لندن – جدّد وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون هجومه على الحكومة البريطانية الإثنين، متوقّعا “انتصار” الاتحاد الأوروبي في مفاوضاته مع لندن بشأن بريكست، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة للإيهام بأن رئيسة الحكومة تيريزا ماي عاجزة عن قيادة بريكست بالطريقة التي يريدها البريطانيون، ما يرفع حظوظه في رئاسة الحكومة. ومنذ استقالته من الحكومة البريطانية في يوليو، عاد جونسون إلى كتابة عموده في صحيفة ديلي تلغراف، الذي ينتقد فيه بانتظام رئيسة الوزراء تيريزا ماي على خلفيّة مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكتب جونسون في الصحيفة الإثنين أن بريطانيا “ذهبت للمعركة والعلم الأبيض يرفرف على دبابة القيادة”، مضيفا “أخشى أنّ النتيجة الحتمية هي انتصار للاتحاد الأوروبي”. وأضاف أن “الفضيحة ليس أننا فشلنا، لكن أننا حتى لم نحاول”. وكانت ماي عرضت في يوليو خطة نصّت على خروج بريطانيا من السوق الموحدة مع إنشاء “منطقة تبادل حر” جديدة للبضائع ومنتجات الصناعات الزراعية مع الاتحاد الأوروبي تقوم على اتفاق جمركي ومجموعة من القواعد المشتركة. تيريزا ماي: سنكون على استعداد لعدم التوصل إلى أي اتفاق إذا لزم الأمر تيريزا ماي: سنكون على استعداد لعدم التوصل إلى أي اتفاق إذا لزم الأمر وواجه المشروع على الفور معارضة قوية من دعاة بريكست متشدد في صفوف حزبها المحافظ نفسه إذ اعتبروا أنه ينحرف عن نتيجة الاستفتاء الذي أفضى في يونيو 2016 إلى الخروج من الاتحاد. وعلى الإثر استقال جونسون والوزير المكلف بريكست ديفيد ديفيس اللذان اعتبرا أن المشروع يبقي بريطانيا مرتبطة بالاتحاد الأوروبي، في خطوة كان لها وقع شديد، فيما شكك قادة الاتحاد الأوروبي بإمكان تطبيق الخطة. وتعهد 20 نائبا من حزب ماي برفض مشروعها الذي عرف بـ”خطة تشيكرز” على اسم المقر الصيفي لرئاسة الحكومة البريطانية حيث تم التوصل إليه، والذي يعتبرون أنه يبقي بريطانيا قريبة من الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالتجارة. وقال النواب إن تشيكرز قد يعيق قدرة بريطانيا على عقد اتفاقيات تجارة حرة، وسيقتطع أيرلندا الشمالية من بريطانيا، ويبقي الاختصاص القضائي الأوروبي في يد البريطانيين. وتضاعفت مشكلات ماي بعد أن عارض كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن بريكست ميشال بارنييه مشروعها، مؤكدا أنه قد يؤدي لتآكل التكامل الأوروبي. ويأتي تصاعد الانتقادات ضد ماي قبل عودة البرلمان للعمل الثلاثاء، وقبل منتصف نوفمبر، التوقيت الذي وضعته بروكسل ولندن للتوصل لاتفاق انفصال. وردا على هجوم جونسون، قال المتحدث الرسمي باسم ماي إن “بوريس جونسون استقال بسبب تشيكرز، ليست هناك أفكار في هذه المقالة للرد عليها”. وتابع “ما نحتاج إليه في هذا الوقت هو قيادة جادة وخطة جادة وهذا بالضبط ما تتمتع به البلاد بوجود رئيسة الوزراء هذه والخطة هذه”. ويتمتع حزب المحافظين الذي تنتمي له ماي بغالبية ضعيفة تبلغ تسعة مقاعد في مجلس العموم ذي الـ650 مقعدا، وذلك بفضل دعم نواب الحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي الشمالي التسعة، لكن مجلس العموم نفسه منقسم إلى أربعة معسكرات، حيث يفضل بعض النواب بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والبعض يريدون طلاقا كاملا مع بروكسل، والبعض الآخر يؤيدون تشيكرز، فيما يريد آخرون شكلا آخر من بريكست. وفتح بارنييه الباب لتمديد وجيز للمفاوضات المتعثرة مع لندن حاليا، مشيرا إلى وجوب إتمامها بحلول منتصف نوفمبر المقبل بعد أن كانت مقررة منتصف أكتوبر، ما يفسح المجال أمام برلمانات الطرفين للمزيد من النقاش. وقال بارنييه في مقابلة نشرتها صحيفة “فرانكفورتر ألغيمايني تسايتونغ” الأحد إنه “بعد الأخذ بالاعتبار الوقت الضروري لإبرام اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في البرلمانين البريطاني والأوروبي، علينا إنجاز المفاوضات بحلول منتصف نوفمبر”، فيما كرر المفوض الأوروبي معارضته “الشديدة” لمشروع تشيكرز. وأكد “لدينا سوق متكامل للبضائع والخدمات ورأس المال والأشخاص، نظامنا الاقتصادي الخاص الذي كبر عبر عقود لا يمكن العبث به عبر اختيار أجزاء منها”. ورفض كبير المفاوضين الأوروبيين نهاية يوليو بندا رئيسيا ضمنته رئيسة الوزراء البريطانية خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، يهدف إلى تجنب إقامة حدود تقسم بعد بريكست بين شمال أيرلندا التابع للمملكة المتحدة وجنوبها. ورغم تصريحات بارنييه، تعهدت ماي الأحد بالتمسك بخطتها بشأن العلاقات التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، في مواجهة المعارضة الشديدة من أنصار الانفصال. وكتبت ماي في صحيفة ذي ديلي تلغراف “لن أكون مرغمة على القبول بتسويات على مقترحات خطة تشيكرز ليست في مصلحتنا الوطنية”، مضيفة “سنكون على استعداد لعدم التوصل إلى أي اتفاق إذا لزم الأمر”. ومن المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 30 مارس القادم، على أن تتوصل لندن وبروكسل إلى اتفاق بحلول منتصف نوفمبر، لترتيب شروط الطلاق وإرساء قواعد علاقتهما المستقبلية، بحيث تكون أمام البرلمانات الوطنية مهلة كافية للمصادقة على الاتفاق. وتصاعدت الضغوط على بريكست في بريطانيا مع تنامي الأصوات الداعية إلى استفتاء ثان بشأنه وتراجع المواقف الداعمة للانفصال، بعد أن تعرضت خطة الحكومة للانتقاد من قبل أعضائها قبل خصومها، فيما تشكلت لدى البريطانيين رؤية أكثر وضوحا لتكلفة الانسحاب الباهظة، الأمر الذي يثير سيناريوهات واحتمالات عديدة قد تصل إلى درجة التراجع عن بريكست وهو ما لم تستبعده ماي. وذكرت صحيفة التايمز أن مدير حملة ماي السابق لينتون كروسبي كان يدبر مؤامرة لتقويض خطتها حول خروج بريطانيا وإحلال بوريس جونسون في مكانها رئيسا للوزراء وهو ما لا يخفيه هذا الأخير.
مشاركة :