عبدالله البردوني.. عبقرية الرؤية بالبصيرة

  • 9/7/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دبي: محمدو لحبيب انطلقت في مؤسسة العويس الثقافية في دبي، أمس الأول، الندوة الأدبية الموسعة عن الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني، والتي تقام على مدار يومين تحت عنوان: «البردوني الشاعر البصير»، بحضور عبد الحميد أحمد، أمين عام مؤسسة العويس الثقافية، ومحمد صالح القطيش، القنصل العام للجمهورية اليمنية في دبي، والدكتور محمد عبدالله المطوع، والدكتورة فاطمة الصايغ عضوي مجلس الأمناء في المؤسسة، ولفيف من الأدباء والمثقفين من داخل وخارج الدولة.وضمت الأمسية جلستان، أدار أولاهما الدكتور عمر عبد العزيز، وشارك فيها كل من الدكتور همدان دماج، بورقة نقدية بعنوان: «حياة البردوني وتعدد السمات الأسلوبية في شعره»، والروائي والناقد فيصل خرتش، بدراسة بعنوان: «حياة وشعر عبدالله البردوني». وتحدث عمر عبد العزيز عن البردوني ووصفه بالقامة الشعرية السامقة، التي جمعت إلى جانب الشعر قدرة حكائية وسردية متميزة، ثم قدم دماج ورقته، وقال فيها: «عاش البردوني حياة فريدة، غنية بالتجارب والأحداث، متمردة على بؤس الواقع وظلم الحكام، ومترعة بالأحزان والآمال على حد سواء، وهكذا كان شعره أيضاً فريداً غنياً، مُحلّقاً في سماوات الإنسانية وعذاباتها، ومتمرداً على المألوف الشعري، فلم يرحل عن الدنيا إلا وقد وضع بصمته الخاصة في ديوان الشعر العربي، وأصبح أحد أهم وأشهر شعراء العربية في القرن العشرين».وبيّن دماج أن ورقته تحاول أن تقدم قراءة بانورامية لبعض جوانب حياة البردوني، وخاصة طفولته، وعلاقته بالهم الاجتماعي والسياسي في اليمن والوطن العربي، إلى جانب تسليط الضوء على بعض السمات الأسلوبية والحداثية المميزة لتجربته الشعرية الغزيرة، بما في ذلك توظيفه للسرد بتقنياته وأدواته المختلفة، واستخدامه المكثف للمفارقات والسخرية والأسئلة المتكررة، ورؤيته الشعرية الخاصة والحداثية للشكل والمضمون.كما استعرض دماج نماذج من خلال تناوله لطفولة البردوني، ومن خلال تعامله مع العمى ومدى عبقرية الرؤية بالبصيرة، التي تولدت لديه من تلك الفاجعة، ثم تناول السمات الأسلوبية في شعره، وحلل الفضاء السردي وتكرر الأسئلة فيه، والمفارقات الشعرية التي توجد فيه كذلك.أما فيصل خرتش فاستهل ورقته بالقول: «كل من يتناول فرضية تبدل الأزمان وخلود المبدعين، وتقنيات ما أبدعوه، لا يمكنه أن ينسى الشاعر اليمني والناقد والمؤرخ: عبد الله البردوني». وقدم خرتش بعد ذلك محطات حياة البردوني بداية من طفولته، وأشار إلى ملامح تجربته الشعرية، وبيّن أنه كان يسعى دوماً إلى إنسانية جديدة تنبع من التجربة الحياتية، وليست متجمدة في نصوص متحجرة، وكان يعتبر الشعر سلاح الفقراء في ليل الجهل والتخلف، وكان يكره أدعياء الشعر ويعتبرهم أعداء الحياة.أما الجلسة الثانية فأدارتها الكاتبة بدرية الشامسي، وشارك فيها الدكتور شهاب غانم بورقة بعنوان: «الحس الفكاهي في شعر البردوني: قصيدتان عن اللصوص نموذجاً»، والشاعر والناقد الدكتور علي جعفر العلاق بورقة بعنوان: «في لطائف القصيدة البردونية».وتحدث غانم في ورقته عن الحس الفكاهي في شعر البردوني، وتناول كمثال على ذلك، قصيدتان عن اللصوص، وقال: «البردوني نجح في تطويع القصيدة البيتية للتعبير عن خلجات قلبه، وهموم شعبه وأمته، كما استطاع أن يطور أسلوباً خاصاً به في قصائده السياسية والاجتماعية، بل حتى في قصائده الذاتية، بحيث يستطيع القارئ المطلع أن يميز قصائد البردوني من قصائد غيره من الشعراء، حتى لو لم تكن مذيلة باسمه، وأحد خصائص ذلك الأسلوب روحه الفكاهية، وسخريته الظريفة واللاذعة».أما العلاق فتحدث عن بدايات اكتشاف العراقيين للشاعر البردوني في الدورة الأولى لمهرجان أبي تمام في الموصل عام 1971، وشرح حيثيات ذلك الاكتشاف وسحره بالنسبة له قائلاً: «حين نودي على البردوني لحظتها تلفّتَ بعضنا، أكثر من مرة، كي يمكنه رؤية الشاعر بوضوح، وهو يمر بين الجمهور المحتشد، اسمٌ لم يكن ذائعاً بين الناس، مقارنة بالضيوف النجوم من الشعراء، صعد إلى المنصة مجرداً إلا من ذاته، دونما شهرة ضافية أوأناقة مهيبة، ليس إلاّ وجه عبث به الجُدَريّ، وحجم بالغ الضآلة، وعينان مطفأتان، وقف أمام جمهور بعضه غير آبهٍ بما يرى، وبعضه الآخر لم يدرك بعد الشأن الشعريّ لهذا القادم الجديد، حدق الشاعر في ظلام دامس، وكأنه يتشمّمُ هواء القاعة بذكاء وخبرة، ويستنهض موهبة لم يكتشف أحد خطرها حتى تلك اللحظة، فجأة اندلع من القمقم المظلم جنّي كفيف، متوقد البصيرة، حاد النبرة، ليندفع في اتجاه جمهور بدا مأخوذاً من هول المفاجأة، وهو يصغي إلى وابلٍ من مطر الكلام النادر، الجارف، المقتدر».واستعرض العلاق بعد ذلك بعض سمات ولطائف القصيدة عند البردوني من حيث إيقاعها ووزنها وقافيتها، وقال: «يتجلى الموقف الشعري من العالم، لدى البردوني، بطرق شتى. والعالم أمامه عرضة لكل ما يقدح به مزاجه العاصف، الشكاك، المتمرد، الساخر، الغاضب، الحزين، ومع ذلك يظل مزاجه العبثي الساخر، هو المهيمن على الكثير من الكل الشعريّ الذي يكتبه».وفي ختام الأمسية وقع الدكتور همدان دماج كتاب «وجع السكوت»، وهو قصائد مختارة من شعر عبدالله البردوني، وأشار في مقدمة الكتاب إلى أن عملية انتقاء مختارات من بحر الإبداع البردوني الزاخر بالجواهر الشعرية، والذي يحتوي أكثر من 400 قصيدة منشورة، لم يكن بالأمر السهل أبداً.ويأتي نشر الكتاب ضمن مشروع مؤسسة العويس الثقافية، الهادف إلى تزويد المكتبة العربية بكتاب نفد من المكتبات لكل فائز بالجائزة، حيث تعاد طباعته وفق معايير حديثة، وقد ضم 55 قصيدة متعددة التوجهات، وتصدرت الغلاف صورة البردوني بريشة الفنان علي المعمار.

مشاركة :