شخصيات البشر تحت مجهر العدسات الرقمية

  • 8/27/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ربما لا تعكس صور السيلفي شخصيات أصحابها كليّا وسلوكياتهم المعقدة والمتناقضة أحيانا وغير المألوفة في أحيان أخرى، لكن نتائج توصل إليها باحثون في هذا المجال مؤخرا تؤكد صحة مقولة "الصورة خير من ألف كلمة" أصبح التقاط الصور الشخصية “السيلفي” تقليدا عالميا مشتركا بين الناس بعد أن أتاحت لهم التكنولوجيا الرقمية كاميرات عالية الجودة في هواتفهم الذكية، مكنتهم من توثيق لحظات متنوعة وعديدة من حياتهم، وفي الوقت نفسه منحت الشباب وسيلة هامة لتحقيق الشهرة والشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي. وشجّعت التطبيقات المحسّنة للصور مثل سناب شات وإنستغرام ملتقطي السيلفي على نشر العديد من صورهم الشخصية التي تُشعرهم بالتميّز، وساعدت الكثيرين على رسم ملامح البهجة على وجوههم، في حين أنهم يخفون وراء كل ذلك إحباطاتهم، إلا أن هذه الصور قد أفسحت المجال أيضا للباحثين لفهم شخصيات الناس وتحليلها بدقة، والكشف عن الكثير من المفاجآت المختبئة خلف الصور. نرجسية وغرور رغم أن الصور لا تنبئ كليا عن شخصيات البشر وسلوكياتهم المعقدة والمتناقضة أحيانا، وغير المألوفة في أحيان أخرى، إلا أن النتائج التي توصل إليها الباحثون في هذا المجال تؤكد صحة مقولة “الصورة خير من ألف كلمة”. ويرجح الخبراء أن الصور التي يلتقطها الناس لأنفسهم، ومدى كثافة أعدادها، تخبرهم عن سلوكيات أصحابها أكثر من الكلمات التي ينطقون بها. فمن شأن تلك الصور أن تعطي صورة مقربة -وحتى من دون أن يعي ملتقطوها ذلك- عما يدور في أعماق نفوسهم. وبالتالي لا غرابة في أن يعكف علماء النفس حاليا على دراسة إشارات الصور، ومدى تأثيرها على الأفراد والمجتمعات والشعوب، وحتى على الكائنات غير العاقلة. 60 بالمئة من ملتقطي السيلفي عبروا عن شعورهم بعدم تقدير الذات ورغم أنه من الصعب الحكم على الناس من خلال الصور فقط، إلا أن هوس الكثيرين بالتقاط صور لأنفسهم والحرص الدائم على مشاركتها مع الغير، جعلا الباحثين يستنتجون أن تلك الصور تكشف مدى اعتداد أصحابها بذواتهم وتنامي الشعور لديهم بالنرجسية والغرور. وانقسمت آراء علماء النفس في هذا الصدد، فبينما يرى فريق منهم أن صور السيلفي تمثل شواهد على أن جيل الشباب قد أصبح يتمحور حول ذواته، فإن البعض الآخر يعارض بشدة هذا الرأي ويقول إن العكس هو الصحيح. وربطت جين توينغ، أستاذة علم النفس بجامعة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، في أبحاثها عن “الشخصية النرجسية” في صفوف جيل الألفية بين وسائل التواصل الاجتماعي والسلوك النرجسي، مطلقة على مواقع التواصل الاجتماعي في أحد مقالاتها المنشور بجريدة نيويورك تايمز تعبير “وقود النرجسية”، إلا أنها أقرّت أيضا بعدم وجود أدلة كافية تثبت ذلك. وفي المقابل، لم يستبعد باحثون بريطانيون في دراسة لهم أجروها على عيّنة تتكون من 2071 رجلا وامرأة، تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 سنة، وجود ارتباط كبير بين صور السيلفي ودرجة تقدير النفس لملتقطيها. تحليل الصور قد يساعد على حل المشكلات النفسية تحليل الصور قد يساعد على حل المشكلات النفسية وأفادت نتائج دراستهم بأن أكثر من نصف عينة البحث يلتقطون صورا لأنفسهم ما لا يقل عن مرة أسبوعيا، و73 بالمئة ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فيما عبّر 60 بالمئة منهم عن شعورهم بعدم تقدير الذات، وقال 13 بالمئة إنهم يشعرون بدرجة مرتفعة من تقدير الذات. ورافق الدراسات التي سبرت أغوار السيلفي تحذير من جامعة بوسطن والجامعة البابوية الكاثوليكية في تشيلي، للشباب والفتيات من الارتباط بالأشخاص المهووسون بالتقاط الصور لأنفسهم، معتبرا أنهم أكثر غيرة وأنانية من غيرهم. ورأى الباحثون المشرفون على الدراسة أن الأشخاص الذين ينشرون صورا ذاتية لهم بكثرة على المواقع الاجتماعية يرغبون في أن يكونوا مركز الانتباه، ويريدون أن يعرف الجميع بأنهم الأفضل. ويواجه علماء النفس صعوبة أيضا في التنبؤ بالمشكلات النفسية مثل الذهان والاكتئاب، إلا أن بعض العلماء قد أصبح حاليا يستعين بتقنيات تحليل مضمون الصور، بحثا عن علامات تدل على الاضطرابات النفسية. وكشفت الدراسات التي أجريت على حسابات موقع إنستغرام لأشخاص مصابين بالاكتئاب، أن أغلب صورهم يسيطر عليها اللون الأزرق أو اللون الرمادي أو الألوان القاتمة. استغلال وتأثير علماء النفس يكشفون خبايا الناس بمجرد النظر لصورهم علماء النفس يكشفون خبايا الناس بمجرد النظر لصورهم يرجح الباحثون أن الشخص المكتئب يستخدم بعض مؤثرات الصور التي تحول لون الصورة إلى الأبيض والأسود، على المؤثرات التي تزيد من سطوع الصورة. ورغم أن الصور بمفردها قد لا تكفي لتشخيص مرض الاكتئاب، إلا أن البعض يرى أنها قد تسهم في بناء نموذج تقريبي لتشخيص المرض والتنبؤ به بالاستعانة بخوارزميات تعلم الآلة. واستعان باحثون من جامعة هارفارد وجامعة فيرمونت بالولايات المتحدة بهذه التقنيات في تحليلهم الأخير لنحو 44 ألف صورة على موقع إنستغرام، ونجحت النماذج التي توصلوا إليها في التعرف على الأشخاص المصابين بالاكتئاب بدقة بلغت 70 بالمئة، بينما بلغت دقة نتائج الأطباء الممارسين العموم في التشخيص 42 بالمئة فقط. وكانت علامات الاكتئاب واضحة في صفحات المستخدمين قبل أن يشخصها الأطباء النفسيون، وهذا يعني أن الصور يمكن أن تكون بمثابة نظام للإنذار بالاضطرابات النفسية. إلا أن الجانب المظلم هو أن يتم استغلال صور السيلفي في قياس العوامل النفسية للمستخدمين وسلوكياتهم الشخصية لغرض التأثير على ميولهم عند التصويت في الانتخابات، أو شعورهم حيال بعض الأفراد في المجتمع. لكن المثير حقا، أن يتم الكشف عن الكثير من الخبايا بمجرد النظر إلى صور شخص ما، رغم عدم وجود مدلولات مثل الأحكام المسبقة، فيما قضى العلماء في الماضي سنوات طويلة في سبر أغوار النفس البشرية، ولم ترق معظم أبحاثهم إلى مستوى الحقائق المؤكدة. وبطبيعة الحال، ربما لا تخلو نتائج هذه الدراسات من جانب طريف ومثير في آن واحد، لكن إذا وصمتك صورك الذاتية بأنك نرجسي، فبوسعك أن تدافع عن الصفات المحمودة لديك وتخيّب سوء الظن.

مشاركة :