تفتح زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة الأوزبكستانية طشقند اليوم في آخر محطات جولته الآسيوية التي شملت البحرين والصين، الآفاق الواعدة لمستقبل العلاقات بين البلدين باعتبارها أول زيارة لرئيس مصري منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وبحكم المكانة المصرية في القارة الآسيوية، الهادفة إلى سياسة خارجية لا تعرف معنى للحدود، وتؤكد حقيقة انفتاح مصر وتنوع علاقاتها الخارجية.إذ ترغب مصر في تنويع وتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية مع مختلف دول العالم، بحكم أن ذلك توجه جديد في السياسة المصرية، لذا يحرص الرئيس السيسي دائما على فتح أبواب للتعاون مع كثير من الدول، لفتح طرق وآفاق جديدة مع دول جنوب شرق آسيا، فضلاً عن إثبات قدرة الدبلوماسية المصرية على ترسيخ علاقاتها مع مختلف دول العالم بما يحقق مصالح مصر وأهدافها الحيوية.كما أن السياسة المصرية تهدف إلى تجسير العلاقات مع هذه الدولة المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي سابقاً في عام 1991 وذلك لاستدامة التواصل الحضاري والثقافي بين البلدين، ولتوثيق علاقات التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين خاصة أن حجم التبادل التجاري بلغ نحو مليار ونصف المليار دولار عام 2017. ولفتح آفاق جديدة للتعاون فى المجالات الصناعية والثقافية وزيادة فرص الاستثمار بين الطرفين، خاصة أن أوزبكستان تحتل المرتبة 111 من حيث حجم استثماراتها داخل مصر بإجمالي 13 شركة برأسمال حوالي 670 ألف دولار.ويمثل لقاء الرئيس السيسي مع الرئيس الأوزبكي شوكت مرضيائيف وعدد من الوزراء وكبار المسئولين بأوزبكستان، تدشين مرحلة متطورة من العلاقات بين البلدين كما أن عقد الجانبين جلسة مباحثات حول سبل دفع العلاقات بين البلدين، والتوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بشأن تطوير التعاون المشترك بين الجانبين في عدد من المجالات، ليؤكد على مصداقية التوجهات المصرية في تنويع علاقاتها الدولية بما يخدم أهدافها ويحقق مصالحها الاستراتيجية القصيرة المدى منها والمستقبلية.ووفقا لبيان وزارة الخارجية الأوزبكستاتية فإن زيارة الرئيس السيسي جاءت بدعوة من مرضيائيف، من أجل بحث آفاق التعاون بين البلدين، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية والإقليمية الراهنة، والتوقيع على حزمة مهمة من الوثائق الحكومية المشتركة في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، وفي السياحة والعلوم والتعليم والثقافة والرياضة.ولعل العلاقات التاريخية بين مصر وأوزبكستان ترسم آفاقاً رحبة للمستقبل، خاصة أن ما بين البلدين من القواسم المشتركة ما يعزز ويدعم تطوير العلاقات بينهما، وإذا كان ما يجمع بين مصر وأوزبكستان من أواصر وعلاقات تتمثل في النواحي الدينية والثقافية والحضارية، فإنه يمكن البناء على تلك الروابط لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، وإيجاد شبكة من المصالح المتبادلة يمكن لها أن تستفيد من الروابط والعلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، وفي نفس الوقت تستطيع أن تنمي تلك العلاقات وتزيدها متانة ورسوخاً.علاقات تاريخيةترتبط مصر وأوزبكستان بعلاقات تاريخية وثيقة وتجمع البلدين أواصر وعلاقات تتمثل في النواحي الدينية والثقافية والحضارية وتجمعهما أيضا قواسم مشركة، فقد اعترفت مصر باستقلال جمهورية أوزبكستان في 26 ديسمبر 1991، وفي ديسمبر 1992 زار الرئيس إسلام كريموف القاهرة على رأس وفد حكومي كبير تم خلالها التوقيع على اتفاقية أسس العلاقات والتعاون بين مصر وأوزبكستان، واتفاقية تعاون اقتصادي وعلمي وفني ؛ واتفاقية للنقل الجوي، واتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات.وقد مثلت تلك الاتفاقيات الأساس الذي استندت إليه العلاقات الثنائية فيما بعد، وقد قام وفد رفيع برئاسة نائب رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت الدكتور كمال الجنزوري بزيارة طشقند يوم 23 يناير 1992، تم خلالها التوقيع على بيان مشترك لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفي أبريل 1992 وقعت وزارة الصناعات الغذائية الأوزبكستانية، وشركة السكر والصناعات التكاملية المصرية على اتفاقية تعاون. وفي مايو 1993 تم افتتاح السفارة المصرية في طشقند، وفي أكتوبر 1995 افتتحت السفارة الأوزبكستانية في القاهرة خلال زيارة وزير الخارجية الأوزبكستاني الدكتور عبدالعزيز كاميلوف للقاهرة.وتم تأسيس اللجنة الأوزبكية المصرية المشتركة برئاسة وزيرى الاقتصاد فى كل من البلدين التى عقدت أول دورة لها فى طشقند فى يونيو عام 1996، وقد أقيم خلال انعقادها معرض للمنتجات المصرية شاركت فيه 62 شركة مصرية، وتنعقد اللجنة مرة كل سنتين فى طشقند والقاهرة بالتناوب.وزار الرئيس كريموف، مصر للمرة الثانية فى الفترة من 17 إلى 19 أبريل 2007 وتناولت المباحثات الثنائية القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث أكد الطرفان دعمهما للجهود الرامية إلى تجنب صدام الحضارات والثقافات، وأعربا عن أهمية إحلال مبادئ الاحترام المتبادل للأديان والخصوصيات الثقافية للأطراف كافة، وأبدى الطرفان استعدادهما للتعاون الوثيق فى إطار منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى لتنسيق الجهود والمواقف.مستقبل واعد للعلاقات الثنائيةتؤكد الدراسات التاريخية أن ثمة آفاقاً واعدة للعلاقات المصرية الأوزبكية من خلال البناء على المشترك بين البلدين من جهة نظرية التكامل وليس التنافس في مختلف المجالات.ففي المجال الزراعي، الدولتان زراعيتان، وتتشابه أوزبكستان مع مصر في أنها من أهم دول العالم المتقدمة في إنتاج القطن، خاصة الأقطان الملونة والأقطان المقاومة للحشرات الضارة، ويمكن لمصر وأوزبكستان أن يكون بينهما تعاون كبير في هذا المحصول الاستراتيجي المهم.كما يمكن توثيق التعاون بين مصر وأوزبكستان في مجال زراعة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الاستفادة بالخبرات، والاستثمارات المتبادلة في مجال زراعته، إضافة إلى زراعة الخضراوات، حيث تعتبر مصر وأوزبكستان من أكبر الأسواق كلا في منطقته.وفي المجال التراثي والثقافي والسياحي، يمكن إقامة شراكات استراتيجية بين البلدين في مجالات الجذب السياحي، خاصة مع الثراء والتنوع في المعالم التاريخية والأثرية في كل من مصر وأوزبكستان، وتشابه الكثير من العادات والتقاليد والثقافة بين المجتمعين المصري والأوزبكي .وفضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لكل من مصر وأوزبكستان تجاه بعضهما البعض، يمكن أن يكون التشابه في البنية الاقتصادية عاملاً من عوامل التعاون والتكامل بين البلدين، أكثر من كونها حالة تنافس، فالتشابه في القطاعات الاقتصادية يكون له دور فاعل في التنسيق والتكامل بين البلدين في الإنتاج والتسويق، وتبادل الخبرات وتطوير عمليات الإنتاج، هذا بالإضافة إلى أن تبادل الاستثمارات في القطاعات المختلفة يجعل من عملية التنمية أكثر فاعلية.وإجمالا يمكن القول إن التعاون بين مصر وأوزبكستان مهم وحيوي لكلا الدولتين من الناحية الاقتصادية والجيواستراتيجية ، وتعتبر مصر الشريك التجارى والاقتصادى المهم والدائم لأوزبكستان، ونقطة انطلاق لتوسيع الصادرات الأوزبكستانية إلى منطقة الشرق الأوسط ، وشمال إفريقيا ، ودول حوض البحر المتوسط ، وتعزيز التبادل التجاري معها. خاصة أن منطقة آسيا الوسطي دولها حبيسة لا تطل على أي من البحار أو المحيطات المفتوحة، وستكون مصر البوابة إلى مختلف مناطق العالم المهمة.ولا شك أن مصر وأوزبكستان لديهما الحرص بشكل دائم على تبادل الزيارات بين الكوادر، ففى فبراير 2018 زار وفد من رجال أعمال أوزبكستان مصر، لبحث سبل التعاون المشترك بين البلدين في القطاعات الهندسية المختلفة خلال الفترة الحالية، والدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى شراكة، وإقامة ودعم علاقات تعاون وتبادل الخبرات التجارية والصناعية بين البلدين.
مشاركة :