بيتر نافارو... العقل المدبّر وراء حرب ترامب التجارية!

  • 9/1/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لو شكّ بيتر نافارو يوماً بأنه ديمقراطي، كان يكفيه أن ينظر إلى المعسكر الآخر كي يقتنع بانتمائه. لطالما تكلّم الجمهوريون عن الفضائل والازدهار لكنهم كانوا فعلياً مجموعة من المنافقين الجشعين والمتعصّبين بحسب رأيه. كتب في مذكراته في عام 1998: «إنهم محاربون متعصّبون بشكلٍ لا يُطاق وأشخاص منغلقون فكرياً ومنضبطون على نحو خطير وينتمون إلى معسكر اليمين الديني». منذ 20 عاماً، كان نافارو خبيراً اقتصادياً ليبرالياً وكان معجباً بهيلاري كلينتون ويؤيد فرض الضرائب على الأغنياء، وترشّح لتولي مناصب عامة عن الحزب الديمقراطي أربع مرات. أما اليوم، فأصبح كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الجمهوري. نافارو هو مدير قسم التجارة والسياسة الصناعية في إدارة ترامب ويُعرَف بدفاعه عن الرسوم الجمركية ومعارضته الاتفاقيات التجارية. كان الشخص الذي حثّ الرئيس على تصعيد الحرب التجارية التي تطلقها الولايات المتحدة، لا ضدّ خصوم اقتصاديين مثل الصين فحسب، بل ضد حلفاء مثل كندا والاتحاد الأوروبي أيضاً. باختصار، يُعتبر نافارو أقوى رجل في واشنطن في أبرز ملف شائك خلال عهد ترامب. كانت مواقف بيتر نافارو كفيلة بجعله في صدام مع معظم خبراء الاقتصاد الجمهوريين وعدد كبير من رجال الأعمال. لكنها تتماشى مع قناعة الرئيس دونالد ترامب الراسخة بأن الولايات المتحدة تتعرّض للنهب من البلدان الأخرى. يقول ستيفن مور الذي يعمل في «مؤسسة التراث» المحافِظة ويقدم توصيات متكررة لترامب ويخالفه في مسألة الرسوم الجمركية: «ترامب يصغي إلى بيتر، لا سيما في ملف الصين». يتولى نافارو ترجمة قناعات الرئيس إلى أفعال ملموسة، مقدماً له توجيهات سياسية وتأكيدات وحججاً لمساعدته على تبرير قراراته. يبدو دوره مشابهاً لدور كبير المستشارين السياسيين، ستيفن ميلر، الذي اشتهر بتشجيع ترامب على تطبيق سياسات هجرة تقييدية كونه يؤيدها شخصياً. صحيح أن نافارو أقل شهرة منه، لكن يمكن اعتباره نسخة منه في مجال السياسة الاقتصادية أو الصوت الذي يسمعه ترامب ويُحرّضه ضد الخبراء الآخرين. تعزيز نفوذه زاد نفوذ نافارو (69 عاماً) في الأشهر الأخيرة، فقد فاز بترقية رسمية في شهر فبراير. غادر معظم خصومه في ملف التجارة الحرة ضمن فريق ترامب الاقتصادي الإدارة الأميركية، وانتقلت الولايات المتحدة إلى تطبيق سياساته المفضّلة بوتيرة عدائية عبر فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على بضائع مستوردة بقيمة مليارات الدولارات. يقول خبير تجاري بارز من معسكر المحافظين: «يريد ترامب تطبيق سياسة حمائية، وحين يقول له معظم الحاضرين في القاعة إن هذه الخطوة مستحيلة لأنها ستدمّر الاقتصاد، سيردّ: «أين بيتر؟ ما رأي بيتر بالموضوع؟». يبحث الرئيس عمن يصادق على قراراته، لذا اختفى الأشخاص الذين كانوا يمنعونه من ارتكاب الأخطاء». أدت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب إلى نشوء إجراءات انتقامية وزعزعة الأسواق. كذلك أنتجت مشاكل دبلوماسية وزادت العلاقات الأميركية تعقيداً مع أقرب الحلفاء. يظن معظم خبراء الاقتصاد أن رؤية نافارو على المدى الطويل ستُسبب لطمة موجعة للاقتصاد الأميركي نتيجة زيادة التضخم وإفلاس المزارع والشركات وفقدان آلاف الوظائف. في هذا السياق، يقول غريغ مانكي، خبير اقتصادي في جامعة هارفارد كان ترأس «مجلس المستشارين الاقتصاديين» في عهد جورج بوش الابن: «تكثر الأدلة التي تثبت أن السياسات الاقتصادية الداخلية التي تعزل الولايات المتحدة عن بقية دول العالم تسيء إلى هذا البلد. يمكننا أن نحضّر لائحة بمئة خبير اقتصادي من أبرز الخبراء حول العالم ولن يَرِد اسم بيتر نافارو ضمنها. آراؤه بعيدة للغاية عن رؤية أهم الخبراء». شخصيته غامضة في ظل احتدام الجدل حول التجارة، لا يزال مهندس السياسات غامضاً بدرجة معيّنة. كيف أصبح نافارو، الديمقراطي الذي طوّر فلسفته بناءً على أسس حماية البيئة ومعاداة هيمنة أصحاب المصالح، العقل المدبّر وراء حرب ترامب التجارية إذاً؟ أراد بيتر نافارو في الأصل أن يصبح سياسياً بدل أن يكون مجرّد مستشار لسياسي آخر. لكنه واجه مشكلة صعبة: لم يحبه الناس! يقول لاري ريمر، مستشار ديمقراطي من سان دييغو تولى سابقاً إدارة حملات نافارو: «كان يتوق إلى التحول إلى شخصية مهمة وإلى استلام زمام الحكم. كان محقاً في مسائل كثيرة لكنه بقي شخصاً بغيضاً». وُلِد نافارو في «ماساتشوستس» ونشأ في «فلوريدا» و«ميريلاند»، وربّته والدته التي كانت سكرتيرة بعد طلاقها من والده الموسيقي. كانت عائلته تنتمي إلى الطبقة العاملة. في مرحلة الدراسة الثانوية، اعتُبر نافارو «ولداً بلا رقابة من أهله» وكان يعمل في وظائف متعددة وينام على الكنبة في شقة مؤلفة من غرفة نوم واحدة. سرعان ما فاز بمنحة أكاديمية للدراسة في جامعة «تافتس» ثم أمضى ثلاث سنوات في تايلاند ضمن برنامج «فيلق السلام». كان شخصاً مثالياً لكنه بقي بلا هدف محدد إلى أن وجد دعوته الحقيقية في مجال السياسة الاقتصادية. حين كان يدرس لنيل شهادة دكتوراه من جامعة هارفارد، كتب أول كتاب له بعنوان The Policy Game (لعبة السياسة) وكان عبارة عن خطاب طويل ضد «المصالح الخاصة» التي اتّهمها بـ«سرقة الولايات المتحدة». عبّر حينها عن معارضته الشديدة للسياسة الحمائية، معتبراً أن الرسوم الجمركية تؤذي المستهلكين وتهدد الاستقرار العالمي وربما تؤدي إلى حرب تجارية من شأنها أن تطلق «دوامة جارفة ستسحق معها الاقتصاد العالمي كله». بعد نيل شهادة الدكتوراه، انتقل نافارو إلى جنوب كاليفورنيا حيث أصبح في نهاية المطاف أستاذاً في الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة كاليفورنيا، «إيرفين». ثم بدأ ينخرط في سياسات «سان دييغو» عندما عارض المهندسين الذين اعتبرهم جشعين ومفسدين للبيئة. وصفهم نافارو في مذكراته بعبارة «حثالة في بذلات رسمية» واعتبر أن خططهم ستُدمّر شخصية المدينة المرفئية. أنشأ بعد ذلك منظمة مناهِضة للنمو اسمها «امنعوا تحويل المدينة إلى لوس أنجليس جديدة الآن» وحاول أن يستغل هذا الحراك للفوز في الانتخابات. لم يكن نافارو ديمقراطياً دوماً. قبل الترشح لمنصب عام، سُجّل كشخص جمهوري ومستقل واعترف في كتاباته بقلقه من أن يُهدِر الديمقراطيون أموال دافعي الضرائب. فيما بدا وكأنّ الجمهوريين «يفضلون مقاربة «كل شخص مسؤول عن نجاحه»، كان نافارو يؤمن بضرورة أن «نفرض ضرائب تدريجية على الأغنياء لمساعدة الفئات الأخرى». وبحلول حملته الانتخابية الأولى في عام 1992، بات متأكداً من انتمائه إلى الحزب الديمقراطي. فاز نافارو بالانتخابات الأولية عن الحزب الديمقراطي لمنصب رئيس بلدية «سان دييغو» منذ محاولته الأولى. تفوق على غيره في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات العامة حين أطلق إعلاناً يهاجم فيه منافسته الجمهورية سوزان غولدينغ بعد إدانة زوجها السابق بتهم ترويج المخدرات وتبييض الأموال. لكنها قلبت الطاولة عليه حين طرحت نفسها ضحيةً لحملة تشهير. تحدّد مصير نافارو في مناظرتهما الأخيرة، عندما تذكرت غولدينغ بعيون دامعة الألم الذي سببه لها نافارو فيما ارتسمت على وجهه ابتسامة متكلفة. هيلاري المفضلة لديه بعدما خسر نافارو السباق الانتخابي على منصب رئيس البلدية، ترشح لرئاسة مجلس المدينة في عام 1993 ومجلس المحافظة في عام 1994 وخسر السباقَين معاً. لكن لم تردعه هذه الخسائر من الترشح مجدداً في عام 1996 للمقعد النيابي الذي كان يشغله براين بيلبراي، الجمهوري الذي فاز بأول ولاية له في هذا المنصب بفعل ثورة نيوت غينغريتش. كانت معارضة الأخير، الذي أصبح اليوم حليفاً بارزاً لترامب، محور حملة نافارو بعدما اختبر تأثير هذا الموضوع في استطلاعات الرأي. انتقد نافارو أجندة غينغريتش بقسوة ووصفها بالخطة «المضادة للخيارات والبيئة والطبقة العاملة وبرنامج الرعاية الصحية»، وأطلق شعار «أكثر ديمقراطي يخشاه نيوت غينغريتش!». حصل نافارو على فرصة التكلم لثلاث دقائق خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو في عام 1996. حضر كل من الرئيس بيل كلينتون والسيدة الأولى ونائب الرئيس آل غور حينها إلى كاليفورنيا لجمع التبرعات ودعم حملته. أشاد في مذكراته بنانسي بيلوزي «الذكية والحذقة»، لكن بقيت هيلاري المفضلة لديه، فوصفها بالسيدة «الأنيقة والعاقلة والعميقة والراقية طبعاً»، كذلك عبّر عن اندهاشه من مشاعر الكره التي يكنّها لها بعض الأميركيين، فكتب: «حسناً إذاً... هذه المرأة الراقية أوضحت للولايات المتحدة كلها أنها تفضّل أن تكون سيدة أولى وناشطة اجتماعية بدل أن تكتفي بإعادة ترتيب أثاث البيت الأبيض. لكن ماذا في ذلك؟ إنه فجر القرن الواحد والعشرين». خسر نافارو بفارق 11 نقطة وسرعان ما دمّرته تلك الحملة وزادت مرارته: انزعجت زوجته من الحياة العامة وطلّقته وأصبح مديوناً بمبالغ هائلة. حين نظر من حوله، شاهد عدداً كبيراً من الأشخاص المسؤولين عن هزيمته، بدءاً من بيل كلينتون وصولاً إلى وسائل الإعلام المحلية والحِيَل الانتخابية القذرة التي تستهدف «الناخبين الذين لا يطلعون على حقيقة الأمور ويُحددون بنفسهم مصير الانتخابات في نهاية المطاف». ذكر في كتابه San Diego Confidential (ملف سان دييغو السري) أسماء المتورطين ووجّه لهم الشتائم. لكنه كان يعرف أنه يتحمّل جزءاً من اللوم. ضمن مجموعات التركيز، اعتبره الناخبون شخصاً قاسياً ومتغطرساً وغاضباً. قالت إحدى النساء عنه: «وكأنّ كل شيء حرب في نظره!». قال ريمر إن شخصيته، وليس سياساته، هي التي أبعدت الناخبين عنه، كذلك عبّر عن ذهوله من مواقف نافارو الراهنة قائلاً: «بيتر الذي أعرفه كان ليقدّم تنازلات كثيرة كي يقوم بما يفعله مع ترامب». تطوّر آرائه ما الذي حصل إذاً لبيتر نافارو، ذلك المحارب الليبرالي؟ خلال العقود اللاحقة، خسر مجدداً في حملة كانت لتُخوّله تولي منصب عام في مجلس مدينة سان دييغو في عام 2001. ثم تابع دعم السياسيين الديمقراطيين حتى عام 2008، عندما أيّد هيلاري كلينتون خلال المرحلة الأولية من الانتخابات الرئاسية. وفي الافتتاحيات الصحافية والنشرات الإخبارية خلال العقد الماضي، كان يدعو إلى تطبيق سياسة مناخية صارمة تشمل فرض ضريبة الكربون وحظر المصابيح المتوهجة، كذلك دعم حزمة من الحوافز لمحاربة الأزمة المالية. لكن في مجال التجارة، تطورت آراؤه بشكل ملحوظ. في عام 1998، كتب أنه يدعم التجارة الحرة بقوة. لكن بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، بدأ يلاحظ أن طلابه من حاملي شهادة الماجستير في إدارة الأعمال كانوا يخسرون وظائفهم رغم مؤهلاتهم العالية. فاستنتج أن الممارسات التجارية الصينية، بما في ذلك برامج دعم التصدير والإنتاج والتلاعب بالعملة وسرقة الملكية الفكرية، كانت تعارض مصالح الأميركيين بطريقة غير منصفة. بعبارة أخرى، بدا وكأن نافارو يرى في الصين كبش فداء لأشخاصٍ من أمثاله، أي الأميركيين المؤهلين الذين حُرِموا من النجاح الذي يستحقونه. كتب نافارو أول كتاب له حول هذه الظاهرة في عام 2006 بعنوان The Coming China Wars (حروب الصين المقبلة)، ثم تبعه كتابا Death by China (الموت على يد الصين) في عام 2011 وCrouching Tiger (النمر الرابض) في عام 2015. تحوّل Death by China لاحقاً إلى فيلم وثائقي يرويه مارتن شين ولفت حينها نظر رجل الأعمال ترامب. فكتب في خضم حملته الترويجية القوية: «أشجعكم جميعاً على مشاهدة العمل!». وحين ترشّح للرئاسة، سمع نافارو سياسياً مستعداً لتحمّل شرور العولمة والنفوذ الخارجي والصين: كان ذلك الشخص، مثل نافارو، مقتنعاً بأن الولايات المتحدة تتعرض للدمار. لكن يخالفه معظم خبراء الاقتصاد الرأي. يعترفون بأن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية أحدث في مرحلة معيّنة «صدمة صينية» في أوساط الاقتصاد الأميركي، حين حلّ سيل من الواردات الرخيصة مكان السلع الأميركية، من بينها الملابس والمفروشات والألعاب والأجهزة الإلكترونية، ما أدى إلى تراجع حاد في وظائف التصنيع. لكن يظن الخبراء عموماً أن تلك الصدمة تلاشت وأن التجارة مع الصين أعطت منافع واضحة للولايات المتحدة خلال العقد الماضي، فقد أسهمت في تخفيض أسعار الاستهلاك وفتحت سوقاً جديدة وضخمة إزاء الشركات الأميركية. يتفق كثيرون مع نافارو حين يقول إن الاقتصاد الصيني الخاضع للدولة يطبّق ممارسات غير منصفة. لكن عملياً، لا يظن أي خبير اقتصادي أن الحل يكمن في فرض رسوم جمركية. في هذا الشأن، يقول دوغلاس هولتز إيكين، خبير اقتصادي محافظ ومدير سابق لمكتب ميزانية الكونغرس: «إنه رهان شائك قد تصل كلفته إلى تريليون دولار. من ثم، ستكون هذه المقاربة محفوفة بالمخاطر». ربما يزدري خبراء الاقتصاد بنافارو، لكن يوافقه الرأي عدد كبير من الأميركيين، وهذا ما أثبتته الانتخابات في عام 2016. استغل ترامب من معسكر اليمين وبيرني ساندرز من معسكر اليسار المعارضة الشعبوية للصفقات التجارية الخارجية. في استطلاع رأي جرى في عام 2016، قال 68% من الأميركيين إنهم يفضلون وجود مصنع أميركي يوفر ألف وظيفة على نشوء مصنع تملكه الصين حتى لو كان يوفر لهم ألفَي وظيفة. انضم نافارو إلى حملة ترامب بصفته مستشاراً اقتصادياً في عام 2016. لكن كان الرئيس في البداية محاطاً داخل البيت الأبيض بمؤيدين للتجارة الحرة وحاولوا ثنيه عن فرض رسوم جمركية والانسحاب من اتفاقيات عالمية مثل «نافتا» («اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية»). حث الجمهوريون في الكونغرس ترامب على حصر تركيزه بالتخفيضات الضريبية بدل زيادة الرسوم. سرعان ما احتدم الجدل الداخلي بدرجة فائقة ووقعت جولات من الصراخ والشجار في المكتب البيضاوي وحصلت خلافات بيروقراطية من دون علم ترامب. خلال السنة الأولى، بدا وكأن داعمي العولمة فرضوا سيطرتهم، فهمّشوا نافارو الذي أُقصي بحسب الادعاءات من اجتماعات استراتيجية عالية المستوى وطُلِب إليه أن يحذو حذو كبير المستشارين الاقتصاديين غاري كون. لكن تغيرت المعادلة في بداية عام 2018، بعد مغادرة شخصيتين أساسيتين. في فبراير الفائت، استقال سكرتير شؤون الموظفين روب بورتر الذي كان أحد أبرز المدافعين عن التجارة الحرة بعدما اتُّهم بارتكاب عنف منزلي. لحقه كون في مارس الفائت بعدما أصرّ ترامب على فرض رسوم جمركية على الفولاذ والألمنيوم. يقول طوني فراتو، مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية خلال عهد جورج بوش الابن: «بقي نافارو فترة طويلة في مكانة محصورة تمنعه من التسبب بأي ضرر. لكن أدى تنحي غاري إلى فراغ هائل، فاستغل نافارو الوضع وطرح نفسه بقوة لأن ترامب كان مقتنعاً بتلك الأفكار منذ سنوات». أسلوبه وقح بعيداً عن مسامع ترامب، يستعمل نافارو أسلوباً وقحاً أكثر من أي وقت مضى، فيهين ويستخف بكل من يخالفونه الرأي ويعمل بكل قواه لمنع وصول أي آراء مخالفة له إلى الرئيس بحسب ثلاثة مصادر من داخل الإدارة الأميركية وخارجها. لا أحد يعرف شعور هذا الشخص الذي كان يوماً مؤيداً لسياسات حماية البيئة ومعارضاً للشركات الجشعة بعدما بات يعمل في البيت الأبيض الذي تراجع عن التنظيمات البيئية وأقرّ تخفيضات ضريبية هائلة لصالح الشركات. رفض نافارو التعليق على الموضوع، لكن توحي أحدث كتاباته بآرائه الراهنة. لا يزال جزء من مخاوفه الماضية قائماً: في كتاب Death by China، يهاجم الشركات الجشعة كونها تهتم بأرباحها أكثر من وظائف العمّال الأميركيين، كذلك ينتقد الصين لأنها تلوث البيئة. يعتبر حلفاء نافارو أن التحليلات الاقتصادية التقليدية لا تقيّم حجم الدمار الذي قد تُسببه التجارة الحرة في حياة الناس. صرّح نافارو لموقع «أكسيوس» في شهر يونيو: «خسرنا الحرب التجارية منذ عقود، حين انضممنا إلى اتفاقية «نافتا» وسمحنا للصين بدخول منظمة التجارة العالمية». تأثيره واضح في التجارة تبدو نتائج تأثير نافارو في التجارة واضحة جداً. فرضت الصين وكندا ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية انتقامية على سلع أميركية بقيمة مئات مليارات الدولارات، ما أدى إلى تراكم فائض من اللحوم ومشتقات الحليب في المستودعات. كذلك، انهار سعر فول الصويا بينما ارتفعت أسعار بعض الغسالات الآلية بنسبة تصل إلى 20%. ربما ترتفع أسعار السيارات قريباً بالدرجة نفسها. على صعيد آخر، أعلنت الشركة الأميركية الكبرى الوحيدة لتصنيع أجهزة التلفزة، Element Electronics، إغلاق مصنعها وتسريح 126 عاملاً بسبب ارتفاع أسعار القطع الصينية. يأمل بعض خبراء الاقتصاد المحافظين، من أمثال مور، أن تكون الرسوم الجمركية مجرّد وسيلة لها غاية محددة، بمعنى أن تعطي ترامب ورقة ضغط للتفاوض على اتفاقيات من شأنها أن تزيد حرية الأسواق. يوضح مور: «خلال نقاشاتي مع دونالد ترامب، تمحور حديثنا حول استعمال الرسوم الجمركية كأداة للمساومة. هو يريد أن يلغي الرسوم الجمركية كلها في نهاية المطاف». لكن يحمل نافارو وجهة نظر مختلفة، فهو يؤيد الحفاظ على نظام الرسوم الجمركية والحواجز والحصص لإعادة «التوازن» إلى العجز التجاري وكبح السلع المستوردة وتشجيع الصناعة المحلية. يبدو أن خطوات الإدارة التي تتعارض مع خطابها تذهب في هذا الاتجاه. ستسمح الاتفاقية التجارية التي أُعيد التفاوض بشأنها بين الولايات المتحدة وكوريا وأُعلنت في مارس الفائت بتوسيع الرسوم الجمركية بنسبة 25% على الشاحنات الكورية الجنوبية طوال 30 سنة. قيل أيضاً إن المحادثات بشأن اتفاقية «نافتا» تباطأت لأن المفاوضين الأميركيين يطالبون بتصنيع المركبات بسبعين في المئة من الفولاذ الأميركي كي تستفيد من الإعفاء الضريبي. في منظمة التجارة العالمية، تعوق الولايات المتحدة التعيينات القضائية لتوسيع قدرتها على فرض رسوم مضادة لسياسة إغراق السوق. وفي شهادة أدلى بها الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتايزر إزاء مجلس الشيوخ، اعترف بأن الإدارة الأميركية لا تسعى إلى إلغاء الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي. يبدو ترامب مسروراً بوجهة الحوادث، فقد كتب في 5 أغسطس الفائت تغريدة مفادها أن «الرسوم الجمركية ناجحة للغاية»، ثم أضاف أنها ستُمكّن الولايات المتحدة من البدء بدفع الدين الوطني الذي يصل إلى 21 تريليون دولار. سخر خبراء الاقتصاد من هذه الفكرة لكن تقول مصادر في البيت الأبيض إن الرئيس يسمع هذا الرأي من نافارو مباشرةً. كانت هذه التطورات كلها كفيلة بإقلاق المحافظين في الكونغرس. يقول السيناتور الجمهوري بوب كوركر الذي اقترح قانوناً لكبح الرسوم التي فرضها ترامب على الفولاذ: «لا أظن أن الإدارة الأميركية تدرك بالكامل معنى سياستها التجارية. استيقظوا في الصباح واخترعوا تلك السياسة بكل بساطة». توافد مشرّعون من الحزب الجمهوري وعدد من المديرين التنفيذيين وخبراء السياسة إلى البيت الأبيض في محاولةٍ منهم لإقناع ترامب بتغيير مساره. لكنه صدّهم جميعاً. مع ذلك، يشعر الرئيس بالقلق من فكرة ألا يحبذ سكان الأرياف البيض الذين يشكلون جزءاً من قاعدته السياسية خطة الرسوم الجمركية. لذا أعلن في شهر يوليو خطة إنقاذ زراعية بقيمة 12 مليار دولار. لكنه مقتنع بأنه لن يخسر أصواتهم. في مسيرة في فلوريدا بتاريخ 31 يوليو الفائت، اشتكى من تداعيات الأفعال الصينية على المزارعين لكنه قال إنهم مستعدون لتحمل العواقب: «مزارعونا وطنيون بامتياز. هل تعلمون ماذا يقولون؟ «لا بأس، يمكننا تحمّل الوضع»». خلال التسعينات، كان نافارو ينتقد ميل الجمهوريين إلى استمالة هذا النوع من الناخبين. كتب أنهم يتكلون على «الثلاثية المخيفة»، الجريمة والهجرة غير الشرعية والخطط المناهضة للعنصرية، للفوز بأصوات «كبار السن المرعوبين والرجال البيض الغاضبين والمنتمين إلى الطبقة العاملة». كان حاكم كاليفورنيا السابق بيت ويلسون أحد هؤلاء السياسيين وكان يفكر بالترشح للرئاسة. وجّه نافارو حينها تحذيراً شديد اللهجة وكتب: «هذا الرجل المُجرّد من القناعات الجوهرية يريد أن يستغل موجة الغضب التي تصيب الرجال البيض والحملة المعارِضة لتوافد المهاجرين في سبيل الوصول إلى البيت الأبيض». يبدو أنه كان يدرك منذ ذلك الوقت النجاح الذي قد تُحققه هذه الاستراتيجية! * تايم ماغازين

مشاركة :