فاروق محمد شوشة أديب وشاعر، ومثقف وإعلامي من جمهورية مصر العربية، أشتهر ببرنامجه الإذاعي (لغتنا الجميلة) الذي بدأه في سنة 1967م على أثير إذاعة البرنامج العام من القاهرة. وفاروق شوشة ولد في قرية الشعراء بمحافظة دمياط سنة 1936م، وقد درس ونما علمه في مدارس دمياط، ثم التحق بكلية دار العلوم سنة 1956م، ولا يهمنا وظائفه العملية الوظيفية بقدر ما ينصب اهتمامنا عليه كشاعر وأديب ومثقف، فالاستاذ فاروق ذو موهبة أدبية رائعة، وهو كثير التذوق والتعرف للشعر وبالذات إذا قيل هذا الشعر في المرأة، فتجده ذلك الذي يحفظ متوناً ودواوين من تراث العرب والمسلمين بعد أن حفظ في دمياط القرآن الكريم وهو الآن أمين عام مجمع اللغة العربية بمصر المحروسة، أما عمله الأدبي والثقافي فهو أستاذ للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقدم الشوشة برنامجاً لا يقل فائدة عن برنامجه الإذاعي ألا وهو برنامجه التلفازي (أمسية ثقافية) وكلا البرنامجين يقدمان نماذج وأشعاراً وأدبيات فنية الطرح ومفيدة للثقافة وأعلامها وسائغة للمستمعين والمشاهدين، فالمقدم فاروق شوشة لهذين البرنامجين يتناول شجوناً من الشعر ونماذج من الأدب، بروح حيوية وإلقاء عذب جميل، وهو يذكرنا بالشاعرين العظيمين من بلاده وهما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم اللذين كان أحدهما أجود إلقاء من الآخر وأحدهما أشعر من الآخر، فشوقي هو أمير الشعراء وحافظ فاز بلقب شاعر الشعب حيث أن الأخير أبدع إلقاءً من الأول، لكن المحصلة هي الموضوعات وعناصر الشعر لكل منهما، ونجد فاروق شوشة على ضوء ذينك الشاعرين من أكبر منشدي وأعظم ملقي شاعري أدبي في العصر الراهن، أي أنه أتى بعد شوقي وحافظ إلى يومنا هذا، وقد صدر له عدة دواوين شعرية ضمتها الأعمال الشعرية سنة 1985م، وهو يصدح بالشعر الوجداني ويختار له الجناس والبيان والبلاغة والفصاحة ليتجنب اللحن في إلقائه والانحراف عن صحيحه، ولا يغيبن أنه من خريجي دار العلوم القديمة التي أنشأها علي مبارك في أوائل القرن العشرين وأصبحت كلية تابعة لجامعة القاهرة بعد ذلك بعشرات من السنين، وميزة هذه الدار أنها تنافس سواها من كليات ومعاهد مصر الأولى وبالذات ما عرف فيما بعد بجامعة الأزهر، حيث أن المناهج فيها ترتكز على الدراسات العربية والدينية سواء من ثقافة إسلامية وأدب ولغة وبلاغة ونقد وشعر وبيان وتراجم وتاريخ وسير ونحو وصرف وعروض. وقد ألمحنا آنفاً إلى ميزة التذوق عند فاروق شوشة أدبياً وشعرياً، وها نحن أمام عدة مؤلفات له ذات صلة كبيرة بالتذوق الشعري بداية من كتاب (أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي) وتلاه كتاب (أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي) واستطراداً إلى كتاب (لغتنا الجميلة) الذي أصدر منه أضاميم ومجموعات منتقاه من برنامجه الإذاعي، ولم يكتف الأستاذ فاروق ببرنامجه هذا وإصداراته بل إنه بحث في كتاب آخر عنوانه (لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة) عن التحديات التي واجهت لغتنا العربية الفصحى البليغة من قبل الجاهلين بأمرها، ويظهر أن هذا الكتاب له علاقة ببرنامجه الإذاعي المذكور ثم جمع في طياته مواقف لغوية وأخرى نحوية شعرية. ولا شك أن هذه الدراسات الشعرية واللغوية والثقافية قد ألبسها مؤلفها بثوب قشيب من الذوق العالي والاختيار الراقي والتناول البحثي والأسلوبي والأدبي. أما كتابه (مواجهة ثقافية) فقد طرح من خلاله الشوشة مسائل ومشكلات ثقافية أدبية إنفتح عليها باب البحث الثقافي في مصر بالذات وسائر الوطن الكبير، وكيف تناول فاروق بمواجهته الجريئة للثقافة.. ثقافتنا الأم. وهذا يعطي أموراً كثيرة طرحها المؤلف والباحث الكبير، بحيث انغمس البحث الثقافي على الذوق الأدبي أو ما يسمى في المثل الشعبي العام: (سمن على عسل)، ولا بأس في أن نذكر إشارات ورموزاً لأحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي، وأصحابها أمثال جميل بثنية وكثير عزة ثم رموز أخرى في كتابه (أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي) أمثال اليافعي وابن عطا الله اسكندري من القدماء ومن المحدثين محمود حسن إسماعيل، وطاهر أبو فاشا، وكلا الكتابين مفعم بنفثات قلم المؤلف وجرعات من تذوقه الفني واللغوي والشعري والأدبي، كما يتبين من ذلك التزامه التديني في ما يكتب ويذيع ويبحث ويعطي، وهذا سمة من سمات الخلق والخير والجمال، ففاروق الآن مدير وأمين لمجلس الخالدين في المجمع اللغوي الكبير بالقاهرة ولا يزال يعطي كثيراً من علمه وأدبه ولغته وإدارته العلمية والعملية بعد ركونه للتقاعد العملي جاهداً فيما يكتب وباذلاً بالحب في ما يعطي، فهو شاعر أدبي وأديب شاعري وباحث لغوي فني ومثقف بلغ الغاية من أمر الوعي والذهن والفكر والفن والعقل، إنها سمات حميدة له ومزايا جديدة ومتجددة فيما يقدم إلى يومنا هذا أمسياته الثقافية وإذاعاته الشعرية ولياليه اللغوية الجميلة، وكثير من عطاياته تنصب فيما قدمه من دراسات وبحوث وعطاء أدبي ثمين وتذوق للشعر واللغة رفيع. وما كتبناه هنا إنما هو سيرة شعرية بأسلوب أدبي يناقش سيرة فاروق شوشة الأدبية والشعرية وتاريخ ذلك مفتوح عبر العقود الطويلة التي عشناها معه عبر المذياع والتلفاز والكتابة والقراءة، كل ذلك تكليف للتأليف وطرح عزيز للتكليف أردنا به إعطاء بطاقة من المعرفة والتعريف وبطاقة ذاتها تكليف وتشريف وكل ذلك من بركة لغة القرآن الكريم التي خدمها فاروق شوشة بمعرفته الربانية وتذوقه الجميل لهذه اللغة، ومن ذلك إضاءاته للبلاغة النبوية والفصاحة القرآنية. وثمة مواضيع لفاروق شوشة في كل أعماله كأن يتحدث في سياق سطور مضيئة من تراثنا العربي يعتمد في ذلك على قراءاته للتراث وللفكرة الشعرية التي قد تعتبر إملاءات من أصحابها الشعراء والأدباء والمثقفين، لكن فاروق يلمها بالتفسير والشرح والإضافات التي لا تمس النصوص الخاصة بأولئك ولكن بتذوقه ورؤيته الأدبية والثقافية وحفظه للشعر وللبلاغة العربية، وعلى الرغم من هذا التمكن المعنوي والشعري والأدبي لفاروق إلا أنه في أحايين يطرح مما داهمه من المشكلات والإشكالات الثقافية والمعنوية في السياق العام من إنتاجه، وهذا موقف لا يخلو من شخصية أي أديب أو مثقف أو كاتب الذي يواجه ذلك بإدراكه الثاقب وفهمه الواعي، وهذا الرجل المؤلف يقول : إن المشكلة الرئيسية في هذا المجال هي خلو تراثنا العربي من المختارات التي عني أصحابها بالانتقاء والاختيار والتي تقدم لنا عبر العصور نماذج لأذواق وألواناً من ثقافات وصوراً لاهتمامات كل عصر، من هنا دخل فاروق إلى أعماق التراث بين القديم والمعاصر ليجدد رؤيته للشعر والأدب العربيين ويمضي حوالي خمسين عاماً في انتقاء ذلك وتوصيفه في برنامجه (لغتنا الجميلة) الذي تجاوز في عدد حلقاته الألفين وخمسمائة حلقة، روعي في تصنيفها وتبويبها ألا تخرج عن الطابع العام للحلقات ذاتها، في بساطتها وتلقائيتها وتنوعها وبعدها عن التعقيد أو التقعر، وخلوها من طابع التعليم أو التوجيه، كل ما حدث من إضافة هو إعطاء هذه الحلقات طابع الفصول المتناسقة، كل منها يمثل إطاراً بعينه، وألواناً بذاتها، وبحيث تعطي هذه الفصول صورة واحدة متكاملة هي لغتنا الجميلة بين الماضي والحاضر بين القديم والجديد بين الجمال وأسرار البلاغة، كما يقول هذا الأديب الذواق في تقديمه للمجموعة الأولى من كتاب (لغتنا الجميلة). ومن جميل الموضوعات في هذا الكتاب شذرات تراثية مثل تعريف ابن المقفع للبلاغة بقوله البلاغة هي الإيجاز من غير عجز والإطناب في غير خطل وسئل عنها مرة أخرى فأجاب: هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها). كما ثمة موضوع عن المرأة العربية المتحدثة بالقرآن الكريم، وهي شذرات بليغة وافكار فصيحة لا يمل من متابعتها القارئ حينما يرحل في كتاب أو برنامج أو لقاء للأستاذ فاروق محمد شوشة. وعلى كل حال فإن هذا الأديب مثقف لا تراثي فحسب بل إنه اشتمل بعلمه على فوائده وحصائل من ثقافته على الأدب والشعر والفن والدين، وهي مجموعة عناصر تكون شخصيته الشعرية والأدبية والثقافية، وكل ذلك ينم من خلال الانتقاء التذوقي في كل ما أنتج، وإنتاج فاروق شوشة متعدد الجوانب ومنه كتاب صدر حديثاً عن أعلام الأدب والشعر والثقافة في بلاده تناول شخصيات من أولئك في العمل الأدبي والفكري والفني ماضياً فيه من خلال دواوين الشعر والأدب والكتب، ويقع هذا الكتاب في جزأين كبيرين. نال فاروق محمد شوشة مجموعة من الجوائز من الدولة وبعض مؤسسات الأدب والشعر والثقافة، مثل جائزة محمد حسن الفقي سنة 1994م، وجائزة كفافيس العالمية سنة 1991م وذلك تقدير لما أعطاه لعالم الأدب والفكر من جهود عميقة الجذور في تاريخنا المعاصر، وهي جوائز رمزية تنم عن تأصيل أصحابها للعلم والمعرفة والأدب والفن والشعر، على أن فاروق قد استحقها عن جدارة واقتدار. ولله في خلقه شؤون.
مشاركة :