لم تفلح الضغوط الأميركية - الإيرانية على القوى السياسية العراقية، في زحزحتها عن مواقفها بسبب خلافاتها العميقة، بشأن تشكيل الكتلة الأكبر المناط بها تشكيل الحكومة المقبلة. ولا يزال الجدل محتدما شيعيا بشأن تحديد مرشح لرئاسة الحكومة، وكرديا وسنيا، لمنصبي رئيس الجمهورية والبرلمان، مما يشكل عقبة أمام إمكانية عقد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الاثنين المقبل.وفي وقت يتسابق فيه المحوران الشيعيان «الفتح - دولة القانون» و«النصر - سائرون» في الحديث عن استكمال إجراءات إعلان الكتلة الأكبر بين لحظة وأخرى، فإن كلا من الكرد والسنة لم يعلنا موقفهما بشأن الانضمام إلى أي من المحورين الشيعيين، بسبب رفع سقف الشروط الكردية والمطالب السنية.في السياق ذاته، فإن دعوة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الداعم الرئيسي لتحالف «سائرون»، لما أسماه «مليونية الغضب» عبر صلاة موحدة في جامع الكوفة، جاءت بمثابة ترسيخ للنهج الذي اختطه طوال السنوات الماضية الداعي للإصلاح والتغيير، مما يضع التفاهم حول التحالفات السياسية في مرتبة ثانية، بالقياس إلى الدعوة إلى الإصلاح ومكافحة الفساد.وفي هذا السياق أكد الدكتور قحطان الجبوري، الناطق الرسمي باسم تحالف «سائرون» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «النهج الذي سار عليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان منذ البداية هو نهج الإصلاح ومحاربة الفاسدين، وكانت هذه هي شروطه وما زالت للتحالفات وتشكيل الحكومة» مبينا أن «الصدر لا يهمه الدخول في التفاصيل ومع أي محور أو طرف، بقدر ما يبحث عن ثوابت، وهي وحدة العراق وتقوية سيادته الوطنية، وبناء دولة مؤسسات قوية، وجعل محاربة الفساد من بين أهم الأولويات التي يعمل عليها». وأكد الجبوري أن «هذا النهج الذي تم التعبير عنه من خلال المظاهرات طوال السنوات الماضية التي أربكت الفاسدين، وعملت على تعريتهم، كان هو النهج الذي تم التعامل معه على صعيد الانتخابات، الأمر الذي جعل الناس تعطي أصواتها لتحالف (سائرون) الذي جاء في المرتبة الأولى من حيث النتائج».إلى ذلك، عبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، عن انزعاجه من تصريح لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بشأن كركوك. وقال المتحدث باسم الحزب محمود محمد في مؤتمر صحافي عقده أمس الخميس في أربيل، إن «الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان توصلا إلى قناعة بالذهاب لبغداد»، مشيرا إلى أن الحزبين الكبيرين، طلبا من الأحزاب الأربعة المعارضة ترشيح ممثلين لها ليكونوا ضمن الوفد المشترك للحزبين «غير أنها لم تكن مستعدة للتجاوب معنا».وأشار محمد، إلى أن «الحزبين شكلا لجنة يقع على عاتقها بحث التحالفات مع الكتل العراقية الفائزة في الانتخابات، وما هي رؤى كل كتلة، وكيف ستتعامل مع مطالب إقليم كردستان»، مضيفاً أن «أي كتلة تراعي التوافق والشراكة والتوازن وتلتزم بحقوق شعب وإقليم كردستان، سنتحالف معها لتشكيل الحكومة العراقية».وأبدى محمد «انزعاج الحزب من تصريح لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بشأن كركوك المتنازع عليها بين أربيل وبغداد»، واصفا ذلك التصريح بأنه «لا يخدم نواة الكتلة الأكبر التي يشترك فيها تحالف (النصر)، والعملية السياسية برمتها في العراق». وبيَّن أنه «حتى الآن لم نقدم أي مشروع إلى أي جهة، وكلا المحورين المتنافسين على تشكيل الحكومة الاتحادية يحاولان أن يكون الحزبان الكرديان ضمن تحالفهما». وبشأن الوفد الذي سيزور بغداد، قال محمد إن «الوفد مكون من 6 – 7 أعضاء، وسيزور بغداد عصر يوم السبت». وفيما لم يتمكن الكرد من حسم مرشحهم لمنصب رئاسة الجمهورية الذي لا يزال موضع خلاف خفي بين الحزبين الرئيسيين، فإن المرشح لمنصب رئيس البرلمان بات يهدد وحدة البيت السني بعد أن بات يتنافس على المنصب أربعة مرشحين، هم: «محمد الحلبوسي، وأسامة النجيفي، ومحمد تميم، وطلال الزوبعي».وبشأن عدم قدرة الكتل الفائزة على حسم خلافاتها رغم اقتراب موعد عقد الجلسة الأولى للبرلمان، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، الدكتور خالد عبد الإله، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشهد العراقي لا يزال يدخل في إطار الصراعات الإقليمية والدولية، سواء كان الأمر داخل العراق أم سوريا؛ حيث تبدو الحلول متقابلة إلى حد كبير» مبينا، أن «العراق سيبقى في إطار هذه المعادلة رغم الجهود التي تبذل، سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإيران، من أجل حسم ملف الحكومة القادمة رغم الانشطارات الواضحة في كل من المحاور الشيعية والسنية والكردية».وأوضح عبد الإله أن «هناك كثيرا من المخاوف بشأن كيفية وآلية تشكيل الحكومة القادمة، لكي لا تكون عرضة للمشكلات بين القوى المتصارعة، الأمر الذي قد يجعلها حتى لو تشكلت في مهب الريح؛ بحيث لا تستطيع الصمود ولذلك لا بد من تسوية وإن كانت غير مباشرة بين إيران وأميركا، لكي لا يتحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية».
مشاركة :