أظهرت الاستقالة المفاجئة لوزير البيئة الفرنسي نيكولا هولو أمس، ثغرات في نهج الرئيس إيمانويل ماكرون وفريقه، قد تترتّب عليها تبعات جدية. وأعلن هولو استقالته على الهواء مباشرة، قبل إطلاع ماكرون ورئيس الحكومة إدوار فيليب على قراره. وفاجأ مذيعي إذاعة «فرانس إنتر»، قائلاً إنه اتخذ «أصعب قرار في حياته» وإنه «لم يعد يرغب بالكذب على نفسه» و «إعطاء انطباع بأننا على مستوى الرهانات البيئية». وأضاف: «لذلك قررت الاستقالة». معروف عن هولو تمسكه بعمق بالملفات البيئية وعدم ميله الى السياسة، ما جعله برفض عروض توزير قدّمها إليه الرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، منعاً لأي استغلال سياسي لقناعاته. وربما وجد في نهج ماكرون، غير اليميني وغير اليساري، فرصة لدفع الملفات البيئية بعيداً من التجاذبات السياسية، وأمهل لنفسه 12 شهراً للتحقق من جدوى دوره الحكومي. لكن هولو أمضى 15 شهراً في وزارة البيئة، أبدى خلالها مرات شعوراً بضيق وبقلة الهامش المتاح له لتسوية ملفات بيئية حساسة. وكان أبلغ مطلع الشهر الجاري صحيفة «ليبراسيون» أنه أمام معضلة بالغة الجدية، وأن ماكرون وفيليب لم يتفهما صلب الموضوع البيئي، لافتاً إلى أنه يجد نفسه في إطار سياسة مواجهة دائمة، بدل سياسة تعاون كانا وعدا بها. وقال للصحيفة التي قررت الكشف عن نصريحاته بعد استقالته، إنه في وضع مؤلم ومؤرق وإنه في مواجهة تساؤل دائم حول بقائه في منصبه، أم التخلّي عنه. ويبدو أن هولو حسم قراره، خلال اجتماع حضره في قصر الإليزيه الإثنين وضمّ ماكرون وممثلين عن اتحاد صيادي الحيوانات البرية، تقرّر خلاله خفض رسوم على رخص الصيد. هذا القرار المتعارض مع قناعات هولو، اعتُمِد بإيحاء من ناشط مدافع عن الصيد بواسطة أسلحة نارية، هو تييري كرست الذي شارك في الاجتماع، من دون أي صفة رسمية تخوّله ذلك. هذه المشاركة، والقرار الذي نجم من الاجتماع، جعلا هولو يحسم مصيره في الحكومة، إذ يأتيان بعد خيبات واجهها في ملفات متصلة بالزراعة واستخدام المبيدات ومسائل أخرى، عزّزت شعوره بأن توزيره يعود الى شخصه، لا الى تبنّي الفريق الحاكم قناعاته. وهذا ما عبّر عنه، بقوله لدى إعلانه استقالته إن الحكومة لم تعرف كيف تعطي الأولوية للملفات البيئية، وإنه لم يتمكّن طيلة الشهور الماضية سوى في الحصول «على خطوات محدودة» وغير جوهرية. وتأتي هذه الاستقالة في وقت تشهد شعبية ماكرون مزيداً من التدهور، إذ بلغت 34 في المئة، ما يشي بضرورة مراجعة نهج يعتمد على محاولة إرضاء الجميع، عبر خطوات محدودة لا تشكّل نهجاً سياسياً متكاملاً. ويجد ماكرون نفسه أمام أزمة سياسية جدية، تثير تساؤلات في شأن توجّهاته وقد تقود الى تعديل حكومي. واستغلّ معارضو ماكرون استقالة وزير البيئة، إذ قال رئيس حزب «الجمهوريين» اليميني لوران فوكييه: «لا أتفق بالضرورة مع هولو في آرائه، ولكن يمكنني أن أتفهّم شعوره بتعرّضه لغدر، مثل غيره من الفرنسيين، نتيجة وعود كبرى سمعها وشعور في النهاية بأنها لم تُنفذ».
مشاركة :