العقيدة العسكرية الروسية تواجه «الثورات الملونة» و«محاولات توسع الناتو شرقا»

  • 12/28/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تنفيذا لقرار مجلس الأمن القومي الروسي الصادر في 13 يونيو (حزيران) الماضي، أقر الرئيس فلاديمير بوتين أول من أمس العقيدة العسكرية الروسية الجديدة على ضوء ما أدخله من تعديلات على الصياغة القديمة التي سبق وأقرتها روسيا إبان حكم سلفه ديمتري ميدفيديف في فبراير (شباط) 2010، وبما يتسق مع ضرورة مواجهة التحديات الجديدة ومنها «الثورات الملونة»، و«التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا وحلفائها». وجاءت الوثيقة الجديدة لتؤكد مجددا ما سبق وأشارت إليه القيادة السياسية الروسية حول تمسكها بالنهج الدفاعي للعقيدة العسكرية الجديدة، مع مراعاة ما طرأ من تغيرات في أوكرانيا، وما صار يتهدد البلاد من أخطار سواء في الداخل من جراء «إرهاصات الثورات الملونة» أو في الخارج على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، إلى جانب استخدام الأسلحة عالية الدقة والطيارات دون طيار والأجهزة الآلية وكل أشكال التأثير على المواطنين في الداخل بأساليب غير تقليدية عبر «الفضاءات الإعلامية والفضائية والكونية»، حسبما أشارت الوثيقة في صياغتها الجديدة. ونصت الصياغة الجديدة على 14 من أهم الأخطار الخارجية التي تهدد الأمن القومي ووحدة أراضي وسيادة روسيا، وتخل بتوازن القوى القائم في المجال النووي الصاروخي، ومنها تصنيع ونشر المنظومات الصاروخية الدفاعية الاستراتيجية الأميركية، ونظرية الضربة العالمية الشاملة التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية (تنص على توجيه الضربة الاستراتيجية باستخدام الأسلحة غير النووية)، وخطط نشر الأسلحة في الفضاء الكوني، إلى جانب نشر الأنظمة الاستراتيجية غير النووية للأسلحة عالية الدقة. وفي إطار سردها للأخطار الخارجية الرئيسية، أشارت الوثيقة الجديدة أيضا إلى «تكثيف حلف الناتو لقدراته القتالية ومنها ما يشمل المهام التي يمكن القيام بها على النقيض من قواعد القانون الدولي، والاقتراب بالوحدات والتشكيلات العسكرية للبلدان الأعضاء من الحدود الروسية، بما في ذلك مواصلة توسعه». وأشارت الوثيقة، ضمن الأخطار العسكرية الخارجية التي تهدد روسيا، إلى المخاطر التوسعية تجاه روسيا وحلفائها وأيضا التدخل في شؤونها الداخلية إلى جانب استخدام القوة العسكرية في البلدان المتاخمة لحدود روسيا وحلفائها، وما يظهر هناك من بؤر نزاعات عسكرية ومحاولات لتصعيد التوتر هناك، بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي. وتمضي الوثيقة في استعراض الأخطار التي تهدد أمن روسيا، لتدرج أيضا محاولات نشر أسلحة الدمار الشامل والتكنولوجيا الصاروخية، وكذلك انتهاك بعض الدول للاتفاقيات الدولية وعدم مراعاة ما جرى توقيعه من معاهدات دولية حول حظر وتقليص الأسلحة. وركزت الوثيقة في معرض تأكيدها على مواجهة الأخطار النووية التي يمكن أن تستهدف روسيا، على أن موسكو تحتفظ لنفسها بحق الرد على استخدام الأسلحة النووية أو غير النووية ضدها. غير أنها لم تنص على أحكام «الضربة الاستباقية» كما سبق وتوقع بعض المراقبين العسكريين في الداخل والخارج، وإن أكدت على ضرورة العمل من أجل مواجهة محاولات أي دولة أو مجموعة دول لتحقيق التفوق العسكري أو إملاء إرادتها على روسيا. ومن اللافت أن الكرملين أدرج، ولأول مرة المصالح الوطنية للدولة الروسية في مناطق القطب الشمالي ضمن المهام التي عهد بحمايتها وتأمينها إلى القوات المسلحة في الفترة المقبلة، وهو ما لم تكن تنص عليه العقيدة العسكرية الروسية في صياغتها السابقة في عام 2010. كما حرصت موسكو على أن تتضمن العقيدة العسكرية الجديدة الكثير من التفاصيل عن أخطار أخرى أشارت إلى بعضها مثل «وجود مناطق التوتر العرقي والديني ونشاطات الجماعات الدولية المسلحة المتطرفة، إلى جانب تكثيف نشاط الشركات العسكرية الخاصة بالقرب من حدود روسيا وحلفائها، بالإضافة إلى وجود الصراعات الإقليمية وتنامي النزعات الانفصالية والتطرف في بعض مناطق العالم». ولم تستبعد الوثيقة احتمالات التعاون مع بلدان أخرى ومنها بلدان مجموعة «بريكس» التي تضم إلى جانب روسيا كلا من الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، في مجالات إقامة منظومات الدفاع الصاروخي المشترك، فضلا عن تطوير التعاون مع جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللتين أعلنتا انفصالهما عن جورجيا في مطلع تسعينات القرن الماضي، وعادتا لتؤكده مدعوما باعتراف روسيا وعدد قليل من البلدان الخارجية بعد الحرب مع جورجيا في أغسطس (آب) 2008، وهو ما لم تكن تنص عليه الوثيقة السابقة في «صياغة 2010». ومن الأخطار الداخلية التي أشارت إليها الوثيقة، ولم تكن موجودة في الصياغة السابقة، «ما تقوم به بعض الدول والمنظمات من نشاط إعلامي يستهدف التأثير على الشباب وتقويض القيم والتقاليد التاريخية والروحية والوطنية في مجال الدفاع عن الوطن، وإثارة النعرات العرقية والاجتماعية وإذكاء مشاعر التوتر والتطرف والتحريض على الكراهية العرقية والدينية». وتنص الوثيقة كذلك على اعتبار تمويل وتوجيه القوى السياسية والمنظمات الاجتماعية من الخارج، إلى جانب استغلال الميول والحركات الاحتجاجية للمواطنين، ضمن الأخطار ذات السمات العسكرية للنزاعات المعاصرة، وهو ما لم تكن تتضمنه الصياغة السابقة للعقيدة العسكرية الروسية. وتضمنت الوثيقة الجديدة تعريفات أكثر دقة للمفاهيم العسكرية والوطنية، ومنها ما يتعلق برفع الكفاءة العسكرية والتربية الوطنية للمواطنين. كما أشارت إلى المهام الرئيسية للقوات المسلحة بأفرعها المختلفة وإحكام الدفاع الجوي والفضائي وتطوير وتحديث البنية التحتية للمواقع والمشاريع العسكرية. ورغما عن كل ذلك، حرصت القيادة السياسية والعسكرية الروسية أن تتضمن الوثيقة الجديدة التأكيد على حرص موسكو وتوجهاتها نحو إرساء حوار بناء مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى جانب العمل من أجل إقامة نموذج جديد للأمن الشامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

مشاركة :