في أحد أيام الأسبوع الأخير من شهر أغسطس 2018، ذهبت إلى السوق المركزي بالمنامة لشراء بعض احتياجات الأسرة من الفواكه والخضروات والأسماك، وقد تميز ذلك اليوم بارتفاع درجة حرارة الطقس وارتفاع مستوى الرطوبة، بنسبة عالية جداً، وفي أثناء تجوالي بين سوق الفواكه والخضروات وسوق السمك، أحسست بالإنهاك والتعب من شدة حرارة الجو والرطوبة، ما زادني ألماً وتعباً هو ذلك الشيخ الكبير الذي يتجاوز عمره الـ70 عاماً، الذي وقف بمحاذاتي وهو يقول بصوت ضعيف لا يكاد أن يسمع في وسط الضجيج الذي يحدثه الباعة والمشترون في مثل هذه الأماكن، هل تبغي حمالي؟.. نظرت إليه وإذا هو رجل طاعن في السن، يمسك بيده عربة يجرها بصعوبة بالغة، وقد تبللت ملابسه بعرق بدنه، ومن غير مبالغة في تلك اللحظة أحسست بالخجل من نفسي لم أشعر به من قبل، وبدأت التساؤلات تتزاحم في ذهني، هل ألبي طلبه وأجعله يصحبني بعربته في كل أقسام السوق المترامية الأطراف وهو بهذا السن الكبير؟ وأنا أعلم يقيناً أن ذلك سيجهده كثيراً، أو هل أعرض عليه مبلغاً بسيطاً من المال وأعفيه من حمل مشترياته؟ رأيت أن أمد عليه ديناراً واحداً من دون مقابل، ولما قمت بما فكرت فيه، رأيته يرفض بشدة استلامها، وهو يقول لم أتحمل صعوبة الحر إلا من أجل أن لا أمد يدي لأحد من الناس، أعطني إياه بعد تقديمي الخدمة إليك، قلت له يا حجي لا تظن أنها صدقة، هذه هدية من عندي إليك، مع كل المبررات لم يقبلها إلا إذا قدم لي خدماته وحمل احتياجاتي كلها، رأيت أنني ليس لي مفر إلا النزول تحت رغبته، ولكن قلت في نفسي بشرط أن أساعده في حمل الحاجات على العربة وجرها معه.وعندما هممت بمساعدته، قال لي يا ولدي لا تحمل همي، فأنا لولا العفة والكرامة لما عملت في هذه الشغلة المتعبة، فرأيت في ذلك اليوم أن أختصر مشترياتي بنسبة 70% لكي لا أجرح شعوره ولا أكون سبباً في إجهاده، ما أردت قوله للجهات المعنية في البلاد، والتي تحمل على عاتقها توفير الحياة الكريمة لكبار السن، أن يلتفت إلى هؤلاء الشيبة الذين يعملون في السوق المركزي بالمنامة وغيرها من أماكن التسوق إن وجدت، فهم يعدون على أصابع اليد، ليسوا بالعدد الكبير، فلو أعطي كل واحد منهم راتباً شهرياً رمزياً لا يقل عن 200 دينار، لن يثقل هذا المبلغ البسيط على ميزانيتها، وستسهم هذه الخطوة في رفع معنوياتهم وتحسين وضعهم المادي بنسبة معقولة، وتكون مشكورة لديهم ولأسرهم وللمجتمع. كيف لا وهي التي ساهمت في رعايتهم مادياً ومعنوياً ونفسياً، جميل لو تتحقق الجهات المعنية بهذا الشأن الإنساني ميدانياً، وتلتقي معهم وهم يقومون بهذا العمل الشاق، لتستمع إليهم وتتعرف عن قرب على ظروفهم المعيشية والأسباب التي دفعتهم للعمل وهم في هذا السن المتقدم، أملنا كبير في تحسين وضعهم المادي والمعيشي في أقرب وقت ممكن.] سلمان عبدالله
مشاركة :