انتابت بعض مسؤولينا فرحة، ربما مكتومة، وهم يرصدون التقارير والتحليلات التي تشير إلى أن انخفاض أسعار النفط، وما ترتب على ذلك من تأثير بالغ على المستويين السياسي والاقتصادي، إنما هو بترتيب وتخطيط من قِبل المملكة العربية السعودية وحدها. ومن آخر ما صدر بهذا الشأن ذلك التقرير الصادر عن صحيفة إنترناشونال بيزنس تايمز، عن أن مستقبل الوقود لم يعد يحدده إلا دولة واحدة، هي السعودية، مضيفاً بأنه رغم أن عام 2014 هو عام تحطّم النفط، بعد أن انخفض سعر برميل النفط إلى النصف، فإنه يظهر أن الدولة الوحيدة المستفيدة من خفض النفط هي السعودية. ولفت التقرير إلى أنه بحجر واحد أوقفت السعودية إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وهوت باقتصاد روسيا وإيران معاً، وأصبح المنتجون والمستهلكون يعتمدون إلى حد كبير على تصرفات بلد واحد، هو المملكة العربية السعودية. واسترجع التقرير ذكريات آخر مرة استغلت فيها السعودية قوتها النفطية في السياسة، مشيراً إلى أنه كان في سبعينيات القرن الماضي حينما انطلقت الحرب بين مصر وإسرائيل، لتمنع السعودية نفطها عن الدول الصناعية التي وجدت نفسها فجأة من دون وقود. وأشار التقرير إلى أن السعودية تعدّ المسيطر الأول على سوق النفط العالمية، ليس لأنها المصدر الأول للنفط في العالم، بل لقدرتها المالية على استيعاب صدمة انخفاض أسعار النفط، على عكس إيران التي انكشفت وسقط اقتصادها عند أول هبوط، مؤكداً أن النفط يشكّل أهم مصدر للطاقة بأكثر من حصة الطاقة العالمية، يليه الفحم والغاز. هذا التقرير يصب في الخانة ذاتها التي تصيب بعض مسؤولينا بالفرحة، لكني أقول: إن دواعي الفرح هنا لا بد أن تكون مشوبة بالحذر، بل الحذر البالغ؛ لأن الدول الغربية والإقليمية التي تضررت كثيراً من انخفاض أسعار النفط لن تترك الأمر يمر مرور الكرام. فبغض النظر عن الموقف الحقيقي للمملكة، وتأثيرها في سوق أسعار النفط، فيبدو أن الغرب وروسيا، وكذلك إيران، لديهم قناعة تامة بأن السعودية تمارس تجاههم سياسة عقابية، اقتصادية بالنسبة للغرب، وسياسية بالنسبة لإيران وروسيا، نتيجة لموقفَيْهما من سوريا وقضايا كثيرة بالمنطقة. يقيناً، لن يترك الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بلداً عربياً مسلماً يتحكم في أسعار النفط كيفما شاء، وأرى أن سياسة مضادة ستلوح في الأفق قريباً أو بعيداً، وسيكون من شأنها محاولة الحد من تأثير ونفوذ السعودية على أسواق النفط، وتقليم هذه الأظافر التي طالت الوجه الأمريكي. إيران أيضاً سيكون لها سياستها المضادة لهذا التوجه، وهي الأكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية والسياسية بالهبوط الحاد لأسعار النفط، وهذا ما يبدو أنه بدأ فعلاً؛ إذ كشفت مصادر يمنية عن أن هناك مخططاً لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، من خلال هجوم مخطط لجماعة الحوثي على حدود السعودية. وأوضحت أن الحوثيين يعملون على وضع خطط عسكرية لمهاجمة السعودية؛ كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، لإنقاذ إيران من كارثة اقتصادية لم تكن في الحسبان، حال استمرت أسعار النفط في الهبوط، خاصة بعد أن وصلت حالياً لأقل من 60 دولاراً، مع توقعات باستمرار الانخفاض. وأشارت إلى أن تفجُّر الأوضاع على الحدود اليمنية السعودية قد يؤدي إلى اشتعال أسعار النفط مجدداً، وهو ما سيكون لصالح الحكومة الإيرانية، موضحة أن الرؤية غير واضحة حول قدرة الحوثيين على شن حرب خاطفة على السعودية كما حدث في عام 2009، في ظل توسعهم وانتشارهم بشكل كبير في عدد من المحافظات اليمنية. (صحيفة يمن برس ـ 28/ 12). إلى مسؤولينا أقول: إنه يجب ألا ينسينا الفرح بتأثير بلادنا القوي على توجهات العالم سياسياً واقتصادياً ما يمكن أن يفعله الأعداء دولياً (أمريكا وروسيا) وإقليمياً (إيران) لوقف هذا التأثير بالسبل كافة.. وإذا ظننا غير ذلك فلا شك أنها لن يكون سوى أوهام من عسل.
مشاركة :