وفرت قطر على مدار العشرين عامًا الماضية، وطنًا للكثيرين من الذين اضطروا للفرار من بلادهم، مثل ليبيا وتونس، وجاء هؤلاء دائما من خلفيات إخوانية، ولهذه الدولة علاقة متجذرة بالإخوان المسلمين، حيث شكلت خلال المرحلة الماضية محطة مهمة لرموز الإخوان في العالم الإسلامي وهو ما يتناقض مع ما قامت به من قبل، من حل التنظيم والعمل فقط في مجال التربية والدعوة، هذا ما أكده تقرير حديث لمركز المزماة للدراسات والبحوث بدولة الإمارات العربية المتحدة. وأضاف التقرير ترتبط نشأة الإخوان في قطر بنشوء الحركة الإسلامية بها، والتي تأثرت في مرحلة مبكرة بكتابات سيد قطب وفتحي يكن، وغيرهما من الإخوان، وشهدت قطر وجوداً مكثفاً للإخوان المسلمين خلال ثلاث مراحل رئيسة، تمثلت في: فترة حكم الأمير الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، والأمير الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. عهد الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني (1949 - 1960)، والشيخ أحمد بن علي آل ثاني (1960 - 1972): وصلت موجة الإخوان المسلمين من مصر إلى قطر العام 1954، وهي تعد المرحلة الأولى لوجود الإخوان في قطر، فترة حكم الشيخين: علي بن عبدالله آل ثاني، وأحمد بن علي آل ثاني، وذلك عقب المواجهة بين تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والرئيس جمال عبدالناصر، حيث لجأ العديد من عناصر الإخوان الدعويين إلى قطر واستقروا فيها، ومنهم: عبدالبديع الصقر، ويوسف القرضاوي، وعبدالمعز عبدالستار، وأحمد العسّال، وكمال ناجي، وغيرهم. بفعل ضغط النظام المصري عليهم، وكان عدد سكان قطر في تلك الفترة قليلاً، ويتركزون في العاصمة الدوحة، وهو ما جعل حضور هذه القيادات مؤثراً داخل المجتمع القطري، واستطاعوا كذلك أنْ يقيموا علاقات جيدة مع الأسرة الحاكمة، وتمتعوا باحترامها وثقتها، لتنتقل هذه الثقة إلى المجتمع، وهو ما أوجد لهم قبولاً وموقعاً مميزاً بينهم، وقد أثروا في الشباب من خلال إقامة المعسكرات والرحلات الصحراوية، وتولوا عدداً من المساجد في قطر، وساهموا في تأسيس الكليات الشرعية، وقاموا مباشرة بنشر أفكار الجماعة من خلال إلقاء الدروس والحلقات في المساجد، بالإضافة إلى المحاضرات العامّة وصياغة المناهج التربوية والتعليمية في البلاد، واختيار أعضاء هيئات التدريس في كل المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بدعم من حاكم قطر في ذلك الوقت الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، الذي كان ميّالاً إلى الثقة بهذه المجموعة من الإخوان، بعد أن وجد أنهم كانوا حريصين على العمل الفردي العضوي، حتى لا تثار الشكوك حولهم. ولذلك ركّز هؤلاء الإخوان، وأسهموا في تأسيس وزارة التربية والتعليم، وكذلك معهد الدراسات الدينية، واندمج بعضهم في مشروع فكري وصحفي كبير تمثل في مجلة "الأمة القطرية" التي صدر منها (72) عدداً حتى توقفها، وأدّت العلاقات الشخصية والمبادرات الفردية دوراً كبيراً في نشأة التنظيم الإخواني في الإمارة الوليدة. عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (1972–1995): فترة حكم الشيخ خليفة، تمّ تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين في قطر، بعد احتكاك بعض الطلاب القطريين بالإخوان المسلمين عندما كانوا يدرسون في الجامعات المصرية، ومن بينهم جاسم سلطان، الذي أسّس التنظيم في قطر العام 1975، مع مجموعة من الأفراد وهي تمثل المرحلة الثانية، لوجود الإخوان المسلمين في قطر العام 1975، أمّا المرحلة الثالثة في العام 1982، عند توافد مجموعة من الإخوان المسلمين من سورية إلى قطر، بعد الصدام الدامي مع النظام، كما استمر تركز نشاط التنظيم في الجانب الدعوي والتربوي، وكان التنظيم يعمل منذُ منتصف السبعينات ليل نهار، للاستفادة من وقته في دراسة العلوم الشرعية والحياتية وممارسة الرياضة والاندماج في المجتمع، وبذلك استطاع استقطاب مجموعات من الشباب الذين وجدوا مجالاً لتفريغ طاقاتهم من دون حساسيات مسبقة، في أنشطة متعددة ومتنوعة، مثل: النشيد الديني والرحلات والدعوة والرياضة والكتابة والخطابة والإغاثة، وكانت كل هذه الانشغالات بحاجة إلى نوع من الإدارة، خصوصاً مع شعور المجموعة القيادية بكثرة الشباب الذين هم بحاجة إلى متابعة وتنسيق وتربية، فكان أن بدأ الاختلاف في أسلوب إدارة المجموعة في ثمانينات القرن العشرين، فتنازل البعض مرغماً والآخر اختياراً، وكانت هذه أولى بوادر الاختلاف على القيادة في تنظيم إخوان قطر، ولكن بقي جسم التنظيم عاملاً من دون تأثر يذكر. عهد حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني (1995 - 2013): خلال فترة حكم الأمير حمد، عمل تنظيم الإخوان المسلمين على حلّ نفسه العام 1999، وتحول بعد ذلك إلى تيار داخل المجتمع القطري بعيداً عن ضغوط الأطر التنظيمية، ولم يأتِ هذه الاختيار إثر صدامات مع السلطة، ولكن أتى إدراكاً لطبيعة وخصوصية الواقع الخليجي والقطري تحديداً، حيث كانت تجربة التنظيم في قطر تجربة عادية لم تتحكم بها العاطفة الإسلامية أو لوائح تنفيذية أو قوانين رسمية، ويقول جاسم سلطان: "إنَّ قرار الحل جاء لأنَّ دولة قطر تمتثل للشريعة الإسلامية". وبين التأسيس للتنظيم في قطر وحلّه، لم تعرف الجماعة صدامات مع السلطات، على شاكلة ما عرفته بعض التنظيمات الإخوانية الأخرى (الفرعين المصري والسوري مثالاً)، ومع ذلك سارعت إلى إصدار قرار حل نفسها، بعد أن أجرت ما قيل إنه "قراءات" في الواقع والتنظيم. لكن في القرار مفارقات عديدة، فالقرار الذي أحيط بتشجيع رسمي وبامتعاض إخواني خارجي في البداية، تزامناً مع بدء دولة قطر حملة دعم واسعة ومحمومة، للتنظيمات الإخوانية المبثوثة في كل أنحاء العالم، وكان الدعم مالياً وإعلامياً، مع فتح كل منابر قناة الجزيرة لقادة الإخوان. وما يعزز المفارقة أن عرّاب مراجعات إخوان قطر وأحد رموزها جاسم سلطان، قال مبرراً قرار الحلّ: "في التجربة الخاصة بنا، وجدنا أنّ الدولة لا تحتاج إلى هذا النمط من التنظيم، والمجتمع لا يحتاج لهذا النمط، وهذا أمر غير معمّم في كل المجتمعات، فكل مجتمع له ظروفه… إن ميلاد تنظيم الإخوان في قطر كان طبيعياً بالنظر للسياق التاريخي والسياسي الذي فرضه وأنتجه، لكن قرار حلّه وما رافقه من تبريرات كان قراراً سياسياً، أو اتفاقاً بين السلطة والتنظيم". ويعزِّز هذا التصور مجموعة من القرائن، أولاها مواصلة دولة قطر تبني ودعم وإسناد كل الجماعات الإخوانية، وأيضاً نزوع قطري معتاد ومعروف بالنظر خارجاً، حيث تنتصب منصتها الإعلامية قناة الجزيرة لتغطي وتبث كل الفعاليات التي تحدث في شتى زوايا العالم، ما عدا قطر التي تحتضن المقر الرسمي، وهذا النزوع القطري لا يقتصر فقط على البعد الإعلامي، بل يشمل أيضاً المسائل السياسية والحقوقية والرياضية، وبعد حل التنظيم لذاته واندماج أفراده في مؤسسات المجتمع المدني، ومع اندلاع ثورات الربيع العربي 2011، ركزت السلطات القطرية في سياستها الخارجية، على دعم الإخوان المسلمين في الدول العربية التي شهدت تلك الثورات، إعلامياً ومادياً، ولاسيما مصر واليمن. وأشار التقرير ولكن بعد سقوط نظام حكم الإخوان في مصر عقب 3 / 7 / 2013، عملت قطر على استقبال الآلاف من قيادات وأفراد الجماعة، كما تبنت قناة "الجزيرة" القطرية، خطاباً مضاداً لعزل الرئيس محمد مرسي، وداعماً للإخوان. فيما تعرضت قطر لضغوط كبيرة من أجل تخفيف دعمها للإخوان، وتزامناً مع قبول قطر المصالحة مع مصر، عقب أزمة سحب السفراء الخليجيين، قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي كان يشغل وقتها مساعد وزير الخارجية القطري للتعاون الدولي: "إنّ دولة قطر، كانت وما زالت تتبع سياسة الباب المفتوح، ومرحبة بجميع الضيوف… ولكن في حال ممارسة العمل السياسي، فإن أنظمة الدولة لا تسمح بذلك". في إشارة منه لمنع قيادات جماعة الإخوان المسلمين المصريين الموجودين على الأراضي القطرية من العمل السياسي على أراضيها. ونوّه بأنّ الإخوة المعارضين الذين تستضيفهم قطر، مرحب بهم طالما لا يمارسون العمل السياسي، وإن أرادوا العمل السياسي فلهم الخيار، في إشارة منه إلى إمكانية مغادرتهم إلى دول أخرى غير قطر، ولا يرى معظم الأعضاء السابقين للإخوان المسلمين في قطر سبباً وجيهاً لإثارة المعارضة لحكومة دولة أصبحت مُضيفاً وسكناً لبعض من أشهر رموز الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، ووفّرت المنصات العامة لهؤلاء الأشخاص. عهد تميم بن حمد آل ثاني (2013-): حاول تميم، فور توليه السلطة العام 2013، تصدير فكرة أنّ مقاربته للعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون في طريقها إلى التغير. وظهرت في هذا السياق مؤشرات محدودة للغاية، كما أنها في الحقيقة مؤشرات شكلية لم تمس مضمون أو جوهر السياسة القطرية في هذا الملف، حيث استمر الأمير تميم، يعمل وفق السياسات التي اختطها والده تجاه الإخوان المسلمين، وذلك في سياسة الدعم المالي والسياسي للجماعات الإقليمية التابعة للإخوان المسلمين، ولا سيما بعد العام 2011، ولكنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً، كما هو الحال في مصر. ولذلك، فإن العلاقة بين جماعة الإخوان وقطر تعد علاقة تاريخية، ولن تتغير في القريب، لعدة أسباب، منها: التقارب الأيديولوجي بين نظام الحكم في الدوحة وبين أفكار الجماعة، وكذلك رغبة الدوحة في إبقاء ملفات مهمة في المنطقة في يدها ومن أبرزها ملف جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لما تمثله لها من أوراق ضغط مهمة إقليميا وخليجياً، وخاصة في مواجهة دول خليجية تمثل "تهديداً" للدوحة.
مشاركة :