في إشارة لا تساهم في تبديد صعوبات متراكمة تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أظهر استطلاع للرأي أن نسبة مؤيّديه لا تتجاوز 23 في المئة، وهي الأدنى منذ انتخابه رئيساً قبل نحو 15 شهراً. وأشار الاستطلاع الذي أعدّه معهد «يوغوف»، إلى أن شعبية ماكرون تراجعت بمعدل 4 نقاط خلال شهر، وتجاوزت أدنى مستوى بلغته شعبية الرئيسين السابقين فرنسوا هولاند (24 في المئة) ونيكولا ساركوزي (30 في المئة). في السياق ذاته، لم يبقَ رئيس الحكومة إدوار فيليب في منأى عن هذا التراجع، إذ تدنّت شعبيته بمعدل 6 نقاط، لتقتصر على نسبة 24 في المئة من المؤيّدين. والمؤسف أيضاً في الاستطلاع، شمول التراجع أنصار حركة «الجمهورية إلى أمام» التي أسّسها ماكرون، لينضمّوا بذلك إلى مؤيّدي الوسط واليمين واليسار. كما يؤكد الاستطلاع أن البرنامج الذي اعتمده ماكرون وانتُخب رئيساً بموجبه، والقاضي ببلورة نهج جديد لا يميني ولا يساري، فَقَد قدرته على الإقناع. كما لم يعد هذا «النهج الجديد» يبدو مجدياً، في رأي معظم الفرنسيين، في معالجة ملفات يعتبرونها أولوية، مثل الحماية الاجتماعية والهجرة والبيئة. ويأتي الاستطلاع بعد تطورات سلبية أخيراً، بينها فضيحة ألكسندر بينالا، المساعد الأمني السابق لماكرون، ومواقف للرئيس أوحت بأنه متعالٍ ويزدري الفرنسيين، ما دفع كثيرين إلى إبداء خيبة وعدم اقتناع بأنه مختلف عن سواه من الطبقة السياسية، أو أنه قادر على اعتماد نهج جديد في التعامل مع مشكلات البلاد. تُضاف إلى ذلك الاستقالة المفاجئة لوزير البيئة نيكولا هولو، وهو من الشخصيات الأكثر شعبية لدى الفرنسيين، وانتقاده عدم جدية الحكومة في التعامل مع ملفات البيئة، ما عزز ريبة حيال قدرات الرئيس الشاب، ثم استقالة وزيرة الرياضة لورا فليسيل. الأكيد أن محاولات بذلها ماكرون لاستعادة المبادرة وإعادة كسب ودّ الناخبين، لم تحقق هدفها، بل استمر التململ والاستياء، وبدأت شعبية قوى سياسية «سحقها» ماكرون خلال حملته الرئاسية، تشهد انتعاشاً وارتفاعاً في نسب التأييد. ذلك كله لا يعني أن ماكرون لم ينجز شيئاً خلال السنة الأولى من عهده، اذ أنجز الكثير وفي مجالات كثيرة، اقتصادية واجتماعية وسياسية. لكن هذه الإنجازات بددت الشعور بأنه لا يميني ولا يساري، ورسخت في أوساط عدة شعوراً بأن غالبية توجهاته يمينية الطابع، وأن المصالح التي يدافع عنها هي مصالح الأغنياء أولاً. قد يكون مصدر الانطباع عدم تقديم ما يلزم من توضيح لقوانين وإجراءات معتمدة، كما يمكن أن يعود إلى تفاوت بين أمل الفرنسيين وحاجتهم إلى نتائج فورية تطاول معيشتهم اليومية، وبين إصلاحات «ماكرونية» قد لا تتضح فاعليتها إلا على المدى الطويل. وفيما يبدو تحسن الوضع المعيشي حاجة ملحة للفرنسيين، فإن ماكرون بدوره في حاجة ملحة إلى استعادة بعض من التأييد الشعبي، لمواصلة إصلاحاته وضبط الدَين العام ومكافحة الفقر والبطالة، والمضيّ في تنشيط الاقتصاد، في ظل توقعات نموّ غير مواتية.
مشاركة :