هاشم عبدالعزيز ما بين جعجعة الحل المعلق بخيوط «جنيف» العنكبوتية، وبين طاحونة حرب الدمار الجهنمية، تتداعى المفارقات والأسئلة العديدة في شأن الأزمة اليمنية، ومن هذه الحالة «الرمادية» يأتي التساؤل: هل ثمة إمكانية للتنبؤ أو التوقع أو الاحتمال فيما ستذهب إليه مشاورات جنيف إذا ما انعقدت في السادس من سبتمبر/ أيلول المقبل؟ من الواضح أن شيئاً من هذا لن يحدث، لا لأن ما يجري يتم بهدوء وسرية، ولكن لأن ما يجري أقرب إلى محاولة التفافية على مواجهة الحقائق المرتبطة بالحلول الشاملة والجذرية، والتي جرت منذ بدء الإعلان عن تعيين مارتن جريفيث مبعوثاً أممياً في اليمن بسرعة قياسية وحسب، وبتناقضات عجيبة وغريبة. في هذا الشأن اندفعت أطراف يمنية وإقليمية ودولية لتسويق جريفيث بصورة دعائية، بدا كما لو أنه يمتلك الحل السحري وأنه أنجز مهمته قبل أن تبدأ. وما ضاعف من هذه الصورة الوهمية ذهاب المبعوث الأممي ذاته إلى إطلاق تصريحات مغرية عن إعداده خطة حل شاملة ترتكز على القواعد السياسية وتستوعب مجمل القضايا التي نجمت عن حرب الدمار الجهنمية، فما الذي جرى؟ لقد انقلبت هذه الوسائط على اندفاعها، واستبدلت دعايتها للمبعوث الأممي بكفاءته وقدرته باتهامات الجهل وإطلاق أحكام الفشل قبل أن يبدأ. واللافت في هذا الشأن أن المبعوث الأممي الذي كان أكد على أن مهمته ستقوم على إعداد مبادرة شاملة تناقض عملياً مع نفسه، ليبدأ عملية تسويق أكثر من مبادرة استقرت حتى الآن على جمع الشرعية والانقلابيين في جنيف لمعاودة المفاوضات التي توقفت، وعلى إخراج الحديدة ومينائها من الدائرة اليمنية. القضية هنا لا تتعلق بجريفيث لأنه في نهاية المطاف موظف، ولكنها ترتبط بدور الأمم المتحدة. وهنا يمكن القول إن ما يجري في شأن الحديدة لا يقوم على تفكيك الحرب ولا على التقليل من تداعياتها الإنسانية، لكنه محاولة لبدء الوصاية، والدال على هذه الحقيقة الآتي: أولاً: تنص مبادرة جريفيث في شأن الحديدة على أن «تقوم الأمم المتحدة بدور قيادي في عمليات تشغيل موانئ الحديدة والصليف، ورأس عيسى، وأن يتم نشر مفتشين من بعثة الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش في هذه الموانئ»، كما تنص على أن «تقوم المنظمة الدولية بنشر مستشارين مدنيين لتقديم الدعم الفني للمجلس المحلي لمدينة الحديدة وغيرها من المؤسسات المحلية للدولة، على أن تقوم الأمم المتحدة بنشر مستشارين شرطيين تابعين لها وتقوم بالدور المناسب فيما يتعلق بذلك». ثانياً: المبادرة تقوم على نسف مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها وقراراتها حول اليمن، إذ إن المبادرة جاءت خلافاً لماضي دور المنظمة الأممية الذي قام على إدانة الانقلاب ودعم الشرعية الدستورية اليمنية والعملية الانتقالية التي رعتها لسنوات عديدة. ثالثاً: التقاء الأطراف الدولية على قاعدة دعم المبعوث الأممي في مهمته، هو التقاء على قاعدة الاختلاف، حيث الدفع الأوروبي يقابله الشد الأمريكي، وهذه واحدة من إشكاليات الوصول إلى حل الأزمة اليمنية من جهة، والبقاء في دوامة حرب الدمار الجهنمية من جهة ثانية. هنا يمكن الإشارة إلى أن لعبة خلط الأوراق بين ما هو حق وبين ما هو باطل زاد عن حده في شأن الأزمة اليمنية اليمنية، حيث يتوق اليمنيون إلى حل يضع نهاية حاسمة لما يجري من خسائر الحرب الفادحة من قتلى وجرحى، ومشردين، وتعطيل سبل الحياة وتدمير البلاد التي ستحتاج إلى عقود لإعادة البناء. السؤال: ما الطريق إلى وضع نهاية لما يجري في اليمن؟ الإجابة المنطقية والمواقف التي عبرت عنها دول عالمنا بأسره تقتضي إنهاء الانقلاب وإزالة مترتباته، وأنه بدون الإمساك بهذه الحلقة الرئيسية والاعتماد على مرجعيات الحل الرئيسية للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، خاصة القرار 2216، لن يكون هناك حل لصالح اليمنيين، ولهذه المنطقة ومصالح وأمن وسلام عالمنا بأسره. والأمم المتحدة إذا ما ركزت على أن يكون لها وجود في اليمن بدلاً من دور لمواجهة الأزمة بأسبابها وسبل تجاوزها فإنها ضالعة في استهداف اليمن ومصير شعبه.
مشاركة :