شيعة لبنان على حافة الانقلاب على حزب الله

  • 9/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يتطلع عدد كبير من شيعة لبنان إلى إخراجه من سلة حزب الله، فيما يتحدث آخرون عن تحريرهم من قبضة الحزب وأسر التوظيف والاستغلال والبحث عن سبل أخرى للحياة بعيدا عن آليات الحزب المحرضة على القتل والدمار إذا توفرت، ضمن تحركات بدأت رقعتها تتوسع وأصواتها تعلو شيئا فشيئا، رافضة احتكار حزب الله للتمثيل الشيعي وتوظيفه في الانخراط في حروب المنطقة، باسم إيران، دون مراعاة تداعيات ذلك على لبنان وعلى التابعين للحزب تحديدا. بيروت - تشي تحركات في أوساط الشيعة في لبنان بوجود تحولات لافتة في مزاج البيئة الشعبية الحاضنة لحزب الله يأخذ أشكالا متعددة وأعراضا علنية باتت نافرة. وكشفت الانتخابات النيابية التي جرت في لبنان في مايو الماضي عن واجهات متقدمة في التصدي للوائح حزب الله ومواجهة سطوة الحزب داخل القرى والمدن التي لطالما اعتبرت مستسلمة لخطاب الحزب وزعيمه. ويرصد باحثون في شؤون الشيعة تغييرات من قبيل تآكل متصاعد في ما أطلق عليه في السنوات السابقة اسم “جمهور المقاومة” بحزب الله، وإن لم يرق بعد إلى درجة الانفصال التام عن مسار الحزب و صيرورته. ويشير الباحثون إلى أن وقائع الاعتراض باتت ظاهرة وتعزز من مواقع شرائح ونخب شيعية اختارت منذ سنوات معارضة حزب الله داخل الطائفة، على الرغم من الهيمنة العقائدية الهائلة التي كان يحظى بها الحزب لدى شيعة لبنان وعلى الرغم من قوة الردع الهائلة التي يمتلكها ضد معارضيه. حارث سليمان: حزب الله أوهم الشيعة في لبنان بأنهم في قلعة مغلقة حارث سليمان: حزب الله أوهم الشيعة في لبنان بأنهم في قلعة مغلقة ومن بين من رصد هذا التململ الأكاديمي والسياسي د. حارث سليمان، الذي يقول في تصريح لـ”العرب” “سقطت صورة سوبرمان وصورة قلعة إسبرطة. أراد حزب الله تصوير الشيعة على أنهم في قلعة مغلقة لا يصيبها جوع أو ألم، ولا تهمه الدنيا بل منذور لطاعة الفقيه الذي يؤمن له جنة موعودة، لكن ظهر بشر عاديون لهم حاجات وأحلام دنيوية، يطمحون لمدرسة تعلمهم، ويتألمون من مرض يصيبهم، ويحتاجون إلى مستشفى لمعالجتهم، يريدون فرص عمل ويأخذون أجورا تقيهم العوز وتؤمن لهم عيشا كريما، ولا يأمنون لرواتب تأتيهم من مال إيراني”. ورأى مراقبون أن جرأة الناس على الجهر بالتذمر والتبرم، تعود إلى سقوط الهالة الأخلاقية لحزب الله التي راكمها لدى عامة الشيعة خلال السنوات التي تفرغ فيها بشكل كامل لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. وانعطف الخطاب الثوري للحزب منذ نشأته على خطاب ديني فقهي حسيني، خلط السياسي بالديني، على نحو كرس ثقافة الشهادة والموت لدى بيئة الحزب، وهو أمر كان الحزب يحتاج إليه لإضفاء “شرعية إلهية” على خياراته، وللنهل مما يوفره الخزان البشري للشيعة في لبنان من قوى يحتاج إليها ضمن ورَشه العسكرية والأمنية والاجتماعية في المناطق الشيعية في لبنان. وتقرّ وجوه شيعية معارضة بأن انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000 عزز موقع حزب الله لدى شيعة البلد وحولهم إلى جمهور طيّع مدجّن ومؤمن بخطاب الحزب وخياراته وقياداته. ويلفت هؤلاء إلى أن حزب الله، و بالاستناد إلى خطاب “المقاومة” وربطه بتاريخ الشيعة وبمقتل الحسين بن علي في كربلاء، ربط مسار الحزب بمسار الرواية الشيعية التراثية برمّتها. السيد محمد علي الحسيني: تململ الشيعة يعود إلى الحروب المتتالية التي خاضها حزب الله السيد محمد علي الحسيني: تململ الشيعة يعود إلى الحروب المتتالية التي خاضها حزب الله يعتبر أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان د. محمد علي الحسيني أن أسباب تململ الشيعة تعود إلى “الحروب المتتالية التي خاضها حزب الله ضد إسرائيل وإلى جانب بشار الأسد ويدفع الشيعة أثمانها الباهظة في البشر والحجر، إضافة إلى حملة العداء التي يشنها الحزب ضد دول الخليج والتي أثرت سلبا على الوجود الشيعي في كل الدول العربية والعالم وخصوصا في الخليج”. وكان مشتغلون على الدراسات الاجتماعية المتعلقة بعلاقة الشيعة في لبنان بحزب الله أثاروا منذ سنوات مسألة دور المال السياسي في “شراء” ولاء الشيعة وطاعتهم، مع الإقرار في الوقت عينه بأن مسألة المال هي عامل مساعد لكنها لا تختصر تلك العلاقة الحميمية التي ربطت الوعي الجمعي الشيعي في البلد بالحزب ووجوده. ويقول الباحث د. مهند الحاج علي، في تصريح لـ”العرب”، إن الحزب عمل منذ نهاية الحرب الأهلية “على تعزيز وجوده الخدماتي في المناطق الشيعية اللبنانية من خلال مجموعة مؤسسات تُغطي القطاعات الصحية والتعليمية والإنمائية والاجتماعية وحتى المالية منها عبر القروض الميسرة”. بدوره يعتبر الصحافي والكاتب عماد قميحة، الذي خاض الانتخابات النيابية الأخيرة على لوائح معارضة للحزب، “أن حزب الله بإمكانياته المالية الضخمة ساهم إلى حدّ بعيد في إفساد الحياة الحزبية في لبنان، بحيث تحوّل العمل الحزبي إلى وظيفة منتجة يعتاش منها الحزبي، وقضى على أي أثر لما كان يُسمى بالتطوّع الحزبي الذي كان سائدا قبله في معظم الأحزاب اللبنانية”. وفي معرض الحديث عن تصدع العامل المالي، يرى السيد الحسيني أنه “حتى الجمهور المقرب جدا من حزب الله والذي كان يستفيد من خدماته المالية وتقديمات وأعمال المؤسسات التابعة له، بات يعاني من شح الأموال المتوفرة لحزب الله نتيجة إنفاقه العسكري المتزايد ونتيجة نقص الإمدادات الإيرانية له، وقد لوحظ أن الحزب بات ينظم حملات جمع تبرعات من الجمهور الذي لا يملك أصلا ما يقتات به”. ثمن باهظ القاعدة الشبابية لحزب الله تتراجع القاعدة الشبابية لحزب الله تتراجع في شأن العلاقة بين المال والجمهور يروي أحد كبار رجال الدين الشيعة المعارضين لحزب الله، أنه بعد حرب عام 2006 توجه إلى زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مستنكرا ما سببته تلك الحرب من ويلات للطائفة الشيعية في الجنوب، ناقلا غضب الناس وتململهم من الثمن الذي يدفعونه بسبب خيارات حزب الله. ويضيف رجل الدين أن بري طمأنه بأن الناس سيهدأون حين يتم ضخ المال لتعويضهم. ويخلص إلى أن هذا فعلا ما حصل، وهذا ما أسكت الناس بعد أن هجروا مدنهم وقراهم وعادوا ليكتشفوا دمار بيوتهم الذي يضاف إلى الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في مناطقهم. وتؤكد مصادر شيعية منشقة عن حزب الله أن الحزب كان يدرك جيدا أهمية العامل المالي الذي قد تتجاوز قوّته أحيانا العامل العقائدي للتأكد من ولاء الجمهور وطاعته. منى فياض: الجمهور المحسوب على حزب الله يخاف من الآخر اللبناني والعربي منى فياض: الجمهور المحسوب على حزب الله يخاف من الآخر اللبناني والعربي وقالت هذه المصادر إن الحزب ربط البيئة الشيعية بخطاب مذهبي شيعي لا يتيح للشيعة في لبنان بديلا آخر للتعبير عن هوية الطائفة، وربط الشيعة الموالين بما تقرره قيادة الجمهورية الإسلامية، وجاهر وأكد على أن دعم شيعة لبنان في السياسة والمال والدين والعقيدة هو من إيران. وبناء على هذه الاستراتيجية خرج الأمين العام للحزب حسن نصرالله للتأكيد على بنيوية العلاقة بين الحزب وطهران وتبعيته الكاملة للولي الفقيه هناك، وأن مال الحزب وسلاحه وعتاده ورواتب المقاتلين… تأتي من إيران. ويلفت بعض المراقبين إلى أن أعراض الاعتراض الحالي هي وليدة مخاض صعب عاشته “بيئة المقاومة” وجمهورها بعد انخراط الحزب في الحرب السورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد. وعلى الرغم من دعم هذا الجمهور لخطاب نصرالله الذي برر تدخل الحزب تارة لحماية المراقد الشيعية وتارة لهزم التكفيريين وأخرى حمايةً للشيعة في لبنان، إلا أن هذا الجمهور ذاق بصعوبة ما حوته الكأس من مرارة وتعايش بصعوبة مع مسار جديد يأخذ حزب الله الشيعة إليه، على نحو يتناقض تماما مع “الرسالة الجهادية” التي كانوا يفخرون بها في القتال ضد المحتل في بلادهم. وترى بعض المنابر الشيعية أن حالات الاعتراض الحالية هي جانب متقدم من جدل شيعي-شيعي بقي داخل البيوت ولم يخرج إلى العلن خلال سنوات الحرب السورية، وأن الداخل الشيعي لم يعد يحتمل حالة الانهيار الأخلاقي التي سببتها تلك الحرب والتي حملت إلى جدرانهم صور قتلى باتوا قدر كل العائلات الشيعية في لبنان. وينعطف السقوط الأخلاقي السياسي على بروز مظاهر الإثراء والمحسوبية والفساد التي ظهرت داخل صفوف الحزب، على نحو بات فيه العامة يتساءلون عن وجاهة أن يدفع أبناؤهم ثمن المقتلة في سوريا ولا يدفعها أبناء القادة والمسؤولين وكبار وجهاء الحزب. وترصد الباحثة د. منى فياض هذا الأمر وتقول لـ”العرب” إن الحزب “انكشف تماما مقارنة بالفترة التي نجح فيها بالاختباء خلف ستار المقاومة”. واعتبرت فياض أن “الوضع الإيراني المتأزم المحتاج إلى إعلان احتلاله للبنان والعواصم العربية يحرجه حتى أمام جمهوره الواسع”. ولفتت فياض إلى “ازدواجية الحزب في لبنان وتجاه جمهوره، الذي ألّبه ضد الدولة وغطى جميع أعماله الخارجة عن القانون، ولم يقدم له سوى الحروب والتردي الاجتماعي والاقتصادي، ويريد أن يرفع المسؤولية عنه ويرمي المشكلة على الدولة، في حين يعرف هذا الجمهور، المستقوي به أصلا، أنه هو الدولة”. وتضيف أن “الصورة تتوضح الآن وترتفع المزيد من الأصوات لتحميله مسؤولية فقرها وانسداد أفقها، حتى حديثه عن مقاتلي داعش انكشف بعد نقلهم بالباصات المكيفة”. ورأت أن “الخطاب المذهبي الفاضح والتخبط في خطاب نصرالله والحزب عموما تعبير عن ارتباك كبير سيزداد مع الانهيار المالي في إيران”. راجع ولكن...

مشاركة :