نجحت السعودية خلال عقد النمو الاقتصادي الوفرة المالية من السيطرة على الدين العام الذي كان عند حدود 82 في المائة من الناتج المحلي في عام 2003، ليتراجع حتى حدود 1.6 في المائة مقارنة بالناتج المحلي في عام 2014، والذي يصل إلى 2.82173 تريليون ريال (752.5 مليار دولار). وأعلنت السعودية أكبر فارق بين الإيرادات والمصروفات في ميزانية عام 2015، حيث من المتوقع أن يبلغ العجز 145 مليار ريال (38.7 مليار دولار)، وهل ذلك يعني عودة صعود مؤشر الدين العام؟ ومع أن وزارة المالية أعلنت أن الدين العام بلغ حجمه بنهاية عام 2013 (60.118 مليار ريال/ 16.1 مليار دولار)، أي بمعدل 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013 مقابل 82 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2003، إلا أن التوقعات تشير إلى أن حجم الدين العام سيكون في نهاية العام المالي الحالي 2014 في حدود 44.260 مليار ريال (11.8 مليار دولار)، أي ما يعادل 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع. وهنا يقول الدكتور إحسان بو حليقة، عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاقتصادي، إن عودة مؤشر الدين العام للنمو مستبعدة. ويضيف: «الخزينة العامة في وضع ممتاز من ناحية الفوائض المالية التي تحققت على مدى السنوات الماضية، والأمر الآخر أن السياسة المالية السعودية تقوم على معطيات راسخة ومرتكزات استراتيجية، وهذا يفوت على كثير من المحللين»، على حد وصفه. ويبين: «استراتيجية السياسة المالية السعودية عن اللجوء إلى الدين الاستدانة محليا، وفي الفترة التي كان فيها الدين عام 100 في المائة من الناتج المحلي كان الدائن داخليا، وبعد تحسن الإيرادات بسبب نمو أسعار النفط وضعت الحكومة السعودية سداد الدين العام أولوية وتعاملت معها بحزم وتمكنت عبر هذه الاستراتيجية من إطفاء الدين العام». لكن في حال تراجعت أسعار النفط عن المعدلات التي بنيت عليها الميزانية يقول بو حليقة: «عند ذلك الحكومة أكثر من حل السحب من الاحتياطيات الضخمة، والتي تمكن السعودية من الوفاء بالتزاماتها لـ5 سنوات مقبلة، أو الاستدانة من الداخل». ويضيف: «يجب أن نستفيد من الماضي في إيجاد حلول للحاضر، فالنفط باعتباره المورد الرئيسي لإيراداتنا دائما يخذلنا، لكن الأوضاع إلى الآن غير مقلقة ولا يوجد ما يشير إلى تصاعد الدين العام مرة أخرى كما حدث في السابق». وتقول ناهد طاهر، المصرفية السعودية والمدير التنفيذي لبنك الخليج، إن معطيات الميزانية تشير إلى التعامل مع العجز في الإيرادات سيعوض بالسحب من الاحتياطي وإلا سيتم اللجوء إلى رفع الدين العام والاستدانة من البنوك المحلية. وتضيف الخبيرة المصرفية السعودية: «هذا الحل يجب أن ينتهي، فالاقتراض أو السحب من الاحتياطي حلول غير مجدية وقصيرة الأجل والتأثير، فالسحب من الاحتياطيات يؤثر على الأجيال المقبلة، والاقتراض من البنوك المحلية يجعل الحكومة تدخل منافسا للقطاع الخاص على القروض، وبالطبع - والكلام لناهد طاهر - ستفضل البنوك لأسباب كثيرة إقراض الحكومة على إقراض القطاع الخاص». وتضيف: «لا بد من حل ابتكاري لمسألة العجز، وقد تم تطبيقه في السعودية في مشاريع صغيرة أو محدودة، فلا بد أن تعمل الحكومة على إيجاد البيئة الجاذبة للاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر مشاريع تنفذ بطريقة الشراكة والبناء والتشغيل والصيانة ثم الإعادة بعد 20 سنة على الأقل لتتمكن الحكومة من تنفيذ مشاريع طويلة الأجل ذات جدوى اقتصادية». وتابعت: «الاحتياطيات تكفي لـ3 أو 4 سنوات فقط، وهناك نقص في مشاريع البنية التحتية التي تتطلب مخصصات مالية ضخمة ومشكلات البطالة وتنويع القاعدة الاقتصادية، فالمطلوب تحسين بيئة الاستثمار وتحول الصناديق السيادية إلى شريك مع القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع التي تدار من قبل القطاع الخاص». وتشير إلى أنه طالما بقي الاعتماد على الإنفاق الحكومي ستبقى مخصصات المشاريع والإيرادات رهن التقلبات الاقتصادية، بينما تحسين بيئة الاستثمار سيجذب رؤوس الأموال الأجنبية لتنفيذ المشاريع التي تمثل الاقتصادات الحديثة مثل التقنيات الصناعية والاستثمار في البيئة والاقتصاد الرقمي والاستثمار في الطاقة النظيفة وغيرها من الاستثمارات التي يحتاج إليها الاقتصاد السعودي بشكل ملح.
مشاركة :