نجيب محفوظ في عيون العالم

  • 8/30/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» تمر اليوم الذكرى الثانية عشرة لرحيل نجيب محفوظ وسط احتفاء الساحة الثقافية المصرية بأديب نوبل، ولكن هذا الاحتفاء تصاحبه ظاهرة توقف الدراسات الجادة والرصينة عن صاحب «الثلاثية»، الأمر الذي يدعونا لمراجعة حقبة سابقة تعددت الأبحاث فيها عن محفوظ، فعلى امتداد التسعينات من القرن الماضي لم تتوقف الدراسات التي كتبها العرب والأجانب عنه، وهي الدراسات التي كانت تتفاوت عمقاً وشمولاً، وتخصصاً بين البحوث الجامعية والكتب العامة والمقالات الصحفية، وكان أهم ما يلفت النظر فيها جميعاً هو التحول في النظرة العامة إلى الأديب الكبير، إذ لم يعد مجرد كاتب متميز، عميق الصلة بمجتمعه وقضاياه وتحولاته، بل أصبح ينظر إليه باعتباره من أعمدة الأدب الإنساني على جميع مستوياته في أي مكان في العالم.الكتابات التي تناولت محفوظ تتفاوت أيضاً، في ربطه بمصر والعالم العربي وأحداثه، بين اعتباره رمزاً للتحرر والتنوير والفكر الأصيل، وبين دراسته باعتباره أديباً أجاد طرائق فنّه وتطور فشقّ لنفسه أكثر من سبيل فني، وسلك أكثر من منهج أدبي، إذ لم يعد الروائي الذي ينسج على منوال غيره من أعلام الرواية في العالم، بل غدا روائياً وقصّاصاً يتميز بطرائقه وأساليبه المتنوعة المتميزة المتفردة، بحيث وجدنا من الدارسين في الغرب من يعقد مقارنات بينه وبين عمالقة القرن العشرين في العالم.في هذا الصدد هناك شهادة يقدمها المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد يكشف فيها أنه قبل أن يحصل نجيب محفوظ على نوبل عام 1988 كان طلاب الدراسات العربية ودراسات الشرق الأوسط خارج الوطن العربي يعرفونه باعتباره قصّاصاً يتناول في المقام الأول حياة الطبقة المتوسطة الدنيا في القاهرة، وفي عام 1980- يقول إدوارد سعيد - «حاولت إثارة اهتمام أحد الناشرين في نيويورك، وكان يبحث عن كتب ينشرها لكُتاب من العالم الثالث، وإقناعه بنشر العديد من أعمال الكاتب العظيم في ترجمات من الطراز الأول، لكنه لم يلبث، بعد تردد وتأمل، أن رفض الفكرة، وعندما استفسرت عن السبب قيل لي إن العربية لغة خلافية».بعد سنوات تبادل سعيد عدة خطابات مع جاكلين أوناسيس، التي قررت أن تنشر أعمال محفوظ، وبعدها أصبح أحد المسؤولين الذين تولوا نشر كتب الروائي الكبير في دار «دبل داي للنشر».يرى سعيد أن نجيب محفوظ أبعد ما يكون عن القصّاص المتواضع الذي يغشى مقاهي القاهرة، ويعمل وحيداً وفي هدوء في ركنه المنعزل، يقول سعيد أيضاً: «وكما يشعر القارئ عند قراءة تولستوي وسولجنتسين فإنه يدرك أبعاد الشخصية الأدبية لنجيب محفوظ، حين يتأمل مدى الشجاعة التي يتسم بها نطاق عمله، بل وأكاد أقول صلافة الثقة وخيلاءها، إذ يندر أن نجد بين الكتاب المعاصرين من اتسم بهذا اللون من الطموح، حين ينبري محفوظ لإنطاق مساحات كبيرة من تاريخ مصر».هناك رأي مفاده أن منح جائزة نوبل لأديب غير غربي، يعني ضمناً أن مسيرة ترجمة أعماله إلى اللغات الأوروبية قد وصلت إلى حد أدنى معين من الجودة، وهذا يصدق على محفوظ في عام 1988، العام الذي فاز فيه بالجائزة، والعام الذي تلا ظهور الترجمة الفرنسية التي قام بها «فيليب فيجريه» للجزء الثاني من الثلاثية (كان الجزء الأول قد ظهر عام 1985) وأما عن الترجمات الإنجليزية فيمكن تقسيم أعمال محفوظ بصفة أساسية إلى قسمين، الأول سبق حصوله على الجائزة والثاني بعدها، ففي عام 1972 وضعت الجامعة الأمريكية بالقاهرة خطة لنشر حوالي 8 روايات وفي عام 1978 ظهرت رواية «ميرامار» وفي عام 1981 ترجمت ونشرت «أولاد حارتنا» و«اللص والكلاب» عام 1984.يقول المستعرب روجر آلن: إن دور الريادة في ترجمة محفوظ في الفترة السابقة لجائزة نوبل يعود إلى «تريفور لوجاسيك» الذي نشر «زقاق المدق» بالإنجليزية في بيروت عام 1966، وقد حذف منها بعض المظاهر العربية، وكان ثاني عمل لنجيب محفوظ يظهر بالإنجليزية هو مختارات من القصص القصيرة عام 1973 بعنوان «دنيا الله» وكان القصد من ترجمة المجموعة إيضاح تطور فن الصنعة في قصص محفوظ القصيرة.وفي أعقاب حصوله على جائزة نوبل، تغير الموقف إزاء الترجمات الإنجليزية لمحفوظ تغيراً كاملاً، فأصبحت جميع جوانب الترجمة - كما يقول روجر آلن - تخضع لمزيد من التنظيم، وقدر أكبر من التدبير، من اختيار الأعمال للترجمة إلى تسويق هذه الأعمال.. وقد ظهرت ترجمة «الثلاثية» كاملة عام 1992، وكان من شأن جودة هذه الأعمال، يسر قراءة الترجمة، وإخراج الكتب نفسها، والتسويق الباهر لها، وأن وضعت معايير جديدة لانتشار الأدب العربي في العالم الغربي.أما الناقد الأمريكي ريتشارد داير فقد كتب في صحيفة «ذا جلوب» ببوسطن بتاريخ 8 إبريل 1994 عن ترجمة رواية «الحرافيش» حيث يقول إنه عندما فاز الروائي المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 كان له جمهور يتكون من ملايين القراء لا يكاد يكون بينهم أحد في أمريكا، أما منذ حصوله على الجائزة فقد أصدرت دار دابل داي الأمريكية 16 عملاً من أعماله مترجمة إلى الإنجليزية، وقد اكتسبت «الثلاثية» قراء مخلصين هنا، وبيع منها أكثر من ربع مليون نسخة في عام واحد، ويصف هذا الناقد ملحمة «الحرافيش» التي نشرها محفوظ عام 1977 بأنها «رواية عظيمة كتبها رجل حكيم». في كتاب «نجيب محفوظ في عيون العالم» الذي أعده د. محمد عناني ود. ماهر شفيق فريد، يضع الثاني سجلاً بأهم الترجمات الخاصة بروايات محفوظ ومنها ترجمة تريفور لوجاسيك لـ«زقاق المدق» والتي قدم للترجمة بجانب من سيرة محفوظ وأعماله قائلاً: «إنه يعالج خيوطاً عامة ومشكلات أبدية مما يشترك فيه البشر جميعاً، كالحياة والموت، والشباب والشيخوخة، وعلاقة الإنسان بربه والآباء بالأبناء والأزواج بالزوجات، ومشكلات الالتزام السياسي والاجتماعي، وعدّه مرآة صادقة للعصر في مصر والعالم العربي».كان فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل حدثاً يبدو أنه لن يتكرر عربياً، فلا بأس من استعادة ذلك اليوم من أكتوبر 1988 حين انطلقت صحف العالم تتحدث عن «نجيب محفوظ الذي اخترع من الناحية الفعلية، الرواية من حيث هي شكل عربي» تبعاً لنيويورك تايمز بوك ريفيو، وكما كتبت نيوزويك فإنه «ديكنز مقاهي القاهرة» رغم أن محفوظ نفسه قال يوماً إنه لم يطق قراءة أي من روايات ديكنز أكثر من النصف.

مشاركة :