خمس سنوات مضت ونحن ننعم برخاء لا مثيل له مستمد من تضخم في إيرادات المملكة من عوائد البترول الذي يمثل 89% من إجمالي الإيرادات، ففي عام 2010م ارتفعت الإيرادات بنسبة 45 % وكانت تمثل نقلة عظيمة في حجم الإيراد وفي عام 2011م ارتفعت الإيرادات بنسبة 51 % وفي عام 2012 ارتفعت الإيرادات بنسبة 122 % وهي الأعلى في تاريخ ميزانيات المملكة منذ التأسيس واستمرت بعدها الزيادة إلى عام 2014م. والحقيقة التي لابد وأن نعترف بها وهي أن انعكاس الزيادة في الإيرادات ظهر جليا في تطور عدد وحجم المشاريع التنموية التي أنجزت خلال السنوات الخمس الماضية وعلى وجه الخصوص في مجال التعليم بنوعيه العام والعالي والصحة والبنية التحتية والمشاريع الخدمية، وهي مشاريع عملاقة استطاعت المملكة أن تحول الجزء الأكبر من إيراداتها للتنمية الشاملة في المملكة بما انعكس إيجابيا على رفاهية شعبها وسكان المملكة آخذا في الاعتبار النمو السكاني المستمر ونمو عدد العمالة المقيمة والذي دفع إلى تعاظم الاحتياج إلى مزيد من الخدمات المتطورة في مختلف المجالات منها النقل في مشاريع الخطوط الحديدية الحديثة أو تطوير بعض المطارات الرئيسية مثل مطار الملك عبدالعزيز والاستمرار وبكل قوة تجاه تأمين السكن اللائق للمواطنين والحفاظ على مستوى الأسعار للسلع الغذائية والأساسية، بالإضافة إلى توجه المملكة لتوسعة الحرمين الشريفين وتضاعف حجم الإنفاق على التعويضات الخاصة بنزع الملكيات لحساب توسعة الحرمين الشريفين بالإضافة إلى مضاعفة حجم الإنفاق لدعم برامج الضمان الاجتماعي لتشمل أكبر شريحة من الفقراء والمحتاجين في المملكة. إن كل هذه الاعتمادات الضخمة في الميزانية دفعت إلى زيادة الإنفاق إلى 30 % في عام 2014م ورغم انخفاض أسعار البترول وتدهور قيمة الواردات إلا أن قيادة المملكة أصرت إلا وأن تستمر في تحمل تكلفة الإنفاق على بنود الميزانية الجديدة. لقد كانت آثار تدهور أسعار البترول قد تسببت في شيء من القلق الذي انتاب المواطنين ورجال الأعمال محليين ودوليين تجاه وضع المشاريع التنموية في المملكة، وطرح السؤال هل سيستمر الإنفاق عليها أم سيتوقف نظرا للظروف؟ وتوجس قلق بعض المقاولين عن إمكانية وفاء الدولة بالتزاماتها، إلا أن الحكومة السعودية أعلنت الميزانية السعودية رغم جميع الأوضاع الدولية الاقتصادية والمالية التي تمر بظروف ليست بالسهلة وأعلنت الميزانية أمام تحد كبير لانخفاض أسعار البترول حتى وصل لأسعار متدنية نتيجة انخفاض النمو الاقتصادي العالمي عن مستوياته السابقة، بالإضافة إلى عوامل عدم الاستقرار في بعض المناطق المحيطة. رغم جميع هذه الظروف المالية الصعبة يأتي قرار القيادة السعودية متحديا ومصمما على استمرار الاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية لجميع قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والطرق والتعاملات الإلكترونية ودعم البحث العلمي بما يحقق التنمية المتوازنة لهذا الجيل والأجيال القادمة بحول الله وإيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين. قرار حكيم أزال القلق والخوف من تراجع التنمية حتى لو كان على حساب الفائض الذي تحقق من وفورات الإيرادات في الأعوام الخمسة الماضية أو حتى لو تم تغطية العجز بالاستدانة من بعض الصناديق أو المؤسسات من الداخل، ولا سيما أن حجم الدين لازال في المستويات الآمنة. حيث يمثل 1.6 % من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع عام (2014). وهذا يؤكد أن المملكة حريصة على الالتزام بمشاريع التنمية وحريصة على رفاهية شعبها ولن تحملهم أي ضرائب لتغطية العجوزات في الميزانية. إن من أهم ملامح الميزانية في وجهة نظري هي استمرار الدولة في توجهها نحو تطوير التعليم بصفة عامة العام والجامعي منها، ودعم انتشاره في جميع مناطق المملكة وهذا ما أوضحته الميزانية باستمرار تنفيذ مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم وقيمة المتبقي له سبعة بليون وثلاثمائة مليون ريال واستكمال برنامج تحقيق أهداف مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم والمقدر بـ(80) مليار ريال يصرف منها لتنفيذ مبان مدرسية عصرية لعدد (3000) مدرسة للبنين والبنات على مدى خمس سنوات مالية قادمة، وخمسة مليارات وخمسمائة مليون لتأهيل المدارس القائمة وملياران وخمسمائة مليون لتجهيز المدارس بوسائل الأمن والسلامة ومليار ومائة مليون للتعليم الإلكتروني. أما التعليم العالي بالإضافة إلى المرصود له لتطوير البنية التحتية ومشاريع كليات جديدة بتكلفة 12,3 مليار وثلاثمائة مليون ريال، فإن أهم قرار طال انتظار المعنيين به هو قرار اعتماد ميزانيات لافتتاح وتشغيل ثلاث جامعات جديدة هي جامعة جدة وجامعة بيشة وجامعة حفر الباطن، والتي تمت الموافقة على إنشائها منذ العام الماضي. ومن وجهة نظري أيضا فإن من أهم قرارات ميزانية هذا العام هو الإعلان عن الاستمرار في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بتكلفة 22 مليارا و500 مليون ريال ليغطي تكلفة (207) آلاف طالب وطالبة مع مرافقيهم خارج المملكة. قرارات حكيمة وتوجه صحيح وميزانية تحد في أرقامها سوف تؤكد الثقة في اقتصاد بلادنا وترفع القلق الذي كان ينتاب البعض، وأجزم بأنها سوف تعيد الثقة لسوق الأسهم السعودية وسيعود الارتفاع.
مشاركة :