نعم عزيزى القارئ أعترف لك أن عنوان مقالتي مقتبس من أشعار الشاعر الفلسطيني العظيم محمود درويش، ولما لا وهى الكلمات الوحيدة المعبرة عن هذه اللحظة الفارقة التي أعيشها الآن على أرض مصر، وفى أحضان نيلها الخالد بين أكثر من 250 شابا وفتاة من مختلف دول العالم العربى والإفريقى، جاءوا ليشاهدوا عظمة مصر وتاريخها لينقلوا الصورة كاملة إلى بلدانهم عن «أم الدنيا» تاريخها، حضارتها، نيلها، موقعها الجغرافى المتميز، شعبها الكريم المضياف.انطلقت الباخرة ظهر الخميس الماضى، من مرسى نادى الشاطئ بحى المعادى، تحتضن مياه النيل تجاه جنوب مصر، ومع تحركها كانت انطلاقة الوفود العربية والأفريقية المشاركة، ليعبر كل منهم عما بداخله من حب عميق لأرض مصر ونيلها، بين تعارف والتقاط للصور التذكارية منذ اللحظة الأولى، صاحبه تفاعل أبهرنى قبل أن يبهر الوفود من الأطفال على ضفتى النيل، فكلما مررنا ببلدة أو قرية قابعة على ضفافه، تعالت أصوات الهتافات والصافرات، ممزوجة بكلمة hello، التى تتداخل مع صرخاتهم المرحبة وهم يجرون بمحاذاة النيل وكأنهم لا يريدون أن تمر الباخرة من أمامهم، وكأنهم يريدونها أن تحل بمن عليها فى ضيافتهم.أقل ما يُقال عن هذا الترحاب الطفولى التلقائى إنه مُشرف ومصدر فخر لنا كمصريين، كنا وما زلنا نرى أعين شباب الدول العربية والأفريقية تلمع كلما مررنا ببلدة على جانبى النيل، لهذا لم يخل سطح الباخرة من مستقليه منذ انطلاق الرحلة، وكأنها نوبات حراسة للباخرة وهى تشق طريقها صوب الجنوب، المدهش والمُحير فى الأمر أننا كلما أبحرنا جنوبًا كان الاستقبال أكثر حفاوة وأكثر تنظيمًا، فهتافات الأطفال وانفعالاتهم فى قرى محافظة المنيا يختلف تماما عنه فى محافظة الأقصر، وهذا الأمر فى اعتقادى يعكس الصورة الذهنية الراسخة لدى أطفال فى عمر الزهور عن معنى السياحة والوفود الأجنبية وقيمة الرحلات النيلية، وطبيعة الترحاب بالغرباء والتعامل معهم، وهذا الأمر يتكامل بشكل لا إرادى مع برنامج السفينة الذى يحمل شعار «حلم واحد.. هدف واحد»، ليعبر عن الغاية والهدف من الرحلة التى يرعاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتأتى ضمن فعاليات مبادرة «القاهرة عاصمة الشباب العربى والأفريقى 2018»، ليؤكد أن مصر كانت وستظل حاضنة لجميع الدول العربية والأفريقية، بثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، وأننا كما كنّا قديمًا مصدر إلهام لمن حولنا من دول العالم، ويحذو الجميع حذونا، سنظل على الطريق لنصل بقوة الثقافة والفن وكل قوانا الناعمة إلى عمقنا العربى والأفريقي، ولك أن تتخيل أن صور الوفود المشاركة فى الرحلة التى تمتد لعشرة أيام وتختتم فعالياتها غدًا السبت، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى منذ اليوم الأول بسرعة الضوء، نعم إنه ضوء الحضارة التى لم تحجبها الجغرافيا أو المكان، فكل منهم بادر بنشر صوره مع الأصدقاء الجدد الذين تعرّف عليهم، سواء خلال زيارات المواقع الأثرية فى كل محطة من محطات الباخرة، أو خلال الأيام الوطنية لكل دولة من الدول المشاركة، والتى تقدم أثناءها تعريفًا بتراثها وتاريخها وحضارتها، وأهم ما يميزها من عادات وتقاليد وملبس وطعام، لتنهال عليهم التعليقات مُسبّحة بجمال مصر وروعة نيلها، وأصالة حضارتها، متمنين أن تُتاح لهم الفرصة ليلحقوا بالركب، وأن يكون لهم نصيب يومًا ليكونوا حيث يستمتع الآن أصدقاؤهم وذووهم، وإنها لرسالة عظيمة ومدعاة للفخر، والعزة، تدفع كل منّا ليرفع هامته عاليًا وهو يقول أنا مصري، وعلى أرض مصر ما يستحق الحياة.
مشاركة :