حَلَّ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ضيفا شرفيا على مؤتمر السفراء الذي عقد الشهر الماضي في أنقرة. وفي حين كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يجيب عن أسئلة الصحافيين المتعلقة بإدلب في مؤتمر مشترك تطرق إلى المدنيين الموجودين في المدينة قائلا “إن عملية عسكرية شاملة يتم تنفيذها دون التمييز بين المدنيين والمعارضين المعتدلين والإرهابيين المتطرفين ستتسبب في كارثة إنسانية”، بينما اكتفى الوزير الروسي بقوله إنه يجب أن يتم تطهير إدلب من الإرهابيين. بعد لقاء أنقرة، ذهب جاويش أوغلو إلى موسكو، وتبعه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ومستشار جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان. عقب هذا اللقاء، أدرج المرسوم الرئاسي الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 أغسطس 2018 هيئة تحرير الشام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وذلك إثر صدور قرار يقضي باعتبار كل تنظيم رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات في مباحثات أستانا منظمة إرهابية. ويتضح من المرسوم الأخير المنشور في الجريدة الرسمية أن أردوغان وقّع في 29 أغسطس قرار إدراج تنظيم هيئة تحرير الشام المسيطر في إدلب ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية. بعبارة أخرى تم التوقيع على هذا المرسوم مباشرة عقب استقبال بوتين كلًّا من جاويش أوغلو وأكار وفيدان في الكرملين بروسيا، وبعد المباحثات التي أجراها هؤلاء المسؤولون الأتراك مع نظرائهم الروس هناك تم إدراج تنظيم هيئة تحرير الشام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية. من الممكن التعليق على هذا التطور بأنه “تم وبشكل واضح إبلاغ تركيا العزم على تنفيذ العملية العسكرية”، وأن روسيا وإدارة الأسد المدعومة منها لم تقبلا بطرح “التمييز بين المعارضين المعتدلين، والمتمردين والإرهابيين” الذي دائما ما كرره أردوغان وجاويش أوغلو من أجل تأجيل تنفيذ تلك العملية العسكرية في إدلب. ومن المؤكد أن المسؤولين الروس وجهوا إلى نظرائهم الأتراك أسئلة تتعلق بالسبب الذي دفع تركيا -ومن ورائها القوات المسلحة التركية- إلى ألا تميز منذ عامين وحتى اليوم بين العناصر المعتدلة والعناصر المتطرفة في إدلب التي كانت في عهدة القوات المسلحة التركية، ولماذا لم تعلن حتى الآن تنظيم هيئة تحرير الشام تنظيما إرهابيا؟ مما أدى إلى إدراج تنظيم هيئة تحرير الشام ضمن قائمة الإرهاب عقب مباحثات موسكو مباشرة. وكانت تركيا تسعى إلى إعادة هيكلة تنظيم أحرار الشام، الذي كانت تدعمه بالتعاون مع قطر، ولكنه اضطر إلى الانسحاب إلى المناطق الريفية منهزما أمام هيئة تحرير الشام، وبعض المجموعات السنية المعتدلة تحت اسم الجيش السوري الوطني في إدلب. غير أن إسراع روسيا وإدارة الأسد في تنفيذ العملية العسكرية قد عطل هذا المشروع. وكان تنظيم أحرار الشام أعلن في أغسطس الماضي أنه أسس الجبهة الوطنية للتحرير بالتعاون مع عدد كبير من المجموعات السنية السلفية على اختلاف أحجامها. ويقال إن عدد الميليشيات التابعة للجبهة الوطنية للتحرير متعددة الفصائل يتراوح ما بين 60 و70 ألفا. هذا بينما ورد أن إدارة الأسد تتابع عن كثب هذه المحاولات التركية الجارية في إدلب وأنها أبلغت روسيا بها وطلبت منها تحذير تركيا وذُكر أن تنفيذ العملية العسكرية في إدلب قد تم تقديمه لهذا السبب. وترى سوريا وروسيا أن وراء جهود تركيا لتأجيل العملية العسكرية تكمن فكرة كسب المزيد من الوقت بهدف تنفيذ وتفعيل هذا الكيان الجديد الشبيه بالجيش السوري الحر الذي تسعى تركيا لتكوينه في إدلب. في هذا الإطار يتضح أن الجبهة الوطنية للتحرير تقع ضمن أهداف العملية العسكرية الروسية السورية في إدلب. وبهذا المرسوم الذي وقع عليه أردوغان يكون قد اضطر إلى التصديق على العملية العسكرية في إدلب، “وأضفى الطابع الرسمي” على المعركة التي ستتم تحت مبرر “التصدي للمنظمات الإرهابية وتطهير المدينة من الإرهابيين”. وبناء على هذه التطورات يكون قد تم تعليق مشروع تشكيل الجيش الوطني السوري. ومن الواضح أن الدعوة التي وجهها وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتين في الكرملين من أن “الرئيس رجب طيب أردوغان في انتظاركم لتناول السمك معه في البوسفور” قد فشلت في تليين الموقف الروسي. انطلاقا من هذا ينبغي ألا يُستغرب أن يلتقي أردوغان بالأسد، ويجلس معه إلى طاولة المفاوضات لاحقا، وأن أول نتيجة ملموسة لإصرار بوتين على إجبار أردوغان على التباحث مع الأسد وضغطه عليه في هذا الاتجاه هي أن الرئيس التركي ظل على مدى ثلاث سنوات يصر على عدم إدراج تنظيم هيئة تحرير الشام، الذي أعلنه النظام السوري الأسد تنظيما إرهابيا، ضمن قائمة الإرهاب ثم تراجع بعد ذلك عن قراره بتوقيعه على ذلك المرسوم، وبذلك يكون قد اتفق هو والأسد على هذه النقطة. ويكشف تسريع القوات المسلحة التركية في الأيام الأخيرة إرسال الجنود والعربات المدرعة إلى الحدود عن أن روسيا قالت الكلمة الأخيرة، وأن طلب جاويش أوغلو وأكار وفيدان تأجيل العملية قد قوبل بالرفض من جانبها، وأن هناك محاولة لاتخاذ إجراءات عاجلة على الحدود في مواجهة موجة الهجرة المحتملة أثناء تنفيذ العملية العسكرية التي سيبدؤها الجيش السوري النظامي بدعم من روسيا. ومن المحتمل أن تقوم قوات الأسد بدفع موجة الهجرة التي قد تندلع في المدينة بسبب عملية إدلب العسكرية إلى كل من هطاي في الشمال وعفرين الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر. وفي كلتا الحالتين سوف تواجه تركيا مشكلة إنسانية خطيرة الأبعاد وتدفقا كبيرا للاجئين. وإلى جانب المساومات والمفاوضات الصعبة إلى حد كبير، فإن قمة أردوغان-بوتين-روحاني التي تعقد في طهران (7 سبتمبر) ستكون بمثابة توثيق لانتصار الأسد، حتى وإن كان إقرار الرئيس التركي بهذا وتقبله له أمرا صعبا.
مشاركة :