عودة اللاجئين السوريين تنتظر إعادة الإعمار

  • 8/30/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد فراج أبو النور* المبادرة التي أطلقتها روسيا في شهر يوليو/تموز الماضي، لإعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم، تمثل بلا شك محاولة طموحة للتعامل مع واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، حيث تشير الأرقام إلى وجود حوالي (7 ملايين لاجئ) خارج البلاد، و(6 ملايين نازح) داخلها، بمجموع يبلغ (13 مليون نسمة) يمثلون حوالي نصف الشعب السوري..هذا الجهد تزايد بعد استكمال سيطرة الجيش السوري على الغوطة، ثم على المحافظات الجنوبية بما جعل أكثر من 70% من مساحة البلاد تحت سيطرته.يزيد من أهمية وإلحاح هذه العودة أنها تمثل دعما لا شك فيه لشرعية النظام في دمشق، وشرعية الدور الروسي في سوريا.وقد حشدت موسكو جهودا أساسية ودبلوماسية كبيرة ومكثفة، وعلى أعلى المستويات للترويج لمبادرة إعادة اللاجئين بما يرتبط بها بالضرورة من قضايا تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، وهي القضايا التي حرص بوتين على مناقشتها مع ترامب في قمة هلسنكي، مقترحا على أمريكا المشاركة في قيادة عملية عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، باعتبارها أنها «سوف تخفف من ضغط موجة الهجرة على دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول»، كما طرح بوتين نفس القضية على المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون في لقاءاته معهما خلال الصيف.وشارك وزير الخارجية لافروف ووزير الدفاع شويجو باتصالات ولقاءات مع زعماء ووزراء خارجية ودفاع في دول أوروبية وشرق أوسطية، وتوجهت وفود روسية رفيعة المستوى إلى تركيا ولبنان والأردن واستقبلت موسكو مسؤولين كبارا من هذه البلدان كلها.وأقامت موسكو ورشة عمل كبرى في إطار المبادرة المذكورة، فتم تشكيل مجلس للتنسيق بين وزارتي الدفاع والخارجية في موسكو لهذا الغرض، وتكليف السفارات الروسية في 11 دولة بمخاطبة الحكومات المعنية لتدقيق أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة حول اللاجئين السوريين فيها، وتقديم المساعدات الضرورية للراغبين في العودة إلى سوريا، كما أقيم في دمشق مركز روسي لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين والنازحين بقيادة جنرال روسي كبير ( الجنرال تسيجانوف) وتم افتتاح 10 معابر لعودة اللاجئين على الحدود مع لبنان والأردن وفي مطار دمشق وميناء طرطوس (منها مركزان لاستقبال النازحين على أطراف إدلب ودير الزور) حيث يجرى فحص أوراق العائدين واستخراج أوراق ثبوتية لمن لا يملكها وتوزيعهم على مراكز إيواء مؤقتة. وقد بدأت حركة عودة اللاجئين السوريين تشهد درجة من النشاط منذ بداية هذا العام مع طرد الفصائل المسلحة من أماكن متزايدة، وبصورة أخص بعد طرح المبادرة الروسية، إلا أنه من الضروري القول إن أعداد العائدين لا تزال محدودة إذا ما قورنت بالأعداد الضخمة المطلوب إعادتها.. فوفقا لأرقام وزارة الدفاع الروسية نفسها (RT -2018 / 7 / 25) بلغ عدد اللاجئين العائدين منذ بداية يناير حتى أواخر يوليو 2018 - 101640 لاجئا، أي أكثر بقليل من 100 ألف، وإن كان من المهم الإشارة إلى أن عدد العائدين من لبنان في الفترة من 18 يوليو إلى 1 أغسطس 2018 وحدها يقترب من 4200 لاجئ، بينما عاد من الأردن في نفس الفترة 318 لاجئا فقط.. كما غادر إدلب منذ بداية مارس/آذار حتى بداية أغسطس 2018 حوالي 26640 نازحا.. وعلى العموم تبدو أوضاع عودة النازحين أفضل، حيث عاد حوالي مليون و200 ألف منهم إلى منازلهم مع تحسن الأوضاع الأمنية في مناطقهم .وللمقارنة نذكر أعداد اللاجئين وهي: تركيا 4.3 مليون، ولبنان مليون لاجئ مسجل في مفوضية الأمم المتحدة، و700 ألف غير مسجلين، ألمانيا 700 ألف، الأردن حوالي 700 ألف، مصر 150 ألف لاجئ مسجل و500 ألف بين مسجل وغير مسجل حسب تقارير متواترة، السويد 110 آلاف لاجئ.وبناء على معدلات العودة التي ذكرناها، فإننا نرى أن المصادر الروسية تفرط في التفاؤل، حينما تتحدث عن إمكانية عودة 10.7 ملايين لاجئ خلال الشهور المقبلة حتى بفرض انطلاق حركة واسعة لإعادة الإعمار، وهنا نصل إلى مربط الفرس . فعودة اللاجئين بالذات ترتبط بضرورة حتمية بإعادة الإعمار بما تعنيه من وجود مساكن وبنية تحتية (ومعروف أن أغلب المدن والبلدات السورية تعرضت لدمار هائل خلال سنوات الحرب).. وكذلك توافر فرص للعمل ومصادر للرزق.. أي ببدء تعافي الاقتصاد على نطاق واسع.. وهذه مهمة تحتاج إلى استثمارات هائلة، قدرها مركز (بيو) الأمريكي للأبحاث ب250 مليار دولار، على الأقل بينما قدرتها منظمة جنوب غرب آسيا (الأسكوا) التابعة للأمم المتحدة بما لا يقل عن 400 مليار دولار، وتصل تقديرات خبراء آخرين إلى 500 مليار دولار.. ولو أخذنا حتى بأقل التقديرات 250 مليار دولار، فإننا نتحدث عن مبالغ تفوق إمكانات روسيا ربما بعشرات المرات.وهنا تكمن العقبة الكبرى أمام موسكو.. فعودة اللاجئين والنازحين تحتاج إلى إعادة الإعمار، وهذه لا يمكن تنفيذها بصورة مرضية وبسرعة مقبولة دون تعاون دولي واسع النطاق، خاصة من جانب الدول الغربية الكبرى.. فضلا عن التعاون الإقليمي من جانب الدول العربية. والحال أنه بعد أيام قليلة من التفاؤل الذي أعقب قمة ترامب - بوتين بشأن (التعاون لحل الأزمة الإنسانية في سوريا) اشتعلت الحملة ضد ترامب وبوتين في واشنطن.. وأدلت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية بتصريح مقتضب قالت فيه: «الوضع الحالي في سوريا غير ملائم لعودة اللاجئين»، بينما أعلنت وزارة الدفاع أن واشنطن غير مستعدة للتعاون في إعادة إعمار سوريا (حتى في حدود إزالة الألغام المنتشرة في كل مكان) إلا بعد توصل الأطراف السورية إلى تسوية سياسية ومرحلة انتقال سياسي وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.. كما أعلنت فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن موقف مشابه، وهكذا انتكست خطط إعادة الإعمار بخطوات كبيرة للخلف.. وإن بقي لدى فرنسا - وألمانيا بدرجة أقل - استعداد لدرجة من المرونة في تقديم بعض المساعدات الإنسانية المحدودة، التي لا تقدم ولا تؤخر في حل مشكلة إعادة الإعمار، بل وتشير آخر التقارير إلى أن ماكرون وميركل مترددان في حضور القمة الرباعية المقرر عقدها في تركيا (7 سبتمبر) بحضور بوتين وأردوغان، والتي كان موضوع إعادة الإعمار أحد أهم بنود أجندتها.. وأنهما يفضلان تأجيل القمة.ومفهوم أن كل هذا لن يمنع دمشق وموسكو من العمل على إعادة الإعمار بالإمكانات المتاحة، وبالتالي سيعود لاجئون ونازحون أكثر إلى بيوتهم، لكن وتيرة العودة ستظل محكومة بدرجة تقدم إعادة الإعمار عموما.. والحافز للعودة سيكون أكبر بين العاطلين عن العمل وسكان المخيمات وغير المسجلين لدى مفوضية اللاجئين (لا يتلقون مساعدات) وفي البلدان ذات الاقتصاد الضعيف أو المأزوم (لبنان - الأردن - العراق) .. بينما يصعب تصور عودة لاجئي أوروبا، خاصة ألمانيا والسويد. *كاتب ومحلل سياسي. خبير في الشؤون الروسية

مشاركة :