الحديث عن الشهادات المزورة والمضروبة والجامعات الوهمية خفتت حدته رغم خطورتها

  • 9/8/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الدكتور الفاضل يتحدث عن العلم والتعليم: إجحاف المعلمين حقهم سر تأخرنا.. ففي الدول المتقدمة درجة المعلم فوق درجة المهندس أساتذة الجامعات يتقاعدون في قمة عطائهم لعدم تقديرهم في خطبته ليوم الجمعة بجامع نوف النصار بمدينة عيسى أمس تحدث فضيلة الدكتور الشيخ عبدالرحمن الفاضل خطيب المسجد حول العام الهجري الجديد فقال: نستقبل عاما هجريا جديدا، وبحلول هذا العام يكون قد مضى على هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم – المباركة (1440 عاما) هذه الهجرة التي انطلقت بكلمة مفتاح العلوم (اقرأ) انطلقت بكتاب العلم الأول الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، انطلقت بالقرآن العظيم ؛ الذي أضاء العالم بنور ما اشتمل عليه من العلم، وما أودع فيه من المعارف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى العلم والتعلم، وجعله فريضة عليها فقال صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». فتبدد بالعلم ما هم فيه من ظلمة الجهالة، وانزاحت عن عقولهم غياهب العماية، وقد كانوا كالأموات في أكفان الضلالة والغواية، فأحياهم بنور العلم والهداية، يقول تعالى: «أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». كان لهذا النور الأثر البالغ في تبوء الأمة الإسلامية المكانة السامية التي بلغتها بقوة إيمانها بالله تعالى أولاً، وباهتمامها بالعلم في مختلف مجالاته وتخصصاته آخرا - بفضل من الله تعالى وتوفيقه!! وها هم أبناؤنا الطلبة بمختلف مراحلهم الدراسية ومستوياتهم التعليمية يستقبلون عاما دراسيا جديدا تزامنا مع بداية ذكرى السنة الهجرية النبوية المباركة، والتي نرجو فيها المولى -عز وجل- أن يجعله عام خير وبركة علينا وعلى بلادنا وأمتنا العربية والإسلامية جمعاء. وتثير قضية العلم والتعليم الكثير من التساؤلات المتعلقة بمكانتنا العلمية والتعليمة في الوقت الراهن بين أمم الأرض قاطبة؟ أين موقع أمتنا اليوم مما كانت عليه؟ لماذا تقدم أولئك وتخلفنا؟ لماذا لم تعد مخرجات التعليم لدينا تواكب مخرجات الآخرين؟ أسئلة تراودنا جميعا نطرحها في كل مكان نلتقي فيه، تشغل وتؤرق كل غيورعلى أمته ووطنه وأبنائه، على الرغم من أن العلم في ديننا الإسلامي العظيم يعد عبادة من أجل العبادات، فقد حثنا على طلبه، ورغّبنا في تحصيله، بما جعل لأهله من المنازل العالية، والمراتب الرفيعة السامية، بهذا جاءت نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد أبانا فضل العلم، ومكانة العلماء، يقول تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، وقوله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»، وقوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، ويقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: «.. ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» وغيرها الكثير من أدلة الكتاب والسنة. وإنه من المؤسف حقا، أنه مع كثرة المؤتمرات واللقاءات الداخلية والخارجية، وما يصدر عنها من قرارات وتصريحات تتحدث عن تطوير التعليم والعملية التعليمة، وما نشاهده من مظاهر التعليم المتمثلة في بناء المنشآت التعليمية كالمدارس والمعاهد والجامعات وغيرها؛ إلا اننا نرى دولنا تراوح في مكانها لا تبرحه، لأن تطوير الحركة التعليمية التي يعقدون الاجتماعات المكلفة ماديا من أجلها تحاكي في سرعتها جلاكة السلحفاة، ومن يقول غير ذلك فهو لا يرى، أو بالأحرى لا يشعر ولا يحس بالتطور العلمي والتعليمي المتسارع في العالم!! إن المشكلة عندنا أننا نصدق تقارير الهيئات الأممية في تصنيفها لدولنا العربية مع بعضها بعضا، وهي تصنيفات مخادعة وهمية لامصداقية لها، نحن نريد أن نقارن مع الدول المتقدمة لا دول العالم الثالث أو الرابع!! وإننا مع هذه الحركة التعليمية البطيئة جدا والتي لا تكاد تذكر ولا تقارن بحركة العالم المتقدم من حولنا كما أسلفنا القول، نرى من البعض التهويل، ونسمع التطبيل لإنجازات صورية وهمية، تشبه مسألة الشهادات المزورة المضروبة الصادرة عن الجامعات الوهمية المثارة هذه الأيام، والتي خفتت حدتها رغم خطورتها، وأهمية كشفها لأنها أحد أهم الأسباب في تردي الحالة التعليمية في البلاد العربية والإسلامية!! إننا حتى الآن لم نحقق شيئا يذكر في سباق العلم والتعليم ما نراه ونسمعه ليست إنجازات حقيقية مؤثرة تتناسب وهذه السنوات المديدة للعملية التعليمية التي مضى عليها حتى الآن (مائة عام) !! ويمكننا على ضوء ذلك التأكيد بأن هناك جمودا في العملية التعليمية، ودلائله واضحة بينة للعيان، تتمثل على الأقل في قلة الإنتاج العلمي الرصين، ولعل هذا نتيجة لانشغلنا عن طلب العلم والتعلم على أصوله في مجالات وتخصصات العلم كلها، وكذلك عدم الاهتمام بالمعلم الذي هو حجر الأساس الذي يقوم عليه صلاح أو فساد العملية التعليمية برمتها، لقد إلتهينا بالتشدق بقشور العلم الذي نحمل فنستعرضها في لقاءاتنا وواجتماعاتنا ومعارضنا التي نعقد من دون أن يعرف أكثر طلابنا ماهيتها، إننا نوهم أنفسنا، أو يوهمنا المسؤولون أنهم أصحاب إنجازات تعليمية فذة غير أنها صور وهمية لاحقيقة لها واقع الأمر!؟ إن القول الفصل الصادق الذي سيسألنا الله تعالى عنه إن لم ننبه عليه قومنا هو أننا ما زلنا في تراجع يومًا بعد يوم، ولا نقول ذلك اعتباطا ولا يأسا ولاتحبيطا للجهود التي تبذل، كما يقال من أجل الرقي بالمعلم وبالتعليم، والحقيقة التي يكشفها الحال المعاين أن هذه الجهود المزعومة تبذل في غير موضعها، ولا اتجاهها الصحيح، وذلك بناء على الواقع المشاهد، فحين ننظر إلى دول كانت خلفنا بمسافات، فأصبحت تسبقنا بسنوات ضوئية!! بعد أن أخذت بأسباب النهضة العلمية التعليمية الصحيحة التي لامحاباة فيها لقرابة، ولا مداراة فيها من أجل مصلحة خاصة، فكان اختيار المعلم يتم على أساس القدرات العلمية العالية، والكفاءة المهنية والتربوية المتميزة، وكذا إعطائه التقدير اللآئق به، والمكانة الرفيعة االمستحقة له؛ ولنكن صادقين، هل فعلت دولنا مع معلمينا وعلمائنا مثل ذلك؟! نعلم بلاشك أن العلم هو أساس نهضة الأمم وبنائها، وأن العلم هو سبب بقائها ودوامها واستمرارها؛ فبدون العلم لا تقوم الحضارات ولا تنهض الأمم، وبدونه لا تستمر على حالها، ويشهد التاريخ والواقع على أمم كونت إمبراطوريات بقوتها المادية لا العلمية فسيطرت فترة وجيزة من الزمن ثم هوت بجهلها وخواء عقولها!! يقول تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ». وإنه بلاريب أن مقياس وعي الأمم؛ إنما يكون بالنظر إلى مدى اهتمامها بالعلم، وطلبها الدؤوب للمعرفة، وهذا المقياس هو الذي يدلنا على حالها ومستقبلها ومآلاتها، فإذا رأينا أمة تهتم بالعلم وتحرص عليه وتتمسك به، فنعلم أنها ستحقق التقدم والنهضة والازدهار، وأما إذا رأينا أمة لا تُعنى بالعلم، ولا تكترث له، ولا توليه اهتمامها، فنعلم أنها أمة متخلفة ولو ملكت ثروات الأرض بأجمعها، فإن العبرة ليست بالأموال، ولا بالقوة، ولا بالمساحة الجغرافية؛ إنما العبرة بمدى اهتمام هذه الأمة بالعلم وحرصها عليه، وواقع الدول أمامنا يصدقنا في ذلك!! وإذا رأينا أمة تهتم بعلمائها ومعلميها، وتحتفي بهم أكثر من احتفائها بغيرهم؛ فلنعلم أنها أمة متقدمة، أما إذا رأينا أمة تحتفي بمطربيها، وتهتم بلاعبيها، وتعطي الاهتمام الأكبر لملاهيها بينما تعرض عن علمائها ومفكريها ولا تلقي لهم بالا، ولا تعرف لهم حقهم ولا قدرهم فلنعلم أنها أمة تسير إلى منحدر الهاوية! ولنكن صرحاء مع أنفسنا، ولنواجه الحقيقة بقوة وشجاعة، ولنعترف بأننا مقصرون في اهتمامنا بالعلم واهتمامنا بمعلمينا وأساتذة جامعاتنا حيث لم ينالوا عشر معشار الاهتمام المستحق لهم فضلا عن التقدير الذي يحظى به علماء ومعلمو الدول التي سبقتنا حضاريا، حتى أن أساتذة جامعاتنا الذين درسوا وتعلموا في أعرق الجامعات العالمية على حساب الدولة، ورجعوا بحصيلة علمية متميزة وترقوا في السلك الأكاديمي حتى تحصلوا على (الأستاذية) بجدهم واجتهادهم وأصبحوا في تخصصاتهم من الخبرات العالمية، نجدهم بعد هذا المشوار العلمي، وفي قمة عطائهم الأكاديمي والإداري يتقاعدون مبكرا كرها بسبب عدم تقديرهم، وإجحاف حقهم في الترقي الوظيفي!! فكم خسرت البحرين من هؤلاء الأساتذة المتميزين في مجالات تخصصاتهم.. نعم لقد خسرت الكثير!! هكذا هو واقع المعلم والأستاذ في دولنا العربية والإسلامية حتى كره الناس وظيفة التعليم!! بينما وظيفة التعليم في الدول المتقدمة أصبحت من الوظائف التي يتنافس الناس عليها، لما فيها من المكانة الاجتماعية والتقدير الذي يوليه المجتمع والدولة للمعلمين، وكذلك ما فيها من الحوافز والمرغبات المادية فدرجة المعلم أعلى من درجة المهندس؛ وكما قيل: المهندس يبني حجرًا، وأما المعلم فيبني بشرًا.. نعم هكذا قدروا المعلم وكرموه، ورفعوا من شأنه وأجلوه، وأعلوا منزلته ورفعوه، فوصلوا باحترام المكانة العلمية للمعلم الى تلك المكانة الحضارية المتقدمة التي نشاهدها، فهل نُوُلي وزارات التربية والتعليم في بلادنا العربية والإسلامية اهتماما من حيث تعيين وزرائها وإدارييها وجميع موظفيها وفي مقدمتهم معلموها؛ ليكونوا على مستوى المسؤولية من الكفاءة العلمية والتربوية المتميزة، والقدرات الإدارية المتمكنة لقيادة أخطر وزارات الدولة (وزارة التربية والتعليم) التي تمثل المصدر الرئيسي في إمداد وزارات الدولة وقطاعاتها المختلفة بالكوادر البشرية المؤهلة والكفوءة للعمل في تلك القطاعات، فهل نلتفت الى هذه الوزارة العظيم خطرها، والبين أثرها في حركة التقدم والنهضة الحضارية المنشودة، ونُولِيها اهتماما أكبر، ونُولِّي عليها الكفاءة الأصدق والأعلم والأقدر على إدارة دفتها؟! يكون ما تقدم إن كنا جادين حقيقة في اللحاق بركب الدول المتقدمة علميا وتقنيا وصناعيا وغير ذلك، إنها الجدية في التغيير؟ فعين الماء إذا توقف جريانها، وركد ماؤها فسدت وأسن ماؤها، ولزم استبداله وتغييره لعدم صلاحيته، والتغيير سنة من سنن الحياة للامتحان والتمحيص وتجديد الدماء، فلا بد إذا من التغيير باختيار الأصلح والأخلص والأصدق، فإذا تم التغيير على الوجه الصحيح؛ فإن مستقبل التعليم سيكون أفضل، وواقعه أحسن، ومخرجاته أجود، وسيتحقق ما نأمله، وستسير عجلة التقدم والنهضة إلى الأمام -بإذن الله تعالى-، يقول تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..».

مشاركة :