تراجعت أسعار النفط أمس في الوقت الذي ما زالت فيه الضبابية تكتنف آفاق الطلب بسبب اضطرابات الأسواق الناشئة وتصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يكبح تعافي أسعار الخام. وأدى تراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة عملات رئيسية، إلى ارتفاع سريع في فواتير واردات كبار مستهلكي النفط في العالم. وبحسب “رويترز”، هبط خام القياس العالمي برنت في العقود الآجلة 1.36 سنت إلى 75.91 دولار للبرميل بمعدل تراجع يصل إلى 1.75 في المائة، دون ذروة الثلاثاء الماضي البالغة قرب 80 دولارا، بينما هبط الخام الأمريكي في العقود الآجلة 1.55 سنت إلى 67.19 دولار للبرميل، بنسبة تراجع تصل إلى 2.24 في المائة. وتستعد السوق لفقدان ما لا يقل عن مليون برميل يوميا من إمدادات الخام الإيراني بدءا من أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، حين تدخل عقوبات أمريكية على طهران حيز التطبيق، وارتفعت أسعار النفط 3 في المائة منذ أعلنت الحكومة الأمريكية عن العقوبات في أيار (مايو). قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أمس “إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبطت بأكثر من المتوقع الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير”. وهبطت مخزونات الخام 4.3 مليون برميل إلى 401.49 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الحادي والثلاثين من أغسطس، مسجلة أدنى مستوياتها منذ شباط (فبراير) 2015. وكان محللون قد توقعوا انخفاضا قدره 1.3 مليون برميل. وقالت إدارة معلومات الطاقة “إن مخزونات الخام في مركز تسليم العقود الآجلة في كاشينج في أوكلاهوما ارتفعت 549 ألف برميل، إلى 24.83 مليون برميل. وزاد استهلاك مصافي التكرير من النفط الخام 81 ألف برميل يوميا إلى 17.65 مليون برميل يوميا، بحسب بيانات الإدارة، بينما ارتفعت معدلات تشغيل المصافي 0.3 نقطة مئوية إلى 96.6 في المائة. وصعدت مخزونات البنزين 1.8 مليون برميل إلى 234.62 مليون برميل، في حين توقع محللون هبوطا قدره 810 آلاف برميل. وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ارتفعت 3.1 مليون برميل إلى 133.12 مليون برميل، مقابل توقعات بزيادة قدرها 742 ألف برميل. وارتفع صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي بمقدار 500 ألف برميل يوميا إلى 6.21 مليون برميل يوميا. وتتوقع منظمة البلدان المصدرة للنفط أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستوى 100 مليون برميل يوميا للمرة الأولى هذا العام. وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش آي" للخدمات النفطية، "إن نمو الطلب على النفط الخام بوتيرة أسرع من المتوقع هو مؤشر جيد وداعم للثقة بالسوق والصناعة، ويخفف حالة المخاوف الحالية الناجمة عن تأثيرات المواجهات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، الذي يتوقع كثيرون أن تضعف النمو مستقبلا". وأضاف كيندي أن "تعاون المنتجين في "أوبك" وخارجها ناجح وأعاد كثيرا من الثقة إلى السوق خاصة أن هذا التعاون سيتطور ويتخذ أشكالا أخرى أكثر فاعلية، منها الشراكة الاستثمارية وغيرها من الآليات المهمة الداعمة لتجنب تقلبات السوق". من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، جون هال مدير شركة "ألفا إنرجي" الدولية للطاقة، أنه من الضروري أن تتضافر الجهود الدولية لتجاوز حالة الضبابية وعدم اليقين الخاص بالتجارة الدولية خاصة أن هذه الصراعات قد تتسع وتكون بمنزلة عدوى تنتقل إلى دول أخرى وتهدد النمو الاقتصادي. وأشار هال إلى أن الاضطرابات في الاقتصاديات الناشئة التي حدثت أخيرا خاصة بعد انهيار العملة التركية، كانت لها تداعيات واسعة على السوق وأدت إلى انخفاض أسعار النفط الخام على الرغم من تقلصات المعروض. من ناحيته، يقول لـ "الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" للاستشارات الإدارية، "إن الطلب على الطاقة جيد ومرضٍ حتى الآن، لكن تأثيرات الصراعات التجارية قد تتضح مستقبلا، ومن ثم من الضرورى العمل على احتوائها بشكل عاجل". وأضاف موريس أن "استمرار التنسيق بين المنتجين أمر إيجابي يوفر الآلية القوية للتعامل مع المخاطر الجيوسياسية ويضمن علاقة متوازنة بين العرض والطلب خاصة في ضوء الصعوبات المتوقعة في تأمين الإمدادات النفطية من بعض الدول خلال الشهور المقبلة وبالتحديد إيران وفنزويلا". إلى ذلك، نقل تقرير "ريج زون" الدولي عن محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة "أوبك" خلال مؤتمر للطاقة في كيب تاون في جنوب إفريقيا أن هناك حاجة إلى بيئة مستقرة لتشجيع الاستثمار في صناعة النفط لتلبية الطلب المتزايد. وأضاف التقرير أن "العالم سيحقق 100 مليون برميل يوميا من الاستهلاك في وقت لاحق من هذا العام ومن ثم فإن قوى الاستقرار التي توجد ظروفا مواتية لجذب الاستثمارات ضرورية"، مشيرا إلى أن الأولوية حاليا تتركز على ضمان استمرارية الاستقرار ونشر الثقة بالصناعة النفطية وتشجيع بيئة مواتية لعودة الاستثمارات. من جانبها، أكدت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أن حصول أمينها العام محمد باركيندو على جائزة رجل النفط لعام 2018 فى إفريقيا يعكس النجاح الذي حققته المنظمة والتحولات العميقة التي أجرتها على مدار العامين الماضيين، منوهة بأن التوصل إلى "إعلان التعاون" بين "أوبك" والمستقلين يمثل تطويرا وتجديدا واسعا في أسلوب عمل المنظمة، ما سينعكس على مستقبل أفضل لصناعة النفط حول العالم. واعتبر تقرير حديث للمنظمة الدولية نقلا عن باركيندو "إننا نترجم هذه الجائزة على أنها اعتراف بالعمل الجماعي والتفاني ونكران الذات لمجموعة كبيرة من الدول المنتجة وتحديدًا الشركاء الاستراتيجيين في إعلان التعاون". ونوه التقرير بأنه ليس من قبيل الصدفة أن يحدث هذا التطور في نفس الوقت الذي تزداد فيه مشاركة إفريقيا في المنظمة، حيث اتسعت عضوية الدول الإفريقية في "أوبك" وتنامت الشراكة الاستراتيجية من خلال "إعلان التعاون". وأضاف أن "هناك شركاء أفارقة آخرين يشاركون عبر مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك حضورهم الاجتماعات الوزارية لمنظمة "أوبك". ونقل التقرير عن باركيندو تأكيده أن أحد أهم أسباب نجاح "إعلان التعاون" هو أنه اتفاق عادل وشفاف ويمكن التعبير عنه بأربع كلمات بسيطة، هي استقرار سوق النفط المستدام، ويمكن تلخيص وسائل تحقيق هذا الهدف عن طريق التعاون التطوعي بين الدول المنتجة. وأفاد التقرير أن "أوبك" تشجع جميع الدول المنتجة على التفكير في الانضمام إلي تحالف المنتجين في جهودهم للعمل في مصلحة المنتجين والمستهلكين وكذلك الاقتصاد العالمي. ولفت التقرير إلى قول باركيندو "إنه عندما بدأت رحلة "إعلان التعاون" في عام 2016، شكك كثيرون في القدرة على تحقيق الأهداف إلى حد أن البعض ظنوا أن استقرار سوق النفط سيظل هدفا بعيد المنال إلى الأبد". وكان تحالف النفط والغاز فى إفريقيا قد منح باركيندو جائزة رجل العام في إفريقيا وتم تسليمه الجائزة في حفل أقيم في مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا، وعلق باركيندو على الجائزة بالقول "نحن نقبل هذه الجائزة نيابة عن جميع تلك الدول المشاركة سواء من داخل "أوبك" أو خارجها، الذين فعلوا الكثير لتعزيز ثروات صناعتنا، وأهدي الجائزة إلى جميع العاملين الجادين الذين يمثلون تلك البلدان، ولا سيما زملائي في أمانة "أوبك"، تقديرا للعمل الرائع الذي قاموا به في العامين الماضيين". وشدد باركيندو على أنه بالنظر إلى المستقبل لن تتوقف منظمة أوبك أبدا عن الدفاع عن التعاون بين الدول، باعتبارها أفضل الحلول للتغلب على التحديات
مشاركة :