بقدر ما كان بيان الإخوة في وزارة التربية والتعليم المنشور قبل يومين واضحا عن شهادات بكالوريوس الطب للدارسين في الصين، كان من الأولى والأقوى إرفاق نسخة مصورة للمقررات التي أنهاها الطلبة الذين يطالبون بمعادلة شهاداتهم من هناك، مع نسخة أصلية تطلبها الملحقية الثقافية هناك، والمعنية بالمقررات التي يدرسها الطلبة الصينيون لنفس التخصص في جامعاتهم، مع مقارنة ذلك بالمقررات الموجودة في جامعة الخليج العربي. بتلك الشواهد التي لا تقبل التشكيك سيغلق الملف، ولن يجرؤ أحد على المطالبة بالتصديق على شهادته، لأنه حينها سيطالب بالاعتراف بشهادة غير مكتملة الأركان، ولا تتساوى مع السنوات الأصلية لدراسة الطب في البحرين مثلا. ما بال البعض ينتقي أفضل الثمار ليملأ بطنه، وأفضل الملابس ليغطي بها جسده، لكنه -عن قصد أو غير قصد- لا يهتم بالبحث عن الجامعة التي سينال منها هو أو أبناؤه الشهادة العلمية التي ستظل تزين سيرتهم الذاتية فيما تبقى من أعمارهم. يؤسفني حقيقة أن يتم حصر قضية الشهادات المزورة في شهادات طلبة الصين، والموضوع المثار أكبر من ذلك بكثير. هو ليس حساب تواصل اجتماعي لشخص مجهول عرض الأسماء، وخلط فيها الحابل بالنابل! لكن القضية ما قامت «أخبار الخليج» باستعراضه من تحقيقات متواصلة بعد اشتعال قضية تزوير شهادات الكويت، لتسليط الضوء على قضية مجتمعية خطيرة، تم فيها التحايل للحصول على مناصب تنفيذية مختلفة ومؤثرة في الدولة بسبب شهادات وألقاب مزورة، كان أغلبها لعمالة أجنبية استولت على مواقع كان المواطنون أولى بها، مع قلة من مواطني البلد، وقعوا أيضا -عن قصد أو عن غير قصد- في احتيال الجامعات الوهمية. المجلس النيابي معطل، وطالبنا بلجنة تحقيق تضع النقاط على الحروف، كما حدث في الشقيقة الكويت، وهو ما يفترض أن يتبع تصريح رئيس الوزراء، حيث هناك جامعات عليها إشكالات في المصداقية، تم منح طلبتها التصديق على شهاداتهم. وإذا تجاوزنا ذلك لأسباب قد تبدو مبررة للبعض، فمن السهل على لجنة مستقلة أن تكتشف أن فلانا من الناس سافر مدة 3 أشهر وعاد بالدكتوراه! أو أن علانا من الناس نام في الليل واستيقظ وإذا بحرف الدال يسبق اسمه! ما سبق سيحمي النظام المتبع ويؤكد مصداقيته، أو سيضع اليد على مواقع الخلل، من غير مزايدة أو تهويل. حتى بالنسبة إلى المعهد البريطاني (BAC) British Accreditation Council، الذي تعاقدت معه الوزارة لتقييم الجامعات، ليكتشف بعد ذلك بأنه معهد وليس جامعة، وبأنه غير معتدّ به في المملكة المتحدة، يحتاج إلى وقفة لمعرفة كيف حدث ذلك؟ وكيف يتمّ اعتماد جهة غير معتمدة لتقييم الجامعات البحرينية، لتدفع لها المبالغ الطائلة؟! برودكاست: من أسوأ الانعكاسات التي نعيشها مع بروز كل قضية مجتمعية هو السعي لتقزيمها وتبسيطها وتمييعها، عبر لفها أو تحويرها أو توجيهها نحو مخرج واحد لا غير، وهو الأسهل، للتخلص من تبعاتها وكلفتها. كم من قضايا مجتمعية خطيرة تم التخلص منها بتلك الطريقة؟! العقول الرشيدة والعارفة والتي تخشى على سمعة الوطن بإمكانها أن تفحص تلك القضايا ولو بلجان خفية، لتعرف حقيقة التفاصيل التي لا يُراد لها أن تظهر. دمتم بخير.
مشاركة :