منذ أن وجد الإنسان على الأرض، وهو يحاول تطوير وسائله؛ للاستفادة منها في تطويع بعض الصعاب أو التغلب على المنافسين، سواء أكانوا من الكائنات الأعظم منه أجساداً، أم من البشر الآخرين، الذين يرغب في التقدم عليهم في المنافسة على الموارد، أو حتى السيطرة عليهم، وتسخيرهم للعمل من أجل مصالحه. فلا يمكننا التقليل من وسائل الإنسان الأولى، المتمثلة في الأدوات الحادة بعد اكتشافه معدن الحديد، وتطويعه لصناعة تلك الأدوات، حيث أصبحت الصناعات المتصلة بها مصدراً للتحكم في الصراع مع الكائنات القوية من جهة، وفي السيطرة على مساحات واسعة من الموارد، والارتقاء اقتصادياً في استثمار تلك الموارد والانتفاع بها، ضد من لا يملك تلك الأدوات، أو ليست لديه المهارة الكافية لاستخدامها من جهة أخرى. ومع تطور المعرفة البشرية ببعض التقنيات، التي اندمجت فيها أكثر من تقنية (على سبيل المثال فيزيائية وكيميائية) كتلك التي مكنت الإنسان من صنع المقذوفات، ولاحقاً البنادق، وما يتصل بها من وسائل متأخرة كالمدافع، التي أصبحت تمكن من استهداف الأعداء من مكان بعيد؛ غدت تلك التقنيات مثار اهتمام كل مجتمع يطمح في حماية نفسه ومكتسباته من الأعداء، أو حتى توسيع مجال سيطرته والاعتداء على الآخرين. بالطبع ليس هذا مجال حصر تنوعها، واطراد أهميتها في اقتصادات كثير من الأمم قديماً وحديثاً؛ لكن الأمثلة الحاضرة منذ قرن من الزمان تقريباً في أذهان الناس، تجعل الإشارة إلى الحروب الكونية الكبرى أحد مجالات هذا التنافس، عندما تريد قوة أن تقلب موازين القوى القائمة، فإنها تعتمد على التكنولوجيا المتوفرة لديها؛ لإحداث ذلك الشرخ، وترتيب الأوضاع من جديد. حدث ذلك في الحرب العالمية الأولى والثانية في أوروبا، وفي كلتا الحالتين لم يكن باعث شرارة الحرب هو المنتصر. ثم حدث للمنتصر الأكبر في الحرب الثانية أن حوّل الحرب الباردة إلى ساخنة، بفضل ثقته في تقنياته، فأسقطت الاتحاد السوفييتي وجدار برلين والكتلة الشيوعية، لكنه لم ينتصر. فالحربان الإقليميتان في كل من بلاد الشام وأوكرانيا تثبتان أن الإنسان لا يمكنه التنبوء دائماً بصحة المسار الذي تسلكه الأحداث، بعد أن يثيرها بتقنيات العصر التي أصبحت تفوق قدرات الإنسان في توجيهها. وفي هذا الصدد، كانت قد لفتت نظري مقابلة أجرتها محطة البي بي سي مع عالم الفيزياء الفذّ ستيفن هوكينج؛ تعتمد على سؤال جوهري، هو: إلى أي حد التقنيات الحديثة مفيدة؟ وإن كان ما أتى به الضيف قد طرح من قبل في مؤتمرات علمية وكتب منشورة متخصصة، إلا أنها عندما تأتي على لسان أحد أبرز علماء العصر الحديث، ليس في تخصصه وعلمه بأثر العلوم التطبيقية في حياة الإنسان المعاصر فحسب، بل أيضاً في كونه أول من يستخدم كل ما يستجد من تقنيات التواصل التي يعتمد فيها على نقل علمه إلى الآخرين؛ تكون ذات قيمة كبيرة. ملخص ما أتى به عالم الفيزياء البريطاني، أن الذكاء الصناعي ربما يتحول إلى آفة مدمرة للإنسان؛ إذا بالغ في الاعتماد عليه، وجعله يتحكم في مسار حياته. وذلك لأن الطرف المتحكم في الطرف الآخر لا يمكن أن يكون أقل ذكاء منه. فالإنسان ربما يكون في مرحلة من المراحل واقعاً تحت سيطرة الآلات والأدوات التي ابتكرها. وقد ظهرت بعض آثار هذا الاضطراب في حياة المجتمعات المعاصرة؛ فكيف سيكون الحال، عندما يزرع البشر داخل أجسادهم شرائح تجعل أجهزة خارجها تتحكم في ردود أفعالهم ونظامهم العصبي؟ إنها مرحلة مرعبة حقاً!
مشاركة :