قال مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو هيئة كبار العلماء الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل إن الإسلام دعا إلى الاعتدال والوسطية، وأمر به، ووجه إليه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان داعية خير وسلام وهدى واعتدال، سار على ذلك في جميع دعوته صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله، وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون، ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم الذين اقتفوا أثارهم، ونهت الشريعة الإسلامية عن الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والمجاوزة في الحد والانحلال. وأضاف: الحديث عن مبدأ الاعتدال والوسطية في الإسلام من الأمور التي يجب أن يُعتَنى بها وتُعطى حقّها من الاهتمام والبحث والتوجيه؛ لأنّ أغلب المزالق وأكثر الانحرافات نابعٌ من عدم فهم الاعتدال والوسطية في الشريعة الإسلامية، ويجب على أمّة الإسلام أن تسير على الاعتدال والوسطية كما جاء في الشريعة، وأن تحقِّقه تمامَ التحقيق؛ لتصل إلى ما وصفها الله به من الخيريَّة. وتابع: تميَّز هذا الدِّين بالاعتدال والوسطية، وبالتالي تميَّزت أمَّة الاستجابة بأنها أمَّة الوسط. فالإسلام يقدِّم الاعتدال والمنهجَ الوسَط في جميع شؤون الدِّين والدُّنيا، كما أنه يحذِّر من المصير إلى أحد الانحرافين: الغلوّ أو الجفاء. وأكمل: أمَّا الدليل من القرآن الكريم على أنّ المقصود بالوسَط: العدل والخيار، فيتبيَّن من خلال أمرين: أولاً : أنّ هذا هو المتّسق مع بقيّة الآية، وهي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، فَعِلّة وصف الأمّة بالوسط هي شهادتُها على الناس، ومعلومٌ أنّ الشهادة لا تُقبَل إلّا إذا كانت عادلة، كما أنها لا تُقبَل إلّا من عدل. ثانياً: أنّ الله – وصف هذه الأمّة بالخيرية فقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، والقرآن يُفسِّر بعضُه بعضًا، فبين وصف الأمَّة بالخيرية وبأنها أمّة الوسط تلازُم، إذ إنّ معنى الوسط هو الخيار. وتابع: أمَّا الدليل من السُّنّة فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام وكتاب التفسير في باب قول الله جلّ وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، رقم (3339، 4487، 7349) عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجاء بنوحٍ يومَ القيامة فيُقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا ربّ، فتُسأل أمَّتُه: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير! فيقول جلّ وعلا: من شهودُك يا نوح؟ فيقول: محمَّدٌ وأمَّتُه». ثمّ تلا صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: «عدلًا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}». ولا تتحقّق هذه الشهادة إلّا إذا شهد الرَّسول صلى الله عليه وسلم على هذه الأمّة بأنها قامت بما دُعيت إليه. فمحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وأمَّتُه يشهدون على نبوَّات الأنبياء السابقين عليهم السلام وعلى إبلاغهم للرِّسالة. وأردف: لماذا لا تكون هذه الأمَّة خيرَ الأمم؟ ولماذا لا تنهض بهذه الخيرية وتؤدِّيها كما أمرها الله عز وجل بها وكما جاء في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، إنه التقصير في حقّ الله عز وجل وفي متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، مضيفاً ؛ وهذا المعنى الذي ذكرناه – والذي جاء في القرآن والسُّنّة – هو الذي ذهب إليه علماء التفسير من السَّلف.
مشاركة :