أزمة الخطاب أزمة المرأة - د. حسناء القنيعير

  • 12/28/2014
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

تلقي أزمة الخطاب الديني المتشدد بظلالها على واقعنا الراهن لاسيما ما له صلة بالمرأة، ذلك أنه يوجد ارتباط وثيق بين الركود المعرفي للمجتمعات، وتدني وضع المرأة، التي جعلها خطاب الأزمة مواطنة من الدرجة الثانية، فصادر حقها في اختيار ما تريده لنفسها، إذ لا تتزوج ولا تعمل ولا تتحرك إلا حسب ما تسمح به "آلة التأثم والتأثيم". هذا على الصعيد الخاص، أما على الصعيد العام فكثيرا ما يتمترس ذلك الخطاب في دفاعه عن القضايا ذات المساس بالمرأة، خلف قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وفي هذا السبيل لابأس من تعطيل مصالح وطنية، بل وإهدار حقوق المرأة وإنسانيتها وصحتها. يكمن الخلل في النظر إلى الرؤى السجالية للمعارضين على أساس أنها تشريعات إسلامية، تنهض بها نصوص يلوون أعناقها لتنسجم مع ما يطرحونه، وهذا ما يفسر كثرة الآراء النابعة من الخلط الديني. سواء فيما يروج من رؤى متشددة، أم ما يصدر من فتاوى واجتهادات فقهية بين الحين والآخر. كانت المركزية الفقهية ومازالت سببا أصيلا في تشكل السلطة الذكورية الباحثة عن مصالحها، فالنظام الشامل الذي انتجته حول المرأة/ الأنوثة لا يقارب المفاهيم في بعدها الإيماني المتوازن بين المرأة والرجل، بل حولته إلى ظاهرة اجتماعية لتأسيس منظومة من رؤى وتصورات، شكلت وعيا زائفا ترسخ في المجتمع عما يجوز وما لا يجوز، ومن ثم منحته قداسة النص القرآني الذي يحظى بإجماع، على حين أن المنظومة الفقهية في معظمها اجتهاد بشري من الصعب أن يكون مقدسا. فقد أسس الفكر الفقهي لطروحات وتأويلات قللت من قيمة المرأة ودورها، بناء على تصورات نابعة من فكر منغلق مقصور على التحريم والتحليل، وتبعا لهذا فقد أصبح وجود المرأة الاجتماعي رهينا لهذه الثنائية ؛ وفي الوقت الذي يثبّت النظام الفقهي المفاهيم لصالح الرجل خدمة لنزواته، سواء أتعلق الأمر بتعدد الزوجات الذي قيده القرآن بشرط العدل، وعدم ظلم الزوجة الأولى (ذلك أدنى ألا تعولوا) أي أقرب ألا تظلموا، أو كثرة الإنجاب بلا حدود ولا ضوابط، أو الاقتران بالقاصرات، دون الاهتمام بما يشكله ذلك من انتهاك لحقوق المرأة والأطفال، وما يصيبها من أضرار نفسية وجسدية، يستند هذا الخطاب المأزوم عند مناقشة حقها في العمل في مجال مختلط محاط بضوابط، وقيادة سيارتها، والابتعاث في سن يتجاوز الثلاثين عاماً بلا محرم، وإباحة تزويجها طفلة قاصرة، كل ذلك يستند إلى مبررات غير منطقية. كما أن مناقشة صحة المرأة الإنجابية بالمباعدة بين الولادات في مجلس الشورى، (حيث رأت إحدى المعارضات لمصطلح الصحة الإنجابية، أنه مصطلح مطاط يشمل المتزوجين وغيرهم، والعلاقات المحرمة، وسبق أن تحفظت الحكومة عليه (والخوف) أن تؤدي شرعنته إلى إباحة الإجهاض وتجريم القوانين التي تجرم المحرمات الجنسية)! فهل يعقل أن الحكومة عندما طلبت مناقشة الصحة الإنجابية للمرأة لم تدرك كتلك العضوة جوانبه التي لا تتفق مع تعاليم ديننا؟ ثم هل يمكن التصور بأن الحكومة قد تغفل عن الالتزام بالأطر الدينية، حتى تطلب مناقشة أمر يصب في صالح الإجهاض وغيره من المحرمات؟ حقا كم هو طرح لا معنى له سوى الإمعان في فرض رؤى وتصورات بعيدة عن الاهتمام بالمرأة والهم الوطني، فحين يصعب إيجاد مبررات عقلية وموضوعية، يُلجأ إلى إسقاط الجانب الخارجي غير الشرعي على الموضوع، فليس أسهل من الانحراف بالموضوعات عن جوانبها الوطنية، إلى جوانب ذات صبغة تكشف عن ضعف الطرح وتهافت منطقه. كما تمسك بعض أعضاء المجلس باسم الخصوصية المجتمعية والدينية عند مناقشة وثيقة السياسة السكانية في مجلس الشورى بمبررات غير منطقية أيضاً (كالزعم بأن الزيادة السكانية تدعم القطاع العسكري) وكأن القطاعات العسكرية لم تستوعب أعداداً كبيرة من الراغبين في الانضمام إليها، بل إنها تعجز أحياناً عن قبول كل المتقدمين لأسباب فنية أو صحية، ثم هل الحروب والصراعات في الحاضر والمستقبل مقصورة على القوة البشرية وحدها؟ لاريب أن هذا منطق من يعيش خارج نطاق العصر، ومثل ذلك القول بأننا نحتاج (قوة بشرية أضعاف ما هو موجود لسد الوظائف التي يشغلها 8 ملايين أجنبي) وهذا قول يدعو للعجب، فإذا كنا في هذا الزمن عجزنا عن توفير وظائف لأبنائنا بإحلالهم محل العمالة الوافدة، هل نستطيع ذلك مع تضاعف أعداد السكان؟ لاسيما أن المواطنين في عمر الشباب يشكلون دوما أغلبية، في ظل رواج مفاهيم تحول بين الحكومة واجتراح خطط تقلل من العدد السكاني. ألا يعرف هؤلاء أننا قد نصبح مجتمعاً كثير السكان تعصف به رياح البطالة والفقر والأمراض؟ هل يدركون أن البترول ثروة ناضبة؟ وهل يعتقدون أننا سنظل دوما مجتمعا غنيا مرفها؟ لماذا كأننا أمام مفاهيم إصرار على النموذج الباكستاني والمكسيكي والمصري وغيره من نماذج الدول ذوات الكثافة السكانية العالية؟ لماذا لا نكون كالدول الأوروبية المتقدمة ذوات الأعداد السكانية المعقولة؟ وأي خصوصية تلك التي قد لا تكون سوى شدنا إلى الظلم والتقصير في حقوق المرأة، أو التقصير في حق الوطن الذي يعد أمانة لتأييد رؤاه وتصوراته النابعة من دراسات وأفكار لم تأت عبثاً. تتطلب أزمة الخطاب التي عمقتها قداسة سلطة الفقيه، قياسا بالنص القرآني ومن ثم الإجماع الواعي، تفكيك بنيته، بإعادة النظر في الجوانب المعتمة للمنظومة الفقهية، التماساً لطرح يعيد تموضع المرأة ضمن أطر عقلانية وفكر تنويري، تناغماً مع ما أقره لها الدين لا الاجتهادات المتحجرة، وما يتناغم مع متطلبات التنمية الوطنية ومما يثير العجب - بوجه عام - هو لجوء الخطاب المأزوم إلى المصادر الدينية في أكثر أقوالها تشدداً وتعسيراً، عندما يتعلق الأمر بالتشريع للأسرة وحقوق المرأة كلها، وتجنُّب الرجوع إلى تلك المصادر ومفاهيمها عندما يتعلق الامر بتعدد الزوجات دون ضابط، وزواج المسيار وكثرة الإنجاب، وإباحة تزويج القاصرات، حيث تعد السن من الشروط البيولوجية للزواج، كما أن توفر السن القانونية يعد من المحددات الرئيسة لإكمال الزواج وصحته. علاوة على أن زواج الفتاة في سن مبكرة جدا كان سلوكا أو ممارسة اقتضتها معطيات الحياة المتسمة بالبساطة والبدائية، لكن ما يشهده مجتمعنا من تحولات كبيرة ومتنامية جديرة بتحطيم البنى التقليدية، ومنها تزويج القاصرات، وبما أنه لكل وضع اجتماعي خصوصياته وأخلاقياته ونظمه، فإن مؤسسة الزواج الحديثة لابد أن تكتسب خصوصيتها من الإطار المجتمعي الحديث، فضلا عن تسبب تلك الزيجات التي هي شكل من أشكال العنف بإشكالات صحية ونفسية وأمنية، ليدفع الوطن وحده ثمن نزوات ذات مرجعية تراثية، متجاهلا أي الخطاب، كون ذلك قضية مجتمعية وإنسانية وحقوقية ووطنية، فلا عجب ألاّ يبالي بكل ذلك قدر اهتمامه بحراسة تلك الرغبات! تتطلب أزمة الخطاب التي عمقتها قداسة سلطة الفقيه، قياسا بالنص القرآني ومن ثم الإجماع الواعي، تفكيك بنيته، بإعادة النظر في الجوانب المعتمة للمنظومة الفقهية، التماساً لطرح يعيد تموضع المرأة ضمن أطر عقلانية وفكر تنويري، تناغماً مع ما أقره لها الدين لا الاجتهادات المتحجرة، وما يتناغم مع متطلبات التنمية الوطنية، إذ ينبغي أن نتجاوز الشعارات البراقة، ونغمة التخويف والترهيب من دك حصون الإسلام وتهديمها إن نحن اجترحنا حلولا عصرية عقلية ومنطقية لقضايا المرأة. أخيراً؛ ما الآلية التي يمكن أن تطبقها الدولة للحد من الزيادة المتنامية في المواليد؟ فهناك الزيجات المبكرة التي تجعل سنوات الخصوبة لدى المرأة تمتد إلى أكثر من ثلاثين سنة، وهناك تعدد الزوجات، ومن يتزوج ويعدد من الداخل والخارج دون موافقة الدولة، وزيجات المسيار، فضلاً عن زيجات المتعة والمؤانسة والمسفار التي أقرها المجمع الفقهي، تلك التي تزدهر في الخارج في الإجازات القصيرة والطويلة، ناهيكم عن الزيجات غير الشرعية التي تنتج أطفالاً لا هوية لهم. نحن بحاجة إلى المزيد من سن قوانين صارمة لتنظيم آليات مؤسسة الزواج، للحد من أخطارها دينياً وأمنياً واجتماعياً، وما تعكسه مستقبلاً من انفجار سكاني.

مشاركة :