الاعتصام بحبل الله.. خلاص الأمة

  • 8/31/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يوجد كتاب سماوي يحرص على لمّ شمل المؤمنين به، وتحفيزهم على التعاون والتضامن والعمل المشترك، كما يفعل القرآن الكريم، فقد تعددت وتنوعت نصوصه التي تأمر المسلمين بالوحدة، وتحضهم على التعاون على البر والتقوى، والاعتصام بحبل الله المتين.. كما يحمل كتاب الله تحذيرات الخالق سبحانه لكل المسلمين- حكاماً ومحكومين- من الخلافات والصراعات التي تعصف بوحدتهم، وتضعف قوتهم، وتجعلهم فريسة لكل الطامعين والمستغلين، كما هو حادث الآن.ويوم يلتزم المسلمون بما تحمله نصوص القرآن من أوامر إلهية بالعمل الجماعي ويتغلبون على خلافاتهم وصراعاتهم فسيكونون بحق خير أمة أخرجت للناس، وستهابهم كل الأمم، وستكون لهم كلمة مسموعة ومواقف تحترم.يقول العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «ما أحوج المسلمين اليوم إلى تدبر قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون». فقد أمر القرآن الكريم المؤمنين أن يعتصموا بحبل الله جميعا، وفي هذه الدعوة توضيح للأساس الذي تنهض عليه هذه الوحدة، وهو والاعتصام بكتاب الله تعالى، ووضح القرآن هذا الأساس محذرا من التفرقة، لما لها من أخطار محدقة، وذكر سبحانه وتعالى هذه الأمة بما كان عليه الأوس والخزرج قديما، حيث استمرت الحروب بينهم مئة وعشرين سنة، حتى جاء الإسلام فأخمدها وجمعهم على الحق وألف بينهم..أمة واحدةويوضح د. هاشم تأكيد رب العزة سبحانه في كتابه العزيز أننا أتباع دين واحد، وأن الأمة واحدة، ويجب أن تتفق على الإيمان والتوحيد في العبادة، مشيرا إلى حال بعض الأمم حين اختلفوا فتقطعوا قطعا.. يقول سبحانه: «وإن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون. فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون. فذرهم في غمرتهم حتى حين».. ومن هنا جاء تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «من خرج على الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية».. كما أعلن صلى الله عليه وسلم براءته ممن يخالف الجماعة ويفرق الصفوف ويضرب هذه الأمة: برها وفاجرها، ولا يفي لصاحب العهد بعهده، فقال - صلوات الله وسلامه عليه: «من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه».ويوضح القرآن الكريم نهاية من يشاقق الرسول وينفصل عن سبيل المؤمنين، فيقول: «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً».تآلف القلوبيقول د. هاشم: الناظر إلى جميع التعاليم الإسلامية يرى أنها تدعو إلى التآلف بين القلوب، وجمع الصفوف، ففي جانب العقيدة: نؤمن بالله وحده لا شريك له، ونتجه جميعا إليه معلنين في كل صلاة: «إياك نعبد وإياك نستعين».. إنها عقيدة التوحيد التي تجمعنا ولا تفرقنا، وفي ظلالها ننضوي تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فنؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، حلوه ومره.وفي جانب العبادات: نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إليه سبيلا، وفي صلاتنا يزداد الأجر والثواب حين يؤدي الإنسان صلاته في جماعة فتفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة، وفي رواية للحديث «بسبع وعشرين درجة» مع أن الصلاة هي الصلاة، وعدد الركعات لم يزد ولم يتغير.. وفي صلاة الجمعة اجتماع أسبوعي أكبر له أجره وعطاؤه لكل المسلمين، وفي صلاة العيدين اجتماع على مستوى أكبر وأكبر ينعم ببركته الجميع. وفي أداء الزكاة تكافل اجتماعي وتراحم وتواد بين الغني والفقير، وتقريب بين الناس وتوحيد بين المشاعر على الألفة والتعاون.وفي الصيام غرس لمعاني الوحدة، ففي وقت واحد يمسك المسلمون عن المفطرات، وفي وقت واحد يفطرون، وفيه إحساس بالحرمان والجوع، وحث على البذل والإنفاق.وفي الحج اجتماع كبير لأكبر عدد ممكن من مختلف الأقطار الإسلامية والبلاد، ومن شتى الألوان والأجناس.أعداء الأمةويحذر الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، من محاولات أعداء الأمة التي لا تتوقف لبث الفرقة والخلافات بين المسلمين في مختلف العصور.. ويقول: ينبغي أن ندرك أن أعداء الأمة يسعون دائما إلى أن يضعوا في طريق وحدتها عقبات، والدول الاستعمارية قبل أن ترحل عن بعض البلاد الإسلامية تركت بعض الرواسب والخلافات على الحدود لتظل العلاقات متوترة والنزاع قائماً.. كما زرعت تيارات فكرية منحرفة في عقول بعض أبناء المسلمين لخلق حالة من الخلاف والنزاع الفكري لتتضخم وتتحول إلى صراعات ونزاعات مسلحة في المستقبل، ودعم بعض الدول للتنظيمات التكفيرية في البلاد العربية والإسلامية مثل «داعش» وأخواته يأتي ضمن هذا المخطط التدميري للعالم الإسلامي لتتحقق في النهاية أهداف أعداء وحدة الأمة.ويضيف: للأسف وحدة الأمة مستهدفة، وأعداؤها يستخدمون كل الوسائل لزرع بذور الخلاف والفتنة بين أفرادها، وهدفهم في ذلك واضح وهو ضرب وحدة المسلمين وإهدار جهودهم في خلافات وصراعات، وإضاعة أموالهم في نزاعات مسلحة، كما يركز أعداء الإسلام ووحدة الأمة على ما يبث الفرقة بين الشباب المسلم، على نحو ما نرى في دعم جماعات التطرف والإرهاب لتظل شوكة في ظهر الأمة التي تتطلع إلى الالتزام بتعاليم السماء في تكوين وحدتها وجمع مشاعر أفرادها.ويؤكد الشيخ عاشور أن العالم الإسلامي بوحدته وتضامنه قوة كبرى لا تقف في مواجهتها قوة أخرى، لأنها بتأييد الله تعالى لها، وبفضل اعتصامها بحبل ربها وتكاتفها في سبيل الحق، تحقق النصر على أعدائها، وتحقق خيريتها على ظهر الأرض، وتنشر الأمن والاستقرار والخير والرخاء، وتقيم مبادئ الحق والعدل، وتصد تيارات الفساد والإلحاد وترد موجات التحلل التي تستهدف أخلاق أبنائها.وينتهي العالم الأزهري إلى تأكيد حقيقة مهمة، وهي أنه يوم أن تتوحد بلاد العالم الإسلامي على نصرة دينها يوم أن ينصرها الله نصراً مؤزراً ويمكن لها في الأرض، لتقيم شريعة الله تعالى، آمرة بالمعروف، وناهية عن المنكر، يقول سبحانه: «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور».عاقبة التفرقويعود د. هاشم ليحذر من «سوء عاقبة المتنازعين»، وينطلق في تحذيره من قول الحق سبحانه وتعالى: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم».. ويقول: الله سبحانه وتعالى يقول لنا من خلال هذه الآية الكريمة: لا تكونوا أيها المؤمنون كأهل الأديان السابقة الذين تفرقوا شيعاً وأحزاباً وصار (كل حزب بما لديهم فرحون) واختلفوا فيما بينهم اختلافا شنيعا، وقد ترتب على ذلك أن كفّر بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، وزعم كل فريق منهم أنه على الحق وغيره على الباطل، وأنه هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما في الكتب السماوية من حقائق، وهو وحده الذي يستطيع تفسيرها تفسيرا سليما.ولقد كان تفرقهم هذا واختلافهم «من بعد ما جاءهم البينات» أي الآيات والحجج والبراهين الدالة على الحق، والداعية إلى الاتحاد والوئام لا إلى التفرقة والاختلاف. والمقصود بهذا النهي إنما هو التفرق والاختلاف في أصول الدين وأسسه، أما الفروع التي لا يصادم الخلاف فيها نصا صحيحا من نصوص الدين فلا تندرج تحت هذا النهي فنحن نرى أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم قد اختلفوا فيما بينهم في بعض المسائل التي لا تخالف نصا صحيحا من نصوص الشريعة، وتناولها كل واحد أو كل فريق منهم على حسب فهمه الذي أدى إليه اجتهاده.وقد بين القرآن الكريم سوء عاقبة المتفرقين، والمختلفين في الحق فقال: «أولئك لهم عذاب عظيم» أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الذميمة لهم عذاب عظيم بسبب تفرقهم واختلافهم بالباطل.ونحن من خلال هذا النص القرآني - كما يقول الشيخ محمود عاشور - نرى أن الحق سبحانه قد نهى المؤمنين عن التفرق والاختلاف بأبلغ تعبير وألطف إشارة وذلك بأن بين لهم حسن عاقبة المعتصمين بحبل الله من دون أن يتفرقوا، وما بشر به المواظبين على الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أنهم هم المفلحون الفائزون.ثم بين لهم بعد ذلك سوء عاقبة التفرقة والاختلاف الذي وقع فيه من سبقهم وكيف أنه ترتب على تفرقهم واختلافهم أن كفّر بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، ورمى بعضهم بعضا بالزيغ والضلال.. هذا في الدنيا، أما في الآخرة فلهؤلاء المتفرقين والمختلفين العذاب العظيم من الله، فالقرآن قد أتى بالأوامر ومعها الأسباب التي تدعو إلى الاستجابة لها، وأتى بالنواهي ومعها كذلك الأسباب التي تحمل على البعد عنها.

مشاركة :