طهران – تفجر قلق الأسواق الإيرانية أمس دفعة واحدة، لتؤدي حالة التشاؤم إلى انهيار الريال إلى مستويات غير مسبوقة مقابل الدولار وجميع العملات الأجنبية، رغم مساعي المصرف المركزي للحد من انخفاض قيمة العملة المحلية. وفقد الريال نحو ما يصل إلى 20 بالمئة من قيمته في السوق المفتوح خلال الأيام الثلاثة الماضية، ليصل سعر صرفه إلى 130 ألف ريال للدولار الواحد، على ما أفاد موقع بونباست الذي يعد أهم مرصد لتحركات العملة الإيرانية. وانطلقت شرارة التراجع بعد تصريحات محافظ المصرف المركزي عبدالناصر همتي السبت، أعلن فيها عن فرض قيود أشد صرامة على تخصيص احتياطات النقد الأجنبي. وكانت تصريحات محافظ البنك المركزي تهدف لتهدئة قلق الإيرانيين والأسواق، لكنها أدت إلى نتيجة معاكسة. وأظهرت حجم الصعوبات التي ستواجهها البلاد في الأسابيع والأشهر المقبلة. وقال الصحافي الاقتصادي الإيراني مزيار معتمدي إن همتي، الذي تم تعيينه في أغسطس الفائت بعد إقالة سلفه “كان على صواب على الأرجح حين قال في خطاب تنصيبه إنه سيسعى لتقليل التصريحات العامة” وقد تبين تأثير التصريحات أمس. وأوضح أن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتوترة في إيران أصبحت تجعل “كل تعليق يخرج من المسؤولين الكبار بهدف تهدئة السوق يثير ردود أفعال سلبية”. ويضع المصرف المركزي بالفعل قيودا صارمة على حجم النقد الأجنبي الذي يقوم بضخه في السوق، ويخصص لمستوردي السلع الأساسية عملات أجنبية بسعر صرف حكومي رسمي يبلغ 42 ألف ريال للدولار. وكانت احتجاجات عارمة قد اندلعت في أكثر من 80 مدينة إيرانية في ديسمبر ويناير الماضيين وتواصلت بشكل متفرق في أنحاء البلاد منذ ذلك الحين بسبب تردي الأوضاع المعيشية. عبدالناصر همتي: المركزي سيفرض قيودا أشد صرامة على تخصيص احتياطات النقد الأجنبي عبدالناصر همتي: المركزي سيفرض قيودا أشد صرامة على تخصيص احتياطات النقد الأجنبي واتسعت شعارات المتظاهرين لتصل إلى المطالبة بإسقاط النظام وعدم تبديد ثروات البلاد في التدخل في الدول المجاورة، وهو أحد المطالب الرئيسية لدول المنطقة والإدارة الأميركية وكانت سببا رئيسيا في فرض العقوبات. وشملت تلك الاحتجاجات في الأشهر الماضية سائقي الشاحنات والمزارعين وصولا إلى تجار البازار في إيران، بسبب تأثير الأزمة الاقتصادية على أعمالهم. وارتفعت خسائر الريال الإيراني أمس إلى نحو 70 بالمئة منذ إعلان الرئيس الأميركي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 مايو الماضي الموقع بين إيران والدول الكبرى في العام 2015 وفرض عقوبات غير مسبوقة على طهران. ويقول مراقبون إن انهيار الريال الحالي لا يكشف عن حجم الأزمة بسبب ندرة العملات الأجنبية. وأكدوا أن أعدادا كبيرة من الإيرانيين مستعدون لدفع أسعار أعلى للحصول على أي عملة أجنبية لكنهم لا يجدونها في مكاتب الصرافة، التي أغلقت أبوابها أو كتبت أنها لا تملك عملات أجنبية. ودخلت المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية في 7 أغسطس الماضي والتي فرضت حظرا على تعامل إيران بالدولار والذهب والمعادن ومنعت تجارة الذهب والمعادن النفيسة والصناعية والبرمجيات الصناعية وتجارة السيارات والسجاد. وسوف تتلقى طهران الضربة الأقسى مع دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في 5 نوفمبر، والتي ستفرض قيودا على صناعة النفط الإيرانية وتطارد الشركات والدول التي تتعامل مع النفط الإيراني، الذي يمثل شريان الحياة الوحيد للاقتصاد الإيراني. ويأتي الانحدار السريع في الأوضاع الاقتصادية الإيرانية رغم أن طهران لا تزال تصدر نحو 2.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام، وهو ما يشير إلى حجم الكارثة الاقتصادية التي تنتظرها عن إغلاق منافذ تصدير النفط. وتقول الولايات المتحدة إنها تريد إيصال صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، ورفضت الحديث عن تقديم أي اعفاءات حتى الآن، لكن محللين يقولون إن صادراتها قد تتراجع بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا. ورغم أن الكثير من الدول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أعلنت عن معارضتها للعقوبات الأميركية إلا أن شركاتها رفضت استمرار التعامل مع طهران بسبب خشيتها من التعرض لعقوبات واشنطن. ويرى مراقبون أن الشارع الإيراني يقترب من اليأس التام وأنه لن يعد يفرق بين الإصلاحيين والمتشددين، وأكدوا أن انفجار الاحتجاجات الشاملة أصبح مسألة وقت لا أكثر، مع اقتراب الضربة القاضية بتقييد صادرات النفط في نوفمبر المقبل.
مشاركة :