تونس - تُدرك حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي أن مقومات التوافق مع حركة نداء تونس تلاشت، وخفت بريقه حتى أصبح سرابا بسبب المُتغيرات المتنوعة التي عرفتها حركة نداء تونس، والتطورات الكثيرة التي شهدها المشهد السياسي العام في البلاد. ورغم هذا الإدراك الذي اتخذ أشكالا مُتعددة، اختلفت باختلاف المراحل التي مر بها هذا التوافق الذي أسس له لقاء باريس بين الغنوشي والباجي قائد السبسي في 13 أغسطس 2013، تواصل حركة النهضة التأكيد على تمسكها بسراب التوافق الذي حولته إلى ما يُشبه الفخ لعدد من الفاعلين السياسيين. واختارت حركة النهضة العودة للتركيز على أهمية التوافق في هذه المرحلة، والدفع باتجاه إعطاء انطباع بأن هذا الموقف يعكس قراءة سياسية عميقة أملتها الأوضاع العامة في البلاد التي تستدعي وحدة مختلف القوى، وذلك في محاولة لكسر جدار الرفض الذي بدأ يُحيط بها، ولاستدراج المزيد من الفاعلين السياسيين إلى صفها. وبدت هذه العودة واضحة في تصريحات قادة حركة النهضة الإسلامية التي تتالت قبل اجتماعات الدورة 21 لمجلس شورى حركتهم التي انطلقت مساء السبت بمدينة الحمامات الساحلية بحضور راشد الغنوشي. واعتبر عبدالكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة النهضة، أن “خيار التوافق صمد خلال المحطات السياسية على غرار الانتخابات البلدية” التي قال إنها “شهدت تنافسا ولكنها عرفت أيضا توافقا عند تأسيس المجالس البلدية”. وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أنه “تم إثبات التوافق أيضا من خلال منح الثقة لوزير الداخلية هشام الفوراتي”، لينتقل بعدها مباشرة إلى الكشف عن جوهر هذا التمسك المُلتبس بسراب التوافق، عندما دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى “التعجيل بتوضيح مسألة إعادة هيكلة الحكومة والتعديل الوزاري حتى لا تبقى البلاد في حالة انتظار”. المعادلات السياسية الجديدة تملي على حركة النهضة محاولة تحويل السراب إلى حقيقة لمحاصرة منافسيها ولم يكتف بذلك، إنما أكد أن حركة النهضة “تدعم ما جاء في النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2، وتحديدا الفقرة المتعلقة بصيغة الحكومة، والتي تؤكد على ضرورة أن تكون الحكومة السياسية في كل الحالات محايدة في العلاقة بالاستحقاقات الانتخابية” في إشارة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام المقبل. ويعكس هذا التأكيد إشارة واضحة إلى يوسف الشاهد، مفادها أن استمرار دعم حركة النهضة له يبقى مشروطا بالتزامه بعدم الترشح للانتخابات القادمة، الأمر الذي أثار نوعا من الاضطراب السياسي لدى يوسف الشاهد الذي يتهمه خصومه بالتحالف مع حركة النهضة غير آبه بخطورة الفخ الذي نصبته له. غير أن تلك الإشارة لم تصمد كثيرا، حيث سارع القيادي بحركة النهضة، علي العريض، إلى إضفاء المزيد من الغموض حول موقف حركته من يوسف الشاهد، بتصريحات وُصفت بـ”المخادعة” والقابلة للتأويل والتوظيف في آن واحد. واعتبر أن حركة النهضة “لا ترى أن إسقاط الحكومة هو الحل، خاصة وأن نتائج تغييرها ستكون أخطر على البلاد من الإقدام على تغيير بعض الوزراء”. وشدد في تصريحاته على أن حركته “حريصة على دعم الاستقرار الحكومي، وتنفيذ الإصلاحات المقررة، ومتمسكة بمبدأ أن تكون هذه الحكومة -أو غيرها- مؤتمنة على الاستحقاقات الانتخابية القادمة”، ليستدرك قائلا “هناك ضرورة ألا تكون هذه الحكومة -أو غيرها- معنية بالترشح للانتخابات القادمة” . ويتضح من خلال هذه التصريحات، حجم المناورات السياسية التي تمارسها حركة النهضة الإسلامية، وسط تزايد المؤشرات التي أضفت المزيد من الغموض والضبابية على سلوكها بسبب تشعبات علاقتها مع حركة نداء تونس، وما أفرزته من تداعيات، كان لها كبير الأثر على مجمل المشهد السياسي في البلاد. وتؤكد مجمل القراءات السياسية أن هذه المناورات السياسية -وما رافقها من رهان على المزيد من توريط رئيس الحكومة ودفعه إلى الفخ الذي نصب له- لا تخرج عن سياق البحث عن مخرج لمأزق حركة النهضة الذي تعمق على وقع تعدد الملفات الخلافية مع حركة نداء تونس. ويرى مراقبون أن حسابات المشهد الحزبي الراهن، والمعادلات السياسية التي تتبدل مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، أملت على حركة النهضة مثل هذا الموقف الذي بدت فيه كأنها تحاول تحويل السراب إلى حقيقة لتُحاصر به مُنافسيها وتخدع يوسف الشاهد الذي ما زال يُراهن عليها في خلافه مع نداء تونس.
مشاركة :