن وقدّم أدواراً رئيسية في أخرى عربية ونال نجومية إضافية واسعة بعد ظهوره بدور صعيدي في الفيلم المصري «كف القمر» للمخرج خالد يوسف عام 2011 تلاه تجارب بارزة عدّة في القاهرة أهمها «دهشة» مع النجم يحيى الفخراني و«العهد» مع غادة عادل وآسر ياسين و«تحت الأرض» مع أمير كرارة و«أريد رجلاً» مع ابن بلده إياد نصار ومع تزايد حضوره احتفظ بتواضعه ودماثة خلقه. احتفظ المصري بتفاصيل حياته الخاصة بعيداً عن الأضواء وكان تزوج الصحفية نسرين الكرد عام 2000 ولديه ثلاثة أبناء أكبرهم زيد. والمعروف عنه علاقته الوطيدة مع والدته وحرصه على متابعة رعايتها بعد مرضها وأصّر في ختام لقائه التلفزيوني الأخير أن يقول: «أصبّح على أمي وأقول لها كل عام وأنتِ بخير».رثاء وتعازٍ على مواقع التواصللم تتوقف ردود الفعل المتأثرة بوفاة ياسر المصري، ورثاه مسؤولون ووزراء حاليون وسابقون وفنانون ومثقفون وجمهوره العربي تحت عنوان «فارس البادية» ارتباطاً بأدواره، وأطلقوا عليه «الشهم» اقتراناً بوفاته خلال مساعدته سائق حافلة. وبثَّ متفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من قصائد اعتاد على إلقائها بطريقته «التفخيمية» في مسلسلات البيئة الصحراوية بعضها يتحدث عن الفراق والموت. واستذكر د. علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام ومثقفون إماراتيون وخليجيون مشاركة المصري في الأوبريت الملحمي «زايد والحلم» قبل سنوات. وقال علي بن تميم في نعيه: «رحم الله الممثل المبدع الذي جسد العديد من الأدوار المهمة بإتقان وتميّز. أخلص التعازي لأهله ومحبيه وعائلته الفنية في الأردن والعالم العربي». وأضاف: «لقد فقدت الحركة الفنية العربية أحد أهم رموزها المؤثرة والجادة». ووصفت بسمة النسور وزيرة الثقافة الأردنية رحيل المصري بالصدمة والخسارة الفنية الكبيرة التي لا يمكن تعويضها. وأكد عاطف الطراونة رئيس البرلمان الأردني أنه برحيل ياسر المصري تفقد الساحة العربية والأردنية واحداً من أهم رموزها وأن أعماله لن تنساها الأجيال. وبث المخرج خالد يوسف على صفحته الإلكترونية مشهداً من فيلم «كف القمر» الذي شارك فيه المصري بدور «ضاحي». ونشرت الفنانة أحلام دعاءً موجهاً للراحل، وتوقف الفنان طارق العلي عند ولادة ونشأة ياسر المصري في الكويت وتقديمه أعمالاً خليجية، فيما كتبت الإعلامية والفنانة الإماراتية رؤى الصبان التي شاركت ياسر المصري في المسلسل البدوي «ذيب السرايا» أنها لم ترَ منه إلاّ كل خير. واسترجع فنانون مصريون بينهم أمير كرارة وغادة عادل وعمرو يوسف مواقف جمعتهم مع الراحل ووصفوه بأنه «جدع» و«ابن ناس» و«الراجل الطيب» وكان مثالاً للفنان الأردني الخلوق والمحترم. ونشر المخرج فايز دعيبس آخر تعليق للراحل المصري على صفحته قبل ساعات من رحيله كان عبارة عن دعاء «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنّا».