وماذا لو كان الحل بضغطة زر لا غير؟!

  • 9/4/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت قضية الشهادات المزورة والجامعات الوهمية موجة من الانتقادات على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، طال الكثير منها نظام تقويم ومعادلة المؤهلات العلمية الأجنبية والذي أثبت عدم فاعليته في التصدي لظاهرة المؤهلات الوهمية في حينٍ عطل فيه مصالح العديد من حاملي الشهادات المرموقة لأشهر بل حتى لسنين. ولكيلا أكتفي بالنقد السلبي، أطرح عبر هذه المقالة حلاً يواكب تجارب الدول المتقدمة في مجال التعليم من دون تكرار العيوب التي شابت النظام الحالي من تعطيل وغياب للشفافية، كما أزعم أنه يؤدي جميع الأهداف المرجوة وذلك عبر ضغطة زر لا غير...! أنشئ نظام تقويم المؤهلات العلمية الأجنبية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ولقد أخذ هذا النظام بالتضخم التدريجي منذ ذلك الوقت حتى الآن، ولا سيما مع إلزام عشرات الآلاف من المتقدمين للوظائف الحكومية من الذين أكملوا دراستهم الجامعية خارج البحرين المرور من خلاله. فعلى سبيل المثال، ازداد عدد المستندات المطلوبة من المتقدمين والاشتراطات المفروضة على البرامج العلمية إلى أكثر من الضعف في الفترة ما بين 1998 و2016. بينما سبّب تضاعف عدد الطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج والمقبلين على وظائف حكومية تكدسا هائلا في عدد الطلبات المقدمة للجنة التقويم، والتي يجتمع أعضاؤها مرة واحدة في الشهر بشكل تطوعي من دون مقابل، مما أدى إلى تفاقم مدد الانتظار والتي قد تصل الى أشهر بل الى سنوات إلى حين الانتهاء من البت في بعض المؤهلات. وبعد سنوات من الانتظار، قد يفاجأ صاحب الطلب بخطاب من صفحة واحدة غير مسبب من الوزارة يفيد برفض اللجنة للمؤهل العلمي، ما يعقد من محاولة الطالب التظلم من قرار هو لا يعلم مسبباته أصلا. لا يختلف اثنان على أهمية التحقق من صحة المستندات والشهادات الصادرة من خارج المملكة والحفاظ على مستوى عال من الكفاءات العلمية والمهنية في التوظيف الحكومي. ولقد قامت دول متقدمة في المجال الحكومي والتعليمي كسنغافورة وألمانيا بالتصدي لتلك المهمة لا عن طريق إلزام جميع المتقدمين للوظائف الحكومية بالمرور عبر نظام تقويم مركزي كما هو معمول به في البحرين، بل عبر تدريب موظفي الموارد البشرية بالوزارات والجهات الحكومية على التمييز من بين المؤهلات العلمية المختلفة مع ما يتناسب واحتياجات كل جهة على حدة ضمن إطار رقابي على عملية التوظيف، على اعتبار أن لكل جهة حكومية متطلباتها الوظيفية التي هي أدرى بها دون غيرها.. إذ يستطيع اليوم أي موظف موارد بشرية في أي جهة كانت، بضغطة زر، معرفة جودة الجامعات والبرامج العلمية وتصنيفها عالميا وبحسب معايير شفافة، وذلك عبر استشارة المواقع الالكترونية التابعة لمؤسسات رائدة في مجال تقييم التعليم مثل (Times Higher Education) و(QS World University Rankings) و(The Complete University Guide) و(Academic Ranking of World Universities) وغيرها، والتي تقدم هذه الخدمة بشكل فوري ومجاني. كما تتفادى تلك المواقع أخطاء قائمة الجامعات الموصى بها من قبل وزارة التربية والتعليم والتي لا تخضع جميع بياناتها للتحديث بشكل دوري، حيث تساوي القائمة في توصيتها بين جامعات عالمية مثل هارفرد وأوكسفورد وكامبريدج وبعض الجامعات ذات المستوى المتدني محليا وإقليميا. كما تشجع الوزارة الطالب على التأكد من ظهور اسم الجامعة التي ينوي الانضمام اليها ضمن القائمة، مما يثني الطالب عن الالتحاق بالعديد من الجامعات المرموقة عالميا غير المدرجة في القائمة كولزلي كوليج (Wellesley College) في الولايات المتحدة وإنسياد الفرنسية وجامعتي طوكيو وبكين وغيرها تفاديا لاحتمالية عدم التصديق من قبل اللجنة، على عكس ما يحتاج اليه القطاع الحكومي من تنوع في الدراسات والخبرات. كما يمكن لأي شخص إثبات صحة مستنداته الصادرة من الخارج عبر نظام الـ(apostille) المستحدث عام 1965 والذي انضمت اليه مملكة البحرين عام 2013، حيث يمكن للطالب الدارس ببريطانيا على سبيل المثال تحميل نسخة من شهادته على الموقع الالكتروني للحكومة البريطانية المخصص لذلك بضغطة زر، وبعد تحقق الحكومة البريطانية من صحة المستندات، تقوم بإرسال شهادة اعتماد أصلية لصاحب الطلب عبر البريد خلال مدة زمنية لا تتجاوز اليومين تفيد بصحة المستندات المرفقة. كما تتيح بعض الدول كبريطانيا لأرباب العمل من جهات حكومية أو شركات خاصة التحقق من السجل العلمي الكامل لموظفيهم عبر مواقع الكترونية مخصصة لذلك في مدد لا تتجاوز البضعة أيام. اما التخصصات الحساسة كالطب والهندسة والمحاماة، فتقوم الكثير من الدول المتقدمة بإناطة مهمة الاعتراف بالمؤهلات العلمية والمهنية الأجنبية المتعلقة بها بمؤسسات وجمعيات متخصصة كهيئات تنظيم المهن الصحية وجمعيات المهندسين والمحامين. وأما لما دونها من الوظائف، فيتمحور دور وزارات التعليم العالي أو بعض الجهات المشابهة لها عادة بتقديم خدمة المعادلة بشكل اختياري للجهات والأفراد إن طلبوا ذلك في حالة اشتباه المؤهل على سبيل المثال، وهو النموذج الأنسب للبحرين نظرا الى حجم الطلبات الناتج عن التوظيف الحكومي الضخم بالمقارنة مع الدول الأخرى. ختاما، قد تكون ضغطة زر كفيلة بحلحلة العديد من العقبات التي تواجه الطلبة المقبلين على وظائف حكومية، في وقت نحن أحوج فيه الى الحفاظ على الكفاءات العلمية واستقطابها للعمل في القطاع الحكومي. ولذا، يستدعي الوازع الوطني والأخلاقي أن نسهب في طرح الحلول البناءة لمعالجة أوجه الخلل، من دون اللجوء إلى تسييس النقد الموضوعي أو استغلاله في التهجم على أشخاص معينين أو تصفية الحسابات السياسية أو تمرير بعض المؤهلات المشبوهة، وذلك لكيلا تذهب المصلحة الوطنية العامة ضحية للأجندات السياسية الخاصة. آملا أن تتسع صدور المسؤولين للنقد المهني البناء الذي أتمنى أن يسهم في رفعة البحرين ومواكبتها لتجارب الدول المتقدمة. باحث دكتوراه بجامعة كينغر كويج - لندن

مشاركة :