لا يمكن فهم موقف الإسلاميين في تركيا اليوم ولا موقف حكومتهم من الضربة العسكرية المحتملة على سورية! ألم يكن صدام حسين مجرماً وديكتاتوراً؟ ألم يستخدم السلاح الكيماوي ضد الأكراد في حلبجة؟ وعلى رغم كل هذا، انضم الإسلاميون إلى اليساريين في 2003، ونزلوا إلى الشوارع رافعين لافتات تقول لا لضرب العراق! ويومها كان مؤيدو السياسة الأميركية يقولون إن من يتظاهر ضد الحرب الأميركية هو عميل لصدام حسين ومساند لجرائمه. ويومها، كذلك، أعلن الإسلاميون أن معارضة الحرب على العراق لا شأن لها بالموقف من صدام حسين وأن المسألتين منفصلتان! ولكن اليوم، لم يتظاهر الإسلاميون احتجاجاً على الضربة على سورية ولم ينضموا إلى اليساريين الذين عادوا للتظاهر كما فعلوا في 2003. بل نجد الإسلاميين والحكومة من ورائهم يتهمون كل من يقف ضد هذه الضربة المحتملة بموالاة نظام الأسد وتأييده وجرائمه. ولسان حال اليساريين اليوم هو لسانهم في الأمس. فيزعمون أن معارضة الضربة لا يقصد بها تأييد الأسد. ومدعاة استهجان هو موقف الإسلاميين اليوم، وزعمهم أن المبادئ الدينية والإنسانية تسوغه. فأين كان كل هذا في 2003؟ والحكومة التركية هي الناطق الرسمي باسم الإسلاميين، وهي لا تخفي حماستها إزاء الضربة حماسة تفوق نظيرتها في الغرب. وفي وقت ترفع لواء الضربة هذه دول غربية قوية وكبيرة ووازنة في مجلس الأمن، لا يفهم دواعي حشر تركيا أنفها في هذا المستنقع؟ لماذا لا تدع الكبار يقومون بالمهمة ويتحملون نتائجها من غير التورط في المسألة؟ ولماذا الإصرار على دفع فاتورة عمل الآخرين؟ وفيما يتراجع الكبار واحداً تلو الآخر عن عزمهم، تنفخ الحكومة التركية في النار! ولكن لماذا لم تدرك الدول الكبرى بعد أن ضرباتها العسكرية لن تذلل المشكلة السورية بل تفاقم تعقيدها؟ فالضربات لم تنعقد ثمارها في أفغانستان وفي العراق وحتى في ليبيا. أليس الأجدى الضغط من أجل وقف إطلاق النار بين الجانبين السوريين؟ ولا يخفى أن سياسات الغرب وروسيا رمت إلى دعم كل طرف عسكرياً. لكن أياً من الدول البارزة لم يهدد «صديقه» السوري بقطع الدعم المالي أو العسكري عنه إذا لم يوقف القتال ويجلس إلى طاولة المفاوضات! ولا يجوز إنكار أو إغفال الحقيقة. فحوادث سورية ليس مدارها على كون بشار الأسد ديكتاتوراً ظالماً يسفك دماء شعبه، بل هي في نظر الغرب وغيرهم فصل جديد من فصول الصراع مع إيران. ولا يغفل أحد غير الحكومة التركية هذا الواقع، فتنشغل بالتفاصيل ولا ترى الصورة الكاملة. وصار موقف أنقرة شائكاً. فهي أيدت منذ البداية الحل العسكري، وحسبت أنه ممكن فعلاً. واليوم، وعند الحديث عن الضربة، كان لا بد لها من دعم هذا الخيار وبقوة. وإثر تراجع أصحاب الفكرة عن مشروعهم بدت تركيا كمن يقف وحده في الساحة! لكن حكومة أردوغان لا يهمها كل ذلك، فمن خلال الإعلام الذي تسيطر عليه يمكنها أن تروج لما تشاء. ولن يجد القارئ نقاشاً في هذا الإعلام يسأل ولو من باب الأدب : أين ذهبت التظاهرات الرافضة للحرب؟ * كاتبة، عن «تي24» التركية، 1/9/2013، إعداد يوسف الشريف
مشاركة :