جوهرة القوقاز انتصرت وتناديكم

  • 9/2/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الضيف في «أنغوشيتيا» له مكانة كبيرة جدا، بغض النظر عن قوميته وديانته، أو لونه أو دمه أو جنسه، وتزيد قيمته إن كان له انتساب للعرب، أو كان له نسب متصل بسيد العرب تداعيات تاريخية كثيرة وجدتها أمامي أثناء زيارة سياحية، مع أسرتي قبل أيام، لجمهورية «إنغوشيتيا»، أو «أنغوشيا»، إحدى الكيانات الفيدرالية المهمة في «روسيا الاتحادية»، وتحديدا في شمال القوقاز أو القفقاس، والتي تأسست قبل 27 سنة، منفصلة عن جمهورية الشيشان، بقرار صادر من مجلس السوفيت الأعلى.. حاولت تغييب بعض الفترات السوداء في تاريخ عالمنا العجيب، وهزمت أمام التغاضي عن جملة من أعمال الإمبراطورية الروسية التاريخية التوسعية القديمة، مثل «حرب القوقاز»، والتي انتهت بضم مناطق شمال وجنوب القوقاز لروسيا، في الفترة من عام 1817، إلى عام 1864، و«إبادة شعب الشركس»، والتطهير العرقي القصري لهم، وتهجيرهم من مواطنهم، قبل نهاية الحرب، وحتى عام 1867، و«الحرب العالمية الأولى»، بين عام 1914، وعام 1918، والتي بلغ العدد الكلي للخسائر البشرية بسببها أكثر من 37 مليون نسمة، بين قتيل وجريح ومفقود، و«الحرب العالمية الثانية»، بين عام 1939 وعام 1945، والتي تجاوز عدد ضحاياها أكثر من 78 مليون آدمي، مرورا قبل نهايتها بفضيحة «تهجير الشعب الشيشاني والأنغوشي»، في 23 فبراير عام 1944؛ تلك المأساة السوفيتية الشنيعة، التي وقفت على رؤية بعض فظائعها في «مجمع التذكار والمجد»، الذي أنشئ في العاصمة الأنغوشية القديمة «نازران»، بمناسبة ذكرى مرور 70 سنة على حدوثها.. أبهرتني جدا مواصفات الشعب الأنغوشي، ومن أبرزها الأمل في الحياة، وحب العيش في سلام، والبسالة المتناهية، والشرف الكبير، وتجاوز الآلام؛ فرغم كل محاولات التصفية العرقية التي نالتهم، ومحو جميع ما يتعلق بذكرياتهم، وسلب أراضيهم، وتغيير مسميات مدنهم وقراهم، ورغم إتلاف مراجعهم ووثائقهم، وهد مقابرهم، وأبراجهم العمرانية، عادوا بعد 13 سنة، يحيون ما مات، ويعمرون ما انهدم، بل ويشترون أراضيهم التي تملكها غيرهم بدون أي حق؛ أما عاداتهم الجميلة، وتقاليدهم العظيمة المتوارثة، وإيمانهم العميق بخالقهم سبحانه وتعالى، فلم يتغير أي شيء من ذلك أبدا.. الأنغوشيون عانوا من وقوع بعض الجرائم المرتبطة بالدين، بسبب المحاولات الإيديولوجية الخاطئة التي تعتمد على تفسير الدين بطريقة خاصة، مما أدى، وحسب أرقامهم الإحصائية، إلى تطرف حوالي 67 شخصا من شبابهم، بقي منهم على قيد الحياة 5% فقط؛ أما اليوم فالأمر والواقع مختلفان تماما، وأصبحت القناعة العامة عند أهلنا في أنغوشيا، هي أن الإسلام هو إسلام الدين والإيمان، واختراع شيء جديد متعلق بهذا الفهم مرفوض، وأن الأعمال الخيرية وقبولها ينبغي أن تبتعد عن أي عمل غير مستقيم، وخصوصا المتعلقة بتمويل التطرف والمتطرفين، ولو كانت بنية طيبة أو ساذجة، وما عاد للإرهابيين، سواء من الداخل أو من المتسللين، أي مكان بينهم. أختم بأن الضيف في «أنغوشيتيا» له مكانة كبيرة جدا، بغض النظر عن قوميته وديانته، أو لونه أو دمه أو جنسه، وتزيد قيمته إن كان له انتساب للعرب، أو كان له نسب متصل بسيد العرب، وكل من تهيأت أو ستتهيأ له فرصة لزيارة ذلك البلد الجميل (جوهرة القوقاز)، سيتعرف على كثير مما لا يمكن التعرف عليه في غيرها، وخصوصا حب الناس وعشقهم هناك على العيش بدون منغصات، واتفاقهم على ضرورة محو أي توترات قد تؤثر على استقرارهم، أو تنال من السلام الذي ينشدونه فيما بينهم، أو مع من حولهم، في الجمهوريات المجاورة لهم، وفي غيرها، وحرصهم على تعرف الناس عليهم، مع تقديم كل الضمانات والتسهيلات، وعلى مختلف الأصعدة.

مشاركة :