عندما نفكر في دولة الكويت، فإننا حتماً نفكر في ريادتها وتصديرها للكثير من الإبداعات في مجالات عدة؛ في الثقافة، في الإعلام، في التطوع، في إدارة الأعمال وغيرها من المجالات، والأهم مجال الفن الذي فجّر طاقات وأفكاراً لا مثيل لها في المنطقة وسلّط الضوء على أهم القضايا الاجتماعية والسياسية العربية والدولية وحاكى هموم الناس، وكان الفن الكويتي مُتابعاً بشغف على المستويات المحلية والخليجية والإقليمية.وعندما نفكر في الفن اليوم، في دولة «الكويت الفتية» التي تُعرف بعطاءات شبابها نتساءل: كيف حاله؟... فأجابتنا عن هذا السؤال مجموعة من الفنانين والمختصين الشباب في هذا المجال...تقدم وتطوريقول الممثل عبدالرحمن الفهد إن «مستوى الفن في الكويت متطور جداً من ناحية المسرح. أما بالنسبة إلى التلفزيون والدراما، فالتطور فقط بالمعدات والكاميرات والصورة، إلا أنه لا يوجد أي تقدم سواء بالنص أو القصة»، مبيناً أن ما يعيق تطور الدراما، بل ويجعل النصوص لجميع الأعمال شبه مكررة وفي قالب واحد؛ الرقابة لا المنتجين. ولفت الفهد إلى أن هناك بعض الظروف التي يواجهونها كشباب فنانين، وقد تكون صعبة، إلا أنهم متفائلون ومتحلّون بالصبر ليصبح مستقبل الفن الكويتي جميلاً بأذرع الشباب.وكشف الفهد أيضاً عن أن «من أبرز المشاكل عدم اهتمام منتجي الدراما التلفزيونية بالحضور للمسارح، سواء كانت مسارح أكاديمية أو مسارح جماهيرية (تجارية) ليختاروا ممثلين مبدعين بأنفسهم ونقلهم من المسرح للشاشة»، متمنياً أن يضع المسؤولون يدهم في يد الفنانين، خصوصاً الشباب، لأنهم مبدعون ولا يحتاجون إلا إلى الدعم. وقال: «الفنانون بحاجة إلى التعاون منكم ليسيروا براية الفن إلى الإبداع، وليجعلوا الفن الكويتي في القمة كما كان في السابق».فاشنيستا وطباخومن جانبه، قال هاني الهزاع، وهو ممثل وطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية، إن «الفن في الكويت جيد على المستوى الخليجي من ناحية الدراما التلفزيونية، ومسرحياً المستويات متفاوتة في المسرح التجاري من ممتاز إلى جيد إلى سيئ. أما بالنسبة إلى الأكاديمي، فالمسرح الكويتي بحالة ممتازة وفي كل مهرجان دولي الكويت تكتسح وتنال معظم الجوائز»، مؤكداً على أن مستوى الفن يرضيه عندما توجد أعمال هادفة تحمل رسالة ولا يرضيه الخلط بالوسط الفني، لاسيما حين نجد مسرحيات تمثل فيها «الفاشنيستا» والطباخ و«المودل» ومن هذا القبيل، «فلو وُضع كل شخص في مكانه الصحيح، سيكون الفن أفضل بكثير». ولفت الهزاع إلى أن الفنان المبدع يحتاج إلى نصوص تليق به وإلى الحرية بطرحه وعدم تقييده، «وبالتأكيد سيكون بحدود الضوابط الأخلاقية للمجتمع»، موضحاً أن «الفنان أفق تفكيره دائماً واسع ويحب كل جديد، وحين تتعاون الرقابة معه سيتشجع ويبزر إبداعه وهو يحتاج إلى الدعم من الجهات المسؤولة بتوفير مسارح أفضل بتقنيات أفضل وأيضاً دعم معنوي ومادي»، مستطرداً: «الفن بكل اختصار كل ما عطيته يعطيك، ولما تكون كل البوادر موجودة للفنان راح يكون الفن يليق باسم الكويت أكثر وأكثر».واختتم الهزاع قائلاً: «الكويت وناسها من عمر يحبون الفن، مستحيل الفن يختفي بيوم من الأيام ولكن نتمنى ألا نتأخر. وبالطاقات الحالية من الفنانين، أعتقد أن مستقبل الكويت سيكون بخير».واعٍ وذكيولفتت الممثلة سعاد الحسيني إلى أن لدى الكثير من الشباب أفكاراً ممتازة، إلا أنهم لا يملكون الميزانية لتنفيذها وهذا ما يحد من إبداعهم، مبدية أسفها لأن البعض لا يقدر دور الفن ولا الرسالة الفنية ولا تعب الممثل ليقدم عملاً فنياً جميلاً يليق بالمجتمع، وذلك بسبب عدم وجود الثقافة الفنية الكافية. إلا أنها أكدت أن هناك الكثيرين الذين يقدرون الفن وكل شيء جميل وأن المستوى الفني في الكويت في تقدم ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بوجود عناصر شابة ساهمت بشكل كبير في هذا التطور. وبدوره، قال الممثل سعود بوعبيد إن «الشاب المبدع الذي يقدم أعمالاً فنية ترتقي بالكويت داخلياً وخارجياً، لا يحتاج إلى الدعمين المادي والمعنوي فحسب، بل إلى التعامل معه كمحترف في المهنة وليس هاوياً لها ويحتاج إلى البيئة الممتازة لخلق الإبداع، كما أنه لا توجد مسارح بمقاييس عالمية رغم توافر إمكانية بنائها واستديوهات لتصوير للدراما»، لافتاً إلى أن المجتمع الكويتي واعٍ جداً وذكي وناقد لا يستهان به كونه مطلعاً وهو يحتاج إلى أعمال تليق به كمشاهد. وشدد على أن العمل الفني عمل جماعي لا يقتصر على ممثل أو مخرج، ويجب أن تكون جميع عناصره متكاملة لكي ينجح ويترك بصمة.رائد عربيذكر المخرج المسرحي فاضل النصار أنه لو أتيحت الفرصة للطاقات الشبابية، ستحافظ على ريادة الكويت على المستوى الفني والثقافي كون كل ما تحتاجه هذه الطاقات هو الدعم والثقة من المسؤولين ومن الفنانين الكبار. وبيّن النصار أن ارتباط بعض أفراد المجتمع بمفهوم العادات والتقاليد لا يصنع التقدير الكافي للفن، بالإضافة إلى ربطهم المباشر وعدم فصلهم بين الفن الذي يقدمه الفنان وحياته الطبيعية والخاصة، فهناك من يخلط بين الأمرين، مشيراً إلى أنه كمسرحي يرى أن الكثير من الشباب يملكون طاقات وفكراً، لكنهم غير قادرين على تنفيذها بسبب عدم توافر دور عرض جاهزة. ورأى أن «من أبرز المشاكل التي تواجه الشباب، أنه في معظم الأماكن المسؤولة عن الفن يكون المسؤول أو المراقب فيها ليس فناناً حقيقياً، ما يحد من الإبداع والعمل».بينما أوضح الممثل ميثم الحسيني أنهم كممثلين شباب بحاجة إلى الفرص الكافية للاحتكاك ولاكتساب الخبرة وللقيام بتجارب مختلفة وأدوار جديدة، لاسيما في التجارب التلفزيونية وعالم الدراما. كما شدد على أن «كل شخص في الأرضية الفنية لن يسمح بعرض أفكار سيئة للمشاهد، فلا داعي للرقابة المشددة لأبعد الحدود وعلى أبسط الأشياء». وأكد على أن الفن الكويتي رائد عربي بعد الفن المصري.طرف موازٍقالت الكاتبة المسرحية والدرامية مريم نصير إن المجال الفني في الكويت مثله كمثل أي مجال آخر، فهو أحياناً يمر في فترات من الركود وفي أحيان كثيرة يمر بقفزات تعيده للقمة من جديد، مبينة أنها ككاتبة شابة في بداية طريقها تعتقد أن الوضع الحالي غير مرضٍ لمعوقات عدة يُلام بها أطراف عدة، بداية من شركات الإنتاج إلى القنوات التلفزيونية، مؤكدة على أهمية المساحة والحرية وعدم تحويل العمل الفني إلى تجارة يعمل بها الفنان من أجل البيع وليس لحل مشكلة.وذكرت نصير أن أفراد المجتمع الكويتي مثقفون وهم من أصحاب الريادة الفنية في الخليج والوطن العربي، إلا أنها تعتقد أنه مع التطور وظهور «السوشيال ميديا» نشأت علاقات حب وكراهية بين الفرد والفنان «وأصبح الفرد يفتقد للصدق ويعتبر حالة الفنان الصادق من النوادر، وحين تختفي الأصالة والعمق يصعب تفسير العمل الفني للجماهير»، مشددة على وجوب وجود طرف ثالث موازٍ يساعد الجمهور على الفرز، «وهذا الطرف ليس سوى الناقد الواعي الذي يسعى إلى النقد البناء الموضوعي».وأضافت نصير أنه رغم تقديرها لجهود الرقابة كجهة، إلا أنها ترى أنها المشكلة الأولى لهم ككتاب، فهم لا يسعون إلى قمعها أو إزالتها، لكن يسعون إلى تحديد معايير واضحة لها، وتقول للمسؤولين: «جميعنا أبناء هذا الوطن... لا تقتلوا عطاءنا الفني له».
مشاركة :