أجرى اللقاء إيليا القيصر | كشف مدير برنامج الزراعة والنظم البيئية الصحراوية في مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية في معهد الكويت للأبحاث العلمية د. محمد البحوه، عن عدد من المشاريع البحثية التي ينفذها المعهد لتطوير القطاع الزراعي في البلاد باستخدام التقنيات الحديثة بدلا من طرق الزراعة البدائية والتقليدية التي لا تكفي لتوفير الأمن الغذائي في المستقبل. ودعا خلال لقاء مع القبس إلى الاستفادة من الإنجازات العلمية وربط الجهود مع الجامعات العالمية واستثمارها في تنمية القطاع الزراعي، مشددا على ضرورة إعادة النظر في الدعم الحكومي وتوجيهه في طريق الأمن الغذائي، وحث المزارعين على استخدام التقنيات الجديدة ذات الجدوى الاقتصادية. ولفت إلى ان المعهد يعمل لإنجاز مشروع «المصنع النباتي»، الذي يمثل نمطاً إنتاجياً من أنماط الزراعة الحضري، ويتميز بالقدرة على الإنتاج طوال العام بغض النظر عن الظروف الجوية، حيث تنمو النباتات في غرف معقمة تمنع نمو الميكروبات وتوفر %80 من استهلاك المياه. وبين ان تبعات السياسات غير الصارمة وضعف الرقابة على المنتجات الزراعية المستوردة، سهّل عملية دخول وانتشار الآفات الزراعية التي تمثل تهديداً للإنتاج الزراعي، ما أدى إلى ارتفاع نسبة استخدام المبيدات لتصل إلى 14 مرة خلال الموسم الزراعي ليضع الكويت في المرتبة الثانية ضمن الدول الأعلى استخداما للمبيدات في الشرق الأوسط، مبيناً أن %21 من الخضروات والفاكهة الكويتية ملوثة بالمبيدات، وفي ما يلي نص اللقاء: • ما أبرز التحديات الغذائية التي تواجهنا في المستقبل؟ ــــ من اكبر التحديات التي نواجهها خلال الأربعين سنة القادمة، انه يتعين على نفس النبات إنتاج ما تم إنتاجه خلال الـ8000 سنة الماضية بنفس مساحة الأرض، لا سيما أنه في عام 2050 سيتجاوز عدد سكان الأرض الـ10 مليارات نسمة، وإن لم يتم تطوير الإنتاج وتخفيض كمية المياه والوقود المستهلكة، فإن المجاعة العالمية آتية لا محالة.• ماذا يتعيّن علينا فعله؟ ــــ لابد أن نستفيد من الإنجازات العلمية واستثمارها حتى نستطيع قطف ثمارها ما دمنا قادرين مادياً ولدينا الخبرات اللازمة قبل فوات الأوان، والإسراع بربط الجهود مع الجامعات العالمية، لا سيما جامعة فاكنينكن، لرفع مستوى القطاع الزراعي في البلاد غير المستدام، والذي يرزح بمشاكل لا حصر لها والمستنزف للموارد بشكل مفرط من دون رقابة جادة، من أجل تطويره والدفع به للوصول إلى درجات مرضية من الأمن الغذائي الذي مع الأسف نتحدث عنه من دون إدراك معناه.• ما مشاكل القطاع الزراعي في البلاد؟ ــــ إن القطاع الزراعي لدينا ليس قائماً على أسس علمية صحيحة، وإنما الدافع هو الدعم الحكومي الذي ننصح بإعادة النظر فيه لتوجيهه إلى الاتجاه الصحيح في طريق الأمن الغذائي، كما أن إدارة المزارع من قبل عمالة رخيصة ورديئة عادة ما تكون معتمدة على طرق بدائية جداً، وهذه العمالة لا تؤمن بالوقاية في الإنتاج الزراعي، وعلى سبيل المثال لا الحصر يتم إتلاف النباتات الموبوءة وتعقيم الأماكن المصابة بالقرب من النباتات السليمة التي بالطبع تنتقل لها الأمراض، وتتم معالجتها بالمزيد من استخدام المبيدات السمية ذات التأثير التراكمي على الإنسان من دون تحفظ، بداية من الاستنشاق المباشر للذين يعملون بالمهنة، وصولاً إلى المستهلك، حيث تتراكم بقايا المبيدات على المنتج إن كان ثمراً أو ورقاً. تقنيات حديثة• ما دور معهد الأبحاث للتصدي لتلك المشاكل؟ ــــ يقوم المعهد بتقييم بعض التقنيات الحديثة تحت ظروف الكويت البيئية، والحث على تبيانها كبديل إنتاجي في البلاد، ومنها تقنيات الإنتاج الزراعي من دون تربة، حيث لا تمثل أي خطر على صحة الإنسان أو البيئة، وغالباً ما يكون المنتج عالي الجودة، لذا يتجه عدد لا بأس به من الدول المتقدمة نحو تبنى تلك التقنيات التي بالرغم من اعتمادها اعتماداً كلياً على الأسمدة الكيماوية، فإنه ليست لها أضرار تذكر على المستهلك، لذلك نشجع المزارعين الطموحين للتغيير، لا سيما الذين على استعداد لاستخدام تقنيات جديدة ذات جدوى اقتصادية عالية على تبنيها. • حدثنا عن جديد المعهد في الأبحاث الزراعية. ــــ نعم، بادر المعهد بعمل مشروع بحثي للاستفادة من تقنية ما يسمى «المصنع النباتي»، التي تمثل نمطاً إنتاجياً من أنماط الزراعة الحضرية أو الحدائق الحضرية في أو حول المدينة، التي تشمل أيضا تربية الحيوانات والأحياء المائية والحراجة الزراعية والنحل في المناطق الحضرية والبستنة، وتتميز هذه التقنية بإمكانية تطبيقها في أماكن مغلقة، حيث تُزرع النباتات على أرفف باستخدام إضاءة اصطناعية، وتتراوح أحجام هذه المباني من بضعة أمتار مربعة لأغراض الزراعة المنزلية، إلى أحجام كبيرة جداً للزراعة التجارية تتراوح بين 1000 و2000م2 مكونة من 10 إلى 20 رفا.• هل من تطبيقات فعلية لهذه الدراسة؟ ــــ نعم، فقد قام المعهد بعمل ترتيب للتعاون مع مركز أبحاث نظم التحكم بالبيئة من جامعة غولف في كندا، وتم الاتفاق على إنشاء الوحدة النموذجية لعمل أبحاث مشتركة بهدف إنتاج الغذاء، حيث تنمو النباتات في غرف نظيفة معقمة يتم فيها لبس الكمامات والملابس الواقية من الغبار، وتقطف الخضروات والثمار وتؤكل دون الحاجة إلى غسلها حيث يقل وجود الميكروبات بنسبة تصل إلى أدنى من %0.1 ما ينفي الحاجة لاستخدام المبيدات، وتتميز هذه الوحدات بإنتاج مستقر طوال العام بغض النظر عن الظروف الطبيعية الخارجية، بدلا من قصر الإنتاج على فصل الربيع فقط في الزراعة التقليدية، إضافة إلى انها تسهم بتوفير نسبة كبيرة من المياه تصل إلى أكثر من %80. المنتجات المستوردة • تعتمد الكويت على المنتجات الزراعية المستوردة؟ هل من تأثيرات سلبية لذلك؟ ــــ بالطبع، فإن تبعات السياسات غير الصارمة وضعف الرقابة على المنتجات الزراعية المستوردة، سهّلت عملية دخول وانتشار الآفات الزراعية التي تمثل تهديداً للإنتاج الزراعي، كما أسهمت مؤخراً بدخول آفات أوراق الطماطم كواحدة من أكثر الآفات الحشرية تدميراً لمحاصيل الخضروات، حيث ظهرت للمرة الأولى في عام 2009 لتنتشر بعد ذلك في جميع أنحاء البلاد، ما دفع المزارعين إلى الاعتماد على المبيدات الكيماوية فقط للتعامل مع الآفات بسبب عدم وجود استراتيجية بديلة للتعامل معها، حيث يقومون برش المبيدات الحشرية حوالي 14 مرة خلال الموسم الزراعي. ووصل الاستهلاك السنوي للمبيدات في البلاد إلى معدلات مرتفعة بما يعد ثاني أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يزداد هذا الرقم نتيجة لوجود آفة أوراق الطماطم، حيث أظهرت النتائج أن معظم عينات الفاكهة والخضار التي تم فحصها ملوثة ببقايا مبيدات الآفات، مع تركيزات فوق حدود المخلفات القصوى المسموح فيها من قبل منظمة الصحة العالمية والتي تشكل خطرا صحيا محتملا على المستهلكين. خطر المبيدات وكشفت الدراسات عن بقايا مبيدات فوق الحدود القصوى للمخلفات في %21 من العينات التي تم مسحها، إضافة إلى كشف بقايا متعددة موجودة في %40 من العينات من 2 إلى 4 مبيدات، ورصد 4عينات ملوثة بأكثر من 4 بقايا مبيدات الآفات، والكشف عن 16مبيدا، منها: إيميداكلوبريد، دلتاميثرين، سيبرمثرين، مالاثيون، أسيتاميبريد، مونوكروتوفوس، كلوربيريفوس، ميثيل، ديازينون. تجاوزت حدود الحد الأقصى للمخلفات. رصد مخلفات المبيدات دعا البحوه إلى الحاجة الملحة إلى وضع تدابير تدخل شاملة للحد من المخاطر الصحية المحتملة للمستهلكين، ومواصلة الرصد المنتظم لمخلفات مبيدات الآفات، وتوعية المزارعين بتحسين ممارسات سلامة مبيدات الآفات، والالتزام بفترات ما قبل الحصاد الموصى بها من خلال التعليمات الموجودة على العلب. حماية صحة المستهلكين في رده على سؤال بشأن الحلول البديلة، وآلية التعامل مع مخاطر استخدام المبيدات، قال محمد البحوه: لقد تم عمل دراسة لتطوير استراتيجيات تحكم مستدامة وآمنة بيئياً للتعامل مع هذه الآفة بناءً على المكافحة البيولوجية باستخدام المبيدات الحيوية والحشرات التي تتغذى وتتطفل على هذه الآفة، واستخدام الفيرمونات للجذب والقتل وإعاقة التزاوج ورصد أعدادها للحد من استخدام المبيدات. وأضاف: لابد من توعية المزارعين لتحسين ممارسات سلامة مبيدات الآفات، ومواصلة الرصد المستمر لمخلفات مبيدات الآفات التي تشكل مخاوف صحية خطيرة على المستهلكين.
مشاركة :