المصالحات السياسية.. خيار العقلاء لنزع التوترات - حسن المصطفى

  • 12/26/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

المبادرة التي قادتها المملكة، لإصلاح العلاقة بين الدوحة والقاهرة، ليست بالخطوة العادية سياسياً. فهي تروم لأن تزيل بوادر الخلاف أولاً بين البلدين، وبناء علاقة ثقة وتعاون تالياً، تؤسس لشراكة بين دول مجلس التعاون ومصر، لتخلق شبكة أمان، وسط إقليم مضطرب سياسياً وأمنياً. المصالحة الخليجية، وعودة السفراء إلى العاصمة الدوحة، مهدت الطريق إلى أن يذهب رئيس الديوان الملكي السعودي خالد التويجري، يرافقه مبعوث أمير قطر الشيخ محمد آل ثاني، سوية إلى مصر. في وقت كان البعض يعتقد فيه أن المصالحة الخليجية ذاتها لم تنضج بعد، فإذا الخبر يأتي من القاهرة، ما يعني أن العملية ليست وليدة الساعة، وإنما "هي نتيجة لقاءات متعددة مع قادة الدولتين الشقيقتين مصر وقطر" بحسب التويجري، الذي أوضح في لقاء مع قناة "العربية" أن "خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تابع كل خطوة من المفاوضات"، وأن "هناك خطوات سيتبعها خطوات أخرى إن شاء الله، وهذا سيعود إن شاء الله للدولتين الشقيقتين من عزم جاد لإنجاح هذه المبادرة ووصولاً إلى تحقيق تكامل، ووصولاً إلى علاقات واثقة لكل المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها من المجالات الأخرى". حديث التويجري يدل على أن هنالك عملاً سياسياً منظماً، وليس مجرد مبادرة آنية، والدليل أن اللقاء الأخير المعلن، سبقته مباحثات ولقاءات سابقة غير معلن عنها، وأن تفاصيل هذه اللقاءات كانت محل عناية وقراءة، أي أن "الفشل مرفوض"، والعمل كان من أجل إنضاج "المصالحة" كي يكتب لها الحياة. الفعل السياسي هو فعل قائم على الفهم الذهني لخارطة الدول، ومراكز القوى، والعلاقات الإقليمية التي تبتني عليها شبكة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، ولذا، فإن السياسة تحتاج ل"عقل هادئ" عقل يغلب المصالح على المفاسد، لا يكون انفعالياً، أو ارتجالياً، أو قائماً على نزعات فردانية تحتكم إلى الضغائن وردات الأفعال، لأنه في مثل هذه الحال ستنزع الدول إلى الصدام والحروب، وهو ما سيؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية وخلق بيئات حاضنة للكراهية والحركات العنيفة، ويؤسس لمشروعية "العنف"!. هنالك من يتغذى في فهمه السياسي وبنائه للعلاقات بين الشعوب والحكومات على مفاهيم "الغلبة" و"القهر" و"الاستحواذ"، وهي مفاهيم تعود لزمن ما قبل الدولة الحديثة، وما قبل الدولة المدنية. كون هذه المفاهيم لا تنسجم مع تطور العقل البشري من جهة، ولا مع طبيعة العلاقة بين الدول من جهة أخرى. المصالحة السياسية، والوصول إلى أرضية مشتركة حول الملفات محل الخلاف، هي ديدن العقلاء، الذين يرومون مصلحة شعوبهم، واستقرار المنطقة وتنميتها، وهي ديدن من لديه النظرة البعيدة، نظرة من يتجاوز الأحقاد، ويهرب من الحروب، ليس خوفاً أو جبناً، وإنما دراية بما تسببه الحروب من كوارث وويلات. الحصيف سياسياً هو من يختصر المسافة، ويعبر إلى "السلم" مباشرة، دون المرور بجحيم الحروب. لأن الحرب، حتى هي، في نهاياتها، ستقود لتفاهمات بين المتصارعين، ولذا من الأولى والأحسن أن تتم هذه التفاهمات باكراً، دون سفك دماء وهدر لطاقات وأموال شعوب وحكومات المنطقة. المصالحة بين الدوحة والقاهرة، ستؤسس لمنهج يؤمن ب"العقلانية السياسية"، وتقود تالياً لتفاهمات في لبنان والعراق، ومن شأنها أن تؤدي إلى وقف الصراع الدموي في سورية، والعنف في اليمن، والمشاركة في حوار جدي وعملي مع طهران حول برنامجها النووي، وكل ذلك سينعكس إيجاباً حتى على الوضع الصعب في ليبيا. وهي وإن كان البعض يراها مجرد "أمنيات" إلا أن هذه "الأحلام" بالإمكان تحقيقها إذا ما عرفنا أن الحوار والمصالحة، هما السبيل الوحيد لإنقاذ المنطقة من جحيم الفوضى المستشرية!.

مشاركة :