د. أيمن علي* نتيجة سياسات الضبط المالي تراجع عبء الدين إلى نحو 86 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 103.5 في المئة العام الماضي، ويتوقع أن يتراجع في غضون أقل من عامين إلى 82 في المئة. ورغم أنها نسبة كبيرة إلا أنها ليست مقلقة، خاصة مع استمرار النمو الاقتصادي الجيد وتوفر القدرة لدى البنوك المحلية لإعادة التمويل. ويلاحظ أن احتياطي البلاد من العملات الأجنبية ارتفع إلى ما يوازي تغطية 6.5 شهر من الاستيراد بحلول مارس/آذار الماضي. مع ذلك يظل تمويل الدين يستهلك ما بين 30 إلى 40 في المئة من النمو الاقتصادي، ولا يتوقع أن تتراجع تلك النسبة كثيرا في القريب العاجل. حتى مع عدم إغفال تأثير زيادة الصادرات من حقل ظهر العام القادم، وغيرها من المؤشرات الإيجابية لزيادة عائدات البلاد (من التحويلات والسياحة وغيرها). ومع خطط استثمار 10 مليارات دولار في قطاع الطاقة سنويا في الأعوام المقبلة، يتوقع أن تشهد مصر اكتشافات جديدة واحتمال إنتاج نفط وغاز يزيد من عائدات البلاد. ويتوقع ضبط عجز الحساب الجاري للحكومة ما بين 2.5 إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون أعوام قليلة - وهو العجز الذي وصل إلى 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العامين السابقين.تظل المشكلة في مصر أن القطاع الأوسع من الشعب، والذي يتحمل العبء الأكبر من أضرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، لا يشعر بهذا التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي ولا يمكنه رؤية «ضوء في آخر النفق». ومع زيادة سياسات الضبط المالي وسعي الحكومة لتقليل فجوة حساباتها لا يرى هؤلاء سوى إجراءات «جباية» متعسفة لا تراعي أي أبعاد اجتماعية. والحقيقة أن البيروقراطية المصرية ترهلت بشكل لا يمكنها حتى من تسويق أي إنجاز لشعبها، ففي حين يتابع الناس أخبار إنتاج الغاز من حقول جديدة يواجهون بزيادة أسعار الغاز للاستهلاك المحلي (ولم تفلح حملات الدعاية في توصيل حقيقة أن الأسعار المتدنية كانت في أغلبها دعماً حكومياً). وأكثر الأمثلة فجاجة على الغضب الشعبي هو ما يسمى «الضريبة العقارية» على المسكن، وهو تعبير واضح عن تدهور على كل الأصعدة من تشريع وتنفيذ، رغم أنه كانت هناك خيارات أفضل لزيادة موارد الخزينة من فوائض القطاع العقاري دون أن يبدو ذلك «جباية». على العكس هناك إجراءات ربما تزيد من شعبية الحكومة وتحسن الاستقرار السياسي/الاجتماعي، منها على سبيل المثال فرض ضرائب ورسوم عالية على ما يسمى في مصر «تسقيع» الأراضي والعقارات وغير ذلك من إجراءات مثل الضريبة التصاعدية على الدخل وتحسين تحصيل الضرائب من الفئات القادرة التي ما زالت الأكثر تهرباً من دفع الضرائب بينما تحصل الضرائب من الموظفين والعاملين من الطبقة الوسطى.من المتوقع أن يكون العامان القادمان، وحتى نهاية العقد الحالي، فترة حسم بالنسبة للاقتصاد المصري وربما حتى لوضع مصر السياسي عموما. وحسب المؤشرات الحالية بالتفاؤل الاقتصادي لا يستبعد أن تكون مصر ضمن مجموعة صغيرة من دول العالم تقود عملية النمو السريع فيما تسمى «الاقتصادات الصاعدة». *كاتب مصري
مشاركة :