خلال وجودها في العاصمة الفرنسية، التقت باميلا كسرواني بالراقصة السورية الشابة يارا الحاصباني التي أخبرتها عن حياتها الجديدة في باريس بعد رحلة طويلة من المآسي والأحزان. حالما دخلت يارا الحاصباني إلى المقهى الباريسي، تنسى أنها متأخرة عن الموعد وأن انتظارها طال دقائق طويلة. والسبب؟ هي كتلة من الحركة والعفوية والطاقة الإيجابية التي سرعان ما تنقُلها إليك. طاقة ايجابية وتفاؤل على الرغم من أن حياة هذه الشابة البالغة من العمر 25 عامًا لم تكن سهلة حتى الآن. ولدت وترعرعت في الشام إلى حد العشرين من عمرها لتُضطر إلى الهروب إلى تركيا وبعدها الاستقرار في فرنسا. فيارا وعائلتها، على غرار الكثير من السوريين، كانوا من المشاركين في الاحتجاجات والتظاهرات التي انطلقت عام 2011. إلا أن لحظات التفاؤل التي تتحدث عنها سرعان ما تحوّلت إلى كابوس فمأساة بعد اعتقال والدها مرّتين ووفاته. وهنا تخبرنا «بعد 23 يومًا على اعتقال أبي للمرة الثانية، أخبرونا أنه استُشهد. وبعدها بأسبوع، وردني اتصال تهديد بأنني التالية. كنت خائفة أن أخبر أمي لأنها ستطلب مني الرحيل. وكان الصراع أن أحكي لها وأسافر أو أن أبقى ويحصل لي مكروه كما حصل مع أبي». وبعد لحظات من التوقف، تتابع «أخبرتها في النهاية وكنت أول من غادر وظلّ المنزل مراقبًا لنجتمع أنا وأخي وأختي وأمي جميعنا في اسطنبول وتوجه لاحقًا إلى فرنسا». هناك، استقرت يارا وعائلتها في منطقة لا روشيل لتنتقل بعدها إلى باريس التي تصفها بـ«الجنة والنار». في فرنسا، نجحت يارا أن تكمل حلم الرقص الذي طالما رافقها؛ حلم بدأ وهي صغيرة. فتخبرنا «كان عمري 12 سنة عندما ذهبت مع أبي وأمي إلى أول نادي رقص بحارتنا في صحنايا وكنت من أول الطلاب ثم درست في المعهد العالي للفنون المسرحية 3 سنوات». تحدّت يارا نظرة المجتمع السوري العربي وتساؤلات الكثيرين حيث تفصح لنا «عندما كان العسكري على الحاجز يطلب أوراقي، كان يسألني مستهزئًا «أنت لا تدرسين الرياضيات أو الجغرافيا؟ ما معنى راقصة، أنت راقصة؟ فذهبت إلى مدير المعهد وغيّر المهنة إلى «الكلاسيكي التعبيري»، لم يكتب كلمة رقص أبدًا». ولكنها أيضًا تحدّت الهجرة واللجوء لمواصلة الرقص؛ رقص مارسته في الشوارع الفرنسية حيث تقول لنا «في البداية، لم يكن لدينا مسرح أنا وحسين غجر ولم نكن نتقاضى الأموال. وفي الشارع، وجدنا أن الجمهور هو أجمل جمهور نتكلّم معه». إلا أن الوضع تغيّر عندما وصلت إلى باريس والتحقت بمؤسسة «بيير كلافير». وتخبرنا «أتيت إلى باريس لأجتمع بشاب أحببته ولأنني كنت أكره لا روشيل. وهنا دخلت المؤسسة التي تُعنى بمساعدة طالبي اللجوء وتعلمت الفرنسية. وبدأت مديرة المدرسة تساعدني بشكل شخصي وتصلني بأناس لهم علاقة بالرقص.. حتى أنها عرّفتني على سيدة تملك ناديا رياضيا حيث أتدرّب». وفي الفترة الأخيرة، انضمت إلى «ورشة الفنانين في المنفى» وبدأت تتدرب معهم وتتعرف على عالم الرقص لتقدّم عرض «غير قابل للتوقف» الذي قدمته ضمن «مهرجان ربيع الرقص العربي» الذي نظّمه معهد العالم العربي ثم في مسارح أخرى. وتخبرنا «هذا العرض يتحدث عن كل فرد يقوم بشيء يحبه وسعيد جدا ويتضمن أيضًا جزءًا عن سوريا وآخر عن الرحلة التي اجتزتها حتى الآن». أفكار عروضها غالبًا ما تنبع من تجاربها مضيفة «الأشياء الجميلة التي عشتها أضيفها بحركة رقصة وكذلك الأشياء البشعة. تولد الأفكار كل يوم». أفكار كثيرة تعجّ في رأس هذه الشابة التي عانت الكثير لكن الرقص تحوّل إلى متنفسها. هي لا تتمرّن يوميًا على الدوام إلا أنها قد تمضي أشهر طويلة تتمرن على الرقصة ذاتها قبل أي عرض. وهنا تخبرنا «أعرف جسدي واكتشفت نقاط قوتي وضعفي وأتمرّن عندما أنظف المنزل أو عندما أستيقظ في الصباح الباكر. كل الحركات تصبح جزءًا من حياتي اليومية. ليس ضروري أن أذهب إلى الصف». حتى أنها طوّرت أسلوبًا خاصًا لها تُطلق عليه «يارا ستايل» مشيرة «بعض الراقصين يقولون لي إنني أمزج المسرح بالرقص وأستعمل حركات ما يجعل أسلوبي يندرج وجهي تحت المسرح الحركي أكثر من الرقص المعاصر لكنني أرد عليهم بأن ما أقوم به هو رقص معاصر ألجأ خلاله إلى كل عضلات جسمي». أسلوب خاص بها تحوّل إلى طريقتها عن التعبير. وتخبرنا «في البداية، عندما شعرت أنني أريد أن أحارب، لم أجد سوى جسدي لأنني متمكنة منه. فمنذ أول صدمة، وهي فقدان أبي، شعرت أنني لا أستطيع أن أتكلم، عملت مشهد صغير أرقص به ومن خلاله أتكلم». تتكلم بجسدها من دون توقف ولا تخشى من خوض تجارب جديدة مثل المشاركة بمسرحيات تضطلع بدور الراقصة والممثلة في آن واحد وتحلم بأن تعرض في المخيمات محاطة بالأطفال. غير أن حلمها الأكبر يبقى العودة لتقدم عرضًا في وطنها مشددة «لا أحلم بل سيتحقق هذا الأمر. حتى لو كان عمري 50 سنة، سأعلّم أو أرقص في سوريا».
مشاركة :