عودة الصراع المسلح للسيطرة على العاصمة طرابلس

  • 9/7/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تدهور الأوضاع الأمنية بأكثر حدة في ليبيا وخاصة في طرابلس العاصمة فجأة في الأسبوعين الماضيين من خلال عودة الاقتتال والاشتباكات المسلحة بين الميليشيات المختلفة والتي يتجاوز عددها حالياً ٣٠٠ ميليشيا متحالفة مع عصابات التهريب والجريمة والاتجار بالبشر وجماعات الإرهاب الدولي ومافيات المال والسلاح والمخدرات. وليس من باب الصدفة عودة ليبيا إلى مربع العنف بشدة في هذا الوقت بالذات وسط تداخل وتعقيدات المصالح والأجندات الخارجية المتصارعة على الكعكة الليبية والتي أغرقت البلد في الفوضى الكاملة طيلة السبع سنوات الماضية، ذلك أنه كلما ظهرت بارقة أمل مبشرة بحل سياسي للأزمة الليبية بدعم من الأمم المتحدة ودول الجوار نرى العراقيل تتربص به من كل جانب، وكأن القدر حكم على ليبيا أنها تبقى هكذا مجزأة ومقسمة بين سماسرة الحرب الأهلية وتجار الدم، حالمة بالأمن والاستقرار المفقودين، فمنذ مؤتمر باريس بين الأطراف الليبية الفاعلة في المهد الليبي في شهر مايو الماضي، والذي اتفق المشاركون فيه على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في شهر ديسمبر القادم، نرى قوى دولية وإقليمية وداخلية تتحرك لإفشال الحل السياسي وإجهاض الانتخابات المنتظرة رغم أنه وقع تسجيل تقدم في الإعداد لهذه الانتخابات التي تضافرت عوامل كثيرة على ضربها قبل أوانها. وقد نزلت إيطاليا بكل ثقلها لمنع تنظيم الانتخابات في صراع مكشوف وعلني مع فرنسا المتمسكة بضرورة أن تجرى الانتخابات في موعدها بدعم وحرص مباشر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرح مؤخراً في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا قائلاً: «إن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في ليبيا»، وقال: أؤمن بعمق بإعادة السيادة الليبية وبوحدة البلاد، واعتبر ماكرون أن ذلك عنصر أساسي لإرساء الاستقرار في المنطقة، وبالتالي لمكافحة جميع الإرهابيين والمهربين. وأضاف: في هذا البلد الذي أصبح مسرحاً لكل المصالح الخارجية، دورنا هو النجاح في تطبيق اتفاق باريس. وفي المقابل تعددت تصريحات المسؤولين الإيطاليين المعادية لفرنسا وجهودها من أجل إقامة انتخابات في ليبيا، والرافضة لهذه الانتخابات.. في ذلك قال غوليلموبيكي وكيل وزارة الشؤون الخارجية الإيطالي منتقداً الرئيس ماكرون والموقف الفرنسيك أن دعوة ماكرون لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ليبية هي ببساطة غير واقعية خاصة أن العاصمة طرابلس تشهد اشتباكات.. وهذا موقف إيطالي واضح وصريح برفض الانتخابات، لأن إيطاليا هي المستفيدة من الفوضى التي تعيشها ليبيا على مدى السنوات الماضية. إذن، في ظل عودة ليبيا إلى مربع العنف المتصاعد وخروج مدينة طرابلس العاصمة عن سيطرة حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها «فائز السراج» بسبب سطوة الميليشيات عليها أصبح من المستحيل أن تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية في الحاضر من شهر ديسمبر المقبل حسب اتفاق باريس، خاصة وأن الاشتباكات الأخيرة كانت نتائجها قاسية جداً من حيث سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وهروب الكثير من الأسر الليبية إلى الحدود مع تونس. في الأثناء يقف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عاجزاً خارج اللعبة أمام تعقيدات الوضع وتطوراته وخطورة مفاجآته رغم ما قام به من محاولات جادة ومساع حميدة لتحقيق مصالحة شاملة بين القوى السياسية المتنازعة والقبائل المتنافسة في مختلف المناطق الليبية خلال عام كامل من مهمته.. ويجد غسان سلامة أن الأحداث الدامية تتجاوزه وتضعه في نفس مصير سابقيه من المبعوثين الأمميين، ولكنه يحاول أن يقوم بدور رجل المطافئ. وواضح من دلالات تطورات الأحداث الخطيرة في ليبيا أن هدف الميليشيات ومن وراءها الاستئثار بطرابلس العاصمة، فعلى سبيل المثال قال السياسي الليبي الدكتور جبريل العبيدي: «تحرير العاصمة الليبية طرابلس من تنظيم الإخوان المسلمين يعني تحرير ليبيا بالكامل وعودة الاستقرار والأمن إلى ربوع هذا البلد المنكوب، ولن يتحقق هذا إلا بمساعدة الجيش ودعمه».. وفعلاً، لن يدوم صمت الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر طويلاً، ومن المنتظر أن يحسم الجيش معركة طرابلس في الوقت المناسب كما وعد بذلك خليفة حفتر منذ مدة. وعلى صعيد آخر حذر فتحي باشاغا عضو مجلس النواب الليبي بقوله: ما نراه اليوم من انهيار الوضع الأمني في طرابلس هو حلقة من سلسلة فشل السلطات الحاكمة صورياً والخاضعة لهيمنة الميليشيات وتقويض دور مؤسستي الجيش والشرطة. وأكد أن الوضع مقبل على المزيد من الفوضى في حال لم تتكاتف القوى الوطنية لوضع حد لهذا الاستهتار بمصير الوطن قبل أن يتسع الحريق. أما الباحث والسياسي الليبي عبدالحكيم فنوش فيرى أن ما يجري في طرابلس هو ترجمة لانعدام إنتاج حل سياسي متوازن يُخرج البلاد من أزمتها. وقال: إن عجز الفرقاء الليبيين والمجتمع الدولي عن إنتاج هذا الحل يترجم الآن بالسلاح بعد أن نجحت الميليشيات المسلحة في ابتزاز حكومة السراج ومن معه، وتحويل السلطة إلى غنيمة، ما دفع بقية الأطراف إلى محاولة الدخول إلى العاصمة طرابلس لأخذ نصيبها. وأضاف: أخشى أن يكون هذا الحراك العسكري توطئة لحل جديد سيفرض على ليبيا من جهات خارجية يتم عبره فرض تصور جديد للسلطة لا يأخذ بعين الاعتبار موازين القوى على الأرض ويدخل ليبيا في دوامة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات. في هذا كله، ماذا ينتظر ليبيا في مستقبلها القريب والبعيد؟ يبدو أن ليبيا مقبلة على أحداث مخيفة وغامضة.. وما لم ينجح الفرقاء الليبيون بأنفسهم في التفاهم والتوافق على إخراج بلادهم من المحنة والمحرقة في أقرب وقت فإنهم جميعاً بلا استثناء ذاهبون إلى المجهول ومزيد من الفوضى والتسيب وسفك الدماء والدمار والخراب..

مشاركة :