«مالكولم إكس» لسبايك لي: الأسوَد شهيداً وبطلاً سينمائيا

  • 8/30/2018
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

حدث ذلك في الحادي والعشرين من شباط (فبراير) 1965 في قاعة اودابون في هارلم- نيويورك، يوم أودت ست عشرة رصاصة بحياة مالكوم إكس، عبر واحدة من عمليات الاغتيال التي كثرت في الولايات المتحدة في ذلك الحين: جون كينيدي قبل مالكوم إكس، ومارتن لوثر كينغ بعده... وتطول اللائحة لو حاولنا وضعها. المهم أن رصاصات المدفع الرشاش في ذلك اليوم وضعت حداً لحياة واحد من أكثر زعماء السود الأميركيين غرابة وتقلباً: مالكوم إكس، الزعيم المسلم، الذي سيكتشف الناس، بعد ذلك وبالتدريج قصة حياته فصلاً فصلاً. منذ كان متشرداً حتى صار من المنادين باستعادة السود لهويتهم عبر عمل نضالي طويل، يشمل اعتناق الإسلام لأنه دين المعذبين على الأرض... > صحيح أن ذكر مالكوم إكس لم يغب كثيراً عن الأذهان منذ ذلك الحين... لكن حياته كانت بدأت تنسى في خضم أحداث العالم المتتابعة، وتحول اسمه إلى أسطورة. ولكن ذات يوم، بعد سبعة وعشرين عاماً، عاد مالكوم إكس الإنسان، المتقلب في عالم متغير، إلى ساحة الأحداث من جديد، عبر فيلم أثار يومها في الولايات المتحدة زوبعة حقيقية. بل وأكثر من زوبعة واحدة. وليس دائماً بسبب شخصية صاحب السيرة نفسه. بل أمام فيلم عرف فيه مخرجه كيف يسرق الأضواء من البطل الذي يروي الفيلم حكايته. نحن هنا أمام مالكوم إكس، أقل مما نحن أمام سبايك لي، المخرج الذي لم يكن له من العمر حين جرى اغتيال مالكوم إكس سوى تسعة أعوام. لكن هذا الفنان ذا القامة القصيرة والهزيلة والذي تخرج الكلمات من فمه كرصاص المدفع الرشاش، عرف كيف يحول نفسه إلى ظاهرة تدهش الكثيرين، لكنها تثير غيظ الكثيرين أيضاً. ومع هذا لم يكن «مالكوم إكس» سوى الفيلم السادس الذي يحققه سبايك لي منذ دخوله عالم الإخراج السينمائي للمرة الأولى في عام 1986. > والحال أن مواضيع أفلامه السابقة المتحلقة من حول التمييز العنصري ومقاومة السود له، هي التي عادت في «مالكوم إكس» ولكن بشكل أكثر ضخامة وفخامة، من خلال حكاية حياة ذلك الزعيم الأسود الذي اعتنق الإسلام، وآمن بأن النضال العنيف إنما هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن السود من الحصول على حقوقهم، ثم جرى اغتياله. وقد تبين لاحقاً- وهو ما يرويه الفيلم على الأقل- أن مكتب الاستخبارات الفيديرالي كان وراء الاغتيال من خلال اختراقه لتنظيم ديني متطرف. ولعل المشهد الذي يصور اغتيال الزعيم وهو يخطب في القاعة، أمام زوجته الحامل للمرة الخامسة وبناته الأربع، وهو بعد في الأربعين من عمره، وقد عاد لتوه من الحج في مكة المكرمة، وزار مصر بين بلدان أخرى، هو أحد أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً وعنفاً. ويزداد تأثير هذا المشهد حين يتذكر المتفرج أن مالكوم إكس الذي كان من أنصار شعار «النضال بكل الطرق الضرورية» و»الإنسان الأبيض هو العدو» كان بدأ يخفف من غلوائه، ويسير نضالاته في اتجاهات أكثر واقعية. > تقول لنا سيرة مالكوم إكس، الحقيقية وكما يرويها الفيلم استناداً إلى سيرة مالكوم إكس التي كان أليكس هايلي (صاحب كتاب «الجذور» الشهير) وضعها إثر رواية صاحب السيرة لها أمامه شخصياً، بأنه- وكان يدعى مالكوم ليتل- ولد عام 1925 ابناً لراع في أبرشية معمدانية، كان ينادي بضرورة عودة أبناء جلدته السود إلى أفريقيا ما جعل عصابات الكوكلإكس كلان العنصرية تترصده وتحرق بيته، ثم تقتله في النهاية- وإن كانت ثمة شكوك تظل مخيمة على تلك الجريمة!-. أما والدة مالكوم فكانت بيضاء، وعجزت عن إطعام أطفالها الثمانية فجنت وتفرق الأطفال، ليوضع مالكوم في مؤسسة للأيتام. وحين صار مالكوم في السابعة عشرة من عمره ترك المؤسسة، ليتحول إلى مشاغب سيئ بالمعنى الحقيقي للكلمة: ليتقلب في شتى المهن ويمسح الأحذية ويبيع السندويشات في القطارات، قبل أن يتوجه إلى نيويورك ويبدأ ببيع المخدرات وبممارسة شتى أنواع الموبقات، حتى أودع السجن. ووراء القضبان بدأ يقرأ وتتبدل حياته، في وقت كان كثير من السود الأميركيين يتراكضون للإصغاء إلى خطب زعيم أسود مسلم هو إيليا محمد. ووصلت أصداء تلك الخطب إلى مالكوم فاعتنق الإسلام وهو داخل السجن. > في عام 1952 خرج مالكوم من السجن على غير ما دخل: فالمشاغب تحول إلى مثقف، والأسود الفاقد لهويته وجدها في اعتناقه الإسلام، بل بدل اسمه إلى «مالكوم إكس»، وانضم إلى تنظيم «أمة الإسلام» وسرعان ما بدأت شهرته تنتشر وصار يلقب بـ: «الأسود الأكثر غضباً في أميركا» ولقد قاده غضبه إلى أن يسخر من تعاليم مارتن لوثر كينغ الهادئة وغير العنيفة، والتي تطالب بالحصول على الحقوق المدنية للسود من طريق اندماجهم في المجتمع. > وشيئاً فشيئاً بدأت شخصية مالكوم إكس تتخذ أبعاداً متألقة وصار له جمهوره الكبير ومستمعوه. ما جعله يشكل خطراً على زعامة جماعة «أمة الإسلام»، فكان أن انشق عنهم بعدما اصطدم مع إيليا محمد. إذ كان مالكوم إكس، خلال زيارته لمصر ولغيرها، فهم أن الإسلام شيء آخر: إنه دين المحبة والأخوة، لا دين العنف الأجوف. وهكذا ما إن انشق عن «أمة الإسلام» وعاد إلى الولايات المتحدة حتى أسس جمعية تحت اسم «منظمة الوحدة الأفرو-أميركية» وبدأ ينادي بأنه ليس عنصرياً وبأن البيض أيضاً كائنات بشرية بل بدأ يفكر بالنضال إلى جانب مارتن لوثر كينغ... فكانت تلك هي اللحظة المناسبة للتخلص منه. فكانت رصاصات المدفع الرشاش التي قضت عليه. > تلك هي حكاية مالكوم إكس... وحكاية فيلم سبايك لي أيضاً. إذ إن المخرج حاول أن يكون أميناً لمسار نضال وحياة بطله المثالي... وإن كان ركز أقل على التبادلات التي طرأت على أفكار مالكوم خلال العام الأخير من حياته... ومع هذا لم يخل الأمر من هجمات تعرض لها الفيلم، من قبل السود المناضلين، من أمثال الشاعر أمير بركة (وهو الاسم الجديد الذي اتخذه لنفسه بعد اعتناقه الإسلام الشاعر الأميركي المعروف ليروا جونز) الذين اعتبروا الفيلم بورجوازياً ومهادناً للبيض. لكن السود لم يكونوا وحدهم من هاجم الفيلم، فالبيض أيضاً هاجموه لأنهم رأوا في بعض ثناياه تعاطفاً من سبايك لي مع مرحلة العنف كما عبر عنها مالكوم إكس قبل أن يهدأ... > وهكذا بين هجوم غلاة السود وهجوم غلاة البيض، يشق هذا الفيلم الآن طريقه... غير أن النتائج التي أسفر عنها موقفه الفكري والأيديولوجي، ليست وحدها سبب الضجة القائمة من حول الفيلم... إذ، كعادته دائماً، عرف سبايك لي هذه المرة أيضاً، كيف يخلق جواً من الاشمئزاز من حول فيلمه: استفزاز بدأ بتصريحاته العديدة، وبخاصة رفضه لحضور أي صحافي غير أسود عروض الفيلم المخصصة للصحافة، ودعوته كافة الطلاب السود للامتناع عن الذهاب إلى المدرسة يوم بدء العرض الجماهيري للفيلم، والتوجه بدلاً من ذلك إلى صالات السينما لمشاهدته، وانتهى بتسويقه الذكي- كأحسن ما يكون رجال الأعمال- للعديد من البضائع التي تحمل اسم إكس، من قبعات إلى قمصان إلى «بادجات» إلى علب الهامبرغر وسواها. وهذا ما جعل الكثيرين من السود يقولون إن أسوأ ما في الأمر هو أن سبايك لي قد حول قضية مالكوم إكس كلها إلى تجارة رابحة. > والحال أن سبايك لي- الذي لم يكن، على أي حال أول من فكر بمشروع كهذا إذ كان سبقه إليه نورمان جويسون، لكن ها أخفق في الحصول على تمويل فقفز لي وحقق مشروعه-، يعتبر فيلمه هذا، درساً في التاريخ ينبغي على كل ولد أميركي أن يراه «في زمن لم يعد فيه الفتيان يقرأون على الإطلاق، وحين باتت السينما والتلفزة المكان الوحيد الذي يستقون منه كل ما لديهم من معلومات». ويرى سبايك لي أن ما دفع مالكوم إكس ذات يوم إلى رواية قصة حياته لأليكس هايلي إنما كان «رغبته في أن يجعل حكاية حياته مثلاً يحتذى بالنسبة إلى الأميركيين من أصل أفريقي- بل وبالنسبة إلى كل الناس، في الواقع - لأن الدرس الأساسي الذي تحمله تلك الحكاية هي أن بإمكانك أن تبدل حياتك كلها إن أردت ... حيث نراه يخاطب الناس بقوله: انظروا أيها الناس، لقد كنت مجرماً، وكنت مدمناً على الكوكايين، وبائعاً للمخدرات، كنت من الانحدار الخلقي بحيث أن الناس حتى داخل السجن كانوا يلقبونني بالشيطان...».

مشاركة :